مراكز مجهولة لممارسة 16 نوعا من التعذيب في غزة

يقول المحامي أمام المحاكم النظامية في غزة مخيمر البلعاوي إن السجان الذي يمارس التعذيب لا ينتمي للإنسانية، وليس لديه الحد الأدنى من التكوين الإنساني والرفق بالبشر، وما نشاهده من صور تعذيب هي دون الحد الأدنى بالرفق بالحيوان.

أسلوب أم عادة، أو أنه تصرف ناتج عن شخص يملك قوة مؤقتة محيطها جدران السجن، ومصدرها السلطة الحاكمة. هكذا هو التعذيب، أو إن صح ما يسميه البعض الإساءة للإنسان ومعاملته ككائن لا علاقة له بالإحساس مطلقا.

في قطاع غزة، تعذيب ممنهج بـ 16 وسيلة أبرزها عمليات الشبح، الضرب المبرح، العزل الانفرادي، حلق شعر الرأس واللحية، الشتم بألفاظ نابية، والتهديد بالقتل، وإطفاء السجائر في الجسد، بينما هناك حديث عن تعذيب أيضا في الضفة الغربية

تستمر تلك الأفعال بشكل يومي طالما بقي الإنقسام الفلسطيني، فقد أوردت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان إحصائية عن شهر أيلول سبتمبر الماضي جاء فيها أن347 شخص قدموا شكاوى ضد الأجهزة الأمنية في الأراضي الفلسطينية منها 48في قطاعغزة و299 في الضفة الغربية"ويدعى مقدموها أنهم تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة، مع الإشارة إلى أنمحمد الفرجانيالكثيرين ممن تعرضوا للتعذيب في غزة يخشون تقديم شكاوى ضد الأجهزة الأمنية.

محمد الفرجاني 24 عاما من قطاع غزة اعتقل وتم سجنه لمدة ثمانية أيام خرج بعدها من السجن بغرامة مالية قدرها 2500 دولار يتحدث "لإيلاف" عن أسباب اعتقاله، فيقول: "تم اعتقالي مع أربعة أشخاص من أحد الأنفاق على الحدود في رفح، ووضعوني في السجن على خلفية تهريب السجائر، مع العلم أنهم قاموا بتفتيش النفق ولم يضبطوا أي نوع من أنواع السجائر".

ويبين: "لقد تعرضت للتعذيب كي أعترف أنني قمت بتهريب السجائر، حيث قالوا لي في السجن بأن قضية تهريب الدخان قديمة وليس جديدة، ولا بد أن أعترف عليها".

ويقول محمد أن آثار الضرب كانت واضحة على أكتافه وفي قدميه، ويوضح: "كنت جالس على الأرض وانهالوا علي بالهروات وضربوني بشكل قوي، وتم رشي بالمياه، وقالوا لي سواء قمت بتهريب السجائر أم لا فلن تخرج من السجن إلا إذا دفعت الغرامة المالية".

ويشير إلى أنه قدم شكوى في أحد مراكز حقوق الإنسان، وأيضا في مكتب وزير الداخلية، ويتابع: "جميعهم قالوا بأنهم سيتابعوا الموضوع، ولكني لا أتوقع أن شيئا ما سيحدث، ولن يعود لي حقي".

لا يسمح لنا بمعرفة أماكن التعذيب

رنا حداد محامية وناشطة في مجال الديمقراطية وحقوق الانسان ومناهضة للتعذيب تقول "لإيلاف": "التعذيب موجود في قطاع غزة والضفة الغربية بسبب الإنقسام السياسي، ولا يوجد حيادية في توقيف الأشخاص بالشكل المناسب أو على أساس تهمة فعلية".

وتضيف: "اليوم يمارس التعذيب بحق الأشخاص كنوع من الإرهاب والضغط النفسي دون أن يعرفوا أسباب اعتقالهم وما هي التهمة المنسوبة إليهم".

وتشعر حداد بالاشمئزاز والقهر والعجز والمهانة عندما تشاهد صور التعذيب وأشكاله، وتقول: "لا أتخيل أننا في القرن الواحد والعشرين وما زلنا نمارس مثل أساليب التعذيب هذه، رغم أن فلسطين من أكثر الدول التي ترتفع فيها نسبة التعلم لدى الشباب".

وترى حداد أن المحامين غير قادرين على الدفاع عن الضحية وإن كان فهو بشكل جزئي، وتضيف: "نستطيع مساعدة البعض من خلال الإفراج عنهم بكفالة أما الأشخاص الذين يعتقلوا على قضايا حزبية أو سياسية فلا يسمح للمحامين أن يترافعوا عنهم ولا أن يعرفوا أماكن التعذيب التي يتواجدون فيها ويتعرضوا لجميع أنواع التعذيب".

