عبد العزيز خوجه يحاور خلفه في العام 2090

عبدالعزيز خوجة: دخلت بيتي أريد أن أستريح بعد عناء يوم طويل من العمل، كنت مرهقا جداً، لن أتناول العشاء، سأغلق هاتفي، ولن أتكلم مع أحد، سأنام مباشرة.

استلقيت على الفراش، أغرقت تفكيري في أحلام سعيدة أخطط لأراها في المنام، إذا فكرت في اجتماعات الغد سأفتح الهاتف، وإذا فتحت الهاتف لن أنام.

فشلت حيلة الأحلام، تسليت بحيلة قديمة، بدأت العد، منتظراً أن يباغتني النوم من حيث أدري أو لا أدري، وحين وصلت إلى الرقم 334 شعرت بأن البيت يهتز وأن الأمطار هطلت كالطوفان، صوت الرعد طنان، أنوار البرق تضرب الأبصار، وانفتحت النافذة فجأة، وجدت مركبة غريبة تقف امامها، انفتح باب المركبة، ظهر شاب نظر إلى عينيّ، وقفز مباشرة إلى غرفتي.نهضت من الفراش، تملكني الخوف.

قلت له مذعوراً: من أنت؟.

قال: أنا وزير الثقافة والإعلام.

قلت: أهلا وسهلا، في أي دولة؟.

قال: المملكة العربية السعودية.

قلت: اتشرّ..، ماذا تقول؟!.

قال خجلاً: أرجوك، لا تفهمني غلط، انت وزير الثقافة والإعلام، وأنا وزير الثقافة والإعلام.

قلت مذهولاً: في الوقت نفسه!. والله فكرة!.

قال مطمئناً: يا أخ عبدالعزيز، لا تفهم غلط، أنا صدر قرار تعييني عام 2090م.

قلت مصدوماً: 2090!!!.

قال: نعم، 2090. وأنا جئتك بآلة الزمن، لقد مضى على توزيري سنتان، العلم تطور عندنا، لقد أحدثت الجامعات الجديدة التي تأسست أيامكم نقلة عظيمة في تاريخنا.

قلت: والله حاجة تفرح.

قال: لا أريد أن أضيع الوقت، التجارب العلمية عندنا لم تتوصل إلى تموضع زمني يتجاوز العشرين دقيقة.

قلت متسائلاً: تموضع زمني؟!.

قال: هذه قصة طويلة، التموضع الزمني معناها المكوث في زمن الماضي من زمن المستقبل. عوامل التأثير على التموضع: الترياق الهمايوني، الجدار النقطي الإمبريقي، المطاط الزفيريوني..

قاطعت: حيلك عليّ. لا تهدر وقتك ولا تربك وقتي، ماذا تريد مني؟.

قال: باختصار شديد، ستنظم الوزارة بعد أشهر معرض الرياض الدولي للكتاب، وعندي مشكلة، هناك مجموعة من المثقفين تطالب بفسح كتب معينة، ومجموعة أخرى تطالب بمنع كتب معينة، ومجموعة ثالثة تطالب بفسح الكتب الممنوعة، ومجموعة رابعة تطالب بمنع الكتب المفسوحة. صرّحت بأن كل الكتب مفسوحة فقامت الدنيا ولم تقعد، فصرحت بأن كل الكتب ممنوعة فقامت الدنيا - أيضاً - ولم تقعد. ماذا أفعل؟!.

قلت: غريبة!.

قال: بلاش ده الموضوع. المثقفون السعوديون يشتكون بأن النتاج الأدبي السعودي والفكري ينشر في الصومال و..

قاطعت مرة أخرى: في الصومال؟!. هذه الأيام ينشرون في لبنان؟!.

قال: ما زالوا ينشرون في لبنان، لكن المثقفين السعوديين زادوا كثيراً، وغطوا حاجة الناشر اللبناني، فعاد قسط منهم للنشر في مصر وغطوا حاجة الناشر المصري، ومع حل الحرب الأهلية في الصومال، ازدهرت صناعة النشر هناك واتجه إليها المثقفون السعوديون. لا تسألني - لو تكرمت - عن الناشر السعودي، لأننا اكتشفنا - في زمننا - أنه أذكى ناشر عربي، إنه شريك الناشر اللبناني، وشريك الناشر المصري، وشريك الناشر الصومالي. وهذه الشراكة بدأت في زمنكم، وتوثقت لاحقا.

قلت: غريبة!.

قال: بلاش ده الموضوع، المتعاونون في التلفزيون السعودي يتذمرون من تأخر صرف المكافآت، وكما تعلم أن هذا الموضوع متعلق بالبنود ونحن في الوزارة...

قلت: أبوس يدّك اسكت!.

قال: بلاش ده الموضوع، بالنسبة إلى تحويل التلفزيون ووكالة الأنباء والإذاعة إلى مؤسسة عامة، لم...

ذعرت وقلت: لأ، لا تقل لي إنها لم تتحول!.

قال: أبشرك أنها تحولت، لكن الناس لم ترض عن التجربة، فطلبوا تحويلها إلى مؤسسات خاصة، وبالفعل تم تحويلها إلى مؤسسات خاصة، ولكن الناس لم ترض مرة أخرى، فعادت مسؤوليتها من جديد إلى وزارة الثقافة والإعلام، لكننا لم نرض ولم يرض الناس، لذلك نفكر في تحويلها مرة أخرى إلى مؤسسات عامة، ما رأيك؟

قلت: غريبة!.

قال: بلاش ده الموضوع، بالنسبة للأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون ماذا..

قلت مقاطعاً على الفور: قبل أن تسأل عن الأندية والجمعية، ما أخبار المراكز الثقافية؟.

قال: أووه، نسيت أن أخبرك، بعد أن غادرت أنت الوزارة بنحو عقد ونصف- كما لا تعلم - تم إغلاق آخر صحيفة ورقية في المملكة عام 2025، وأعلن في العام نفسه أن المملكة استطاعت أن تحقق مشروع "كل مواطن.. مدوّن"، وبالتالي استحدثت وزارة