وتقول أنها لا تستطيع مساعدة الأشخاص الذين تم تعذيبهم لأنهم في الأصل غير متهمين، وتتسائل: "كيف سأساعدهم، وإذا أردت فعل شيئ فيمكنني المطالبة بالتعويض ولكن ممن ؟".

وتحصل حداد على دورات مكثفة من خلال مؤسسات حقوق الإنسان لتعزيز مفاهيم لديها كمحامية، فتقول: "دراستنا التي حصلنا عليها في الجامعة تختلف تماما عن الحياة العملية التي نمارسها في المحكمة، ولذلك نحاول الإستفادة من تجربة المؤسسات كي نستطيع توجيه الأشخاص الذين تم تعذيبهم حول كيفية تقديمهم شكاوى ومتابعتها".

وتطالب حداد مراكز حقوق الإنسان بتفعيل دورهم ومحاولة الوصول إلى المواطنين، فتقول: "يجب أن تتقدم مؤسسات حقوق الإنسان بطلب رسمي لمدراء التربية والتعليم لتدريس مناهج كاملة تتعلق بحقوق الإنسان بمراحل تدريجية حتى الوصول الى المرحلة الجامعية أو على الأقل أن يسمح لهم بإعطاء دورات تثقيفية في المدارس".

القضاه لا يستمعون للمحامين

المحامي شعبان الجرجير 35 عاما يقول إن هناك تعذيب في غزة والضفة ويرجع ذلك إلى عدم وجود كفاءات وخبرات في مجال التحقيق وعدم استخدام تقنيات متطورة في الوصول إلى الجريمة.

ويبين في حديثه "لإيلاف": "عندما نشاهد صور التعذيب نشعر بالفزع والخوف أن يمارس علينا هذا الفعل مستقبلا، ونشعر بعدم الاستقرار والخوف في حياتنا من أن نكون مستعبدين من قبل إنسان يمارس علينا كافة الأفعال اللاإنسانية كالضرب والحرق والاعتداء الجنسي والشبح".

ويتابع: "الوسائل التي تستخدم يمكن أن تخلق من إنسان سوي ومنتج في مجتمعه تجعل منه مجرما في المستقبل لأنها قد تؤثر على سلوكياته المستقبلية في أن تكون لديه ردات فعل انتقامية ضد من مارس عليه التعذيب".

ويقول الجرجير أن ورشات العمل تعزز لديهم ثقافة القوانين والمواثيق الدولية التي تعمل على مناهضة التعذيب بالإضافة الى القوانين الوطنية التي نصت على تجريم وتحريم التعذيب، ويضيف: "نستفيد من المؤسسات الحقوقية التي تزور المحتجزين وتأخذ أقوالهم وتتعرف على الأساليب التي استخدمت في التحقيق".

ويوضح: "تدلنا المؤسسات الحقوقية على الأساليب المبتكرة والمتطورة التي تمارسها بعض أجهزة التعذيب وهذا يشكل أسلوب إرشادي لنا كما نفيدهم نحن في وقائع وقضايا عملية". ويتحدث الجرجير عن دور المحامين فيقول أنهم يطعنوا بالإعترافات الناتجة عن التعذيب أمام المحاكم ويأخذوا أحكاما ببراءة المتهمين.

ومع ذلك يرى أن هناك حاجة إلى محامين متخصصين وخبراء، ويطالب بتوفير الحماية والحصانة لهؤلاء المحامين في ممارستهم لعملهم، ويشير: "على الأقل أن تكون هناك ضمانة لاستقلالهم في العمل دون أي تأثيرات أو تهديدات أو وعد ووعيد من قبل أي جهة من الجهات".

ويشتكي الجرجير قائلا: "المشكلة الكبيرة أن القضاء أحيانا لا يستمع للمحامين والوضع السياسي مسيطر على الجميع، ولا يستمع القضاة لموضوع الطعن في الإجراءات أو الطعن في الإعتراف الناتج عن إكراه أو تعذيب".

مخيمر البلعاوي 47 عاما وهو محامي أمام المحاكم النظامية بغزة يقول بان السجان الذين يمارس التعذيب لا ينتمي للإنسانية وليس لديه الحد الأدنى من التكوين الإنساني والرفق بالبشر، وما نشاهده من صور تعذيب هي دون الحد الأدني بالرفق بالحيوان.

ويضيف: "عندما تحدثنا مع مدراء المراكز والأقسام قالوا لنا بأن المحققين هم نخبة من المهنيين القانونيين والحقوقيين الدارسين لعلم النفس وشتى العلوم الإنسانية، ولكن الأسلوب الذي يمارسونه بعيد كل البعد عن الحد الأدنى للثقافة العامة".

ويبين البلعاوي أن القضاة لا يترووا ولا يتوقفوا أمام الإجراءات الباطلة، ويتابع: "في الأساس هناك نظام يسير الأشياء، وهنا لا يوجد فصل بين السلطات ولذلك يجب أن يكون هناك فصل حتى لو كان نسبي ولا أتحدث عن فصل مطلق، وإنما استقلال القضاء.

ويطالب البلعاوي أن يكون بإمكان المحامين مراجعة السجون والإلتقاء مع موكليهم على انفراد، ويقول أنه لابد من سيادة القانون ومزيد من الديمقراطية واحترام الرأي الآخر.

المحامي يسعى لمصلحته وكسب قضاياه

رئيس النيابة في قطاع غزة، إيهاب الدريوي، يقول في تصريحات "لإيلاف" رداً على اتهامات المحامين للقضاء: "لا نميز بين أحد، فالجميع أمام القانون سواء، وهناك محددات وضوابط قانونية في عمليات التفتيش والقبض والحبس، فهي لا تتم وفق اعتبارات شخصية أو سياسية بل هي محكومة بأوامر قضائية".

ويستغرب من حديث المحامين حول تجاهل القضاء لهم، فيشير: "من كثرة تشدد القضاء على الأمور الإجرائية فتحرص النيابة العامة على عدم أرسال الملف إلى المحكمة إلا بعد استيفاء كافة الإجراءات القانونية الصحيحة، فالقاضي يسمع جميع الأطراف ويعطي الفرصة المناسبة لكل طرف في إبداء ما يشاء من دفوع وطعون دون أن يصادر على أحد حقه، فالقضاة مستقلون،لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة".

ويوضح الدريوي بأن للمحامين كامل الحق في الدفاع عن موكليهم دون التعرض لهم، ويزيد قائلا: "لا يتم إستجواب أي موقوف من قبل وكلاء النيابة إلا بتخييره بالسؤال هل تريد أن يحضر معك محامي، وتتوقف جميع الإجراءات لحين إحضار المحامي ويمهل لأربع وعشرين ساعة، إلا إذا قال الموقوف أنه لا يريد محامي".

ويقول أن المحامين معنيون دائماً أن يكبسوا قضاياهم ومصلحتهم في ذلك ويتابع: "ليس مقبولا وليس هناك مبرر أن يتهم المحامين القضاء أو النيابة العامة بأنها لا تستمع لهم أو أن هناك تعذيب لموكليهم إذا ما عجزوا بالدفاع عنهم وفقا للأصول الإجرائية على الرغم من توفير ذلك له".

ويشير الدريوي بأن النيابة العامة خصم شريف وأنه قبل أن تسعدها الإدانة تسرها البراءة للمتهم، ويبين: "يحرص وكيل النيابة عندما يحال له الموقوف على سؤاله إذا ما تعرض للتعذيب والإكراه، وللموقوف كامل الحرية والراحة النفسية بأن يتحدث دون مشاكل، ويقوم وكيل النيابة بمعاينة جسم الموقوف كاملا ويسجل ذلك في محضر الإستجواب".

ويتابع: "كل ذلك يتم بحضور المحامين، ويأمر كذلك وكيل النيابة بعرضه على الطبيب لمعرفة ما إذا كانت الإعترافات إنتزعت منه بالقوة أم لا".

ويبين الدريوي: "مبدأ أن الإعتراف هو سيد الأدلة ذلك كان في الحقبة الماضية من الزمن، والآن وصلنا إلى التطور العلمي والتكنولوجي ما يمكننا من التعامل مع الأشخاص الموقوفين أو المتهمين، ولذلك لا نعتمد على الاعتراف فقط، فلوكيل النيابة سلطة تقديرية في تقدير وتقييم هذا الاعتراف".

ومع ذلك يرى بأن الكمال لله، وأن بعض التجاوزات والأخطاء البسيطة لا تشيب الإنجاز الكبير، ويتابع: "الأمور تقاس بغالبيتها وليس بندرتها، فهناك عشرات الآلاف من القضايا التي أودعتها النيابة العامة للمحكمة تمت وفق إجراءات قانونية سليمة، فإذا ما حدث هناك خطأ في ملف أو اثنين فهذا لا يعكس أسلوباً أو منهجاً وإنما يقدر في حالة الخطأ الفردي الناتج عن عدم المعرفة والعلم من قبل بعض المحققين بماهية الإجراءات القانونية".

ويتابع: "لقد شكلت النيابة العامة وجهاز الشرطة الفلسطينية لجنة مشتركة من الإدارة العامة للتفتيش القضائي ومكتب مفتش عام الشرطة في سبيل المتابعة والمعالجة لمكاتب التحقيق ومراكز الإصلاح والتأهيل والسجون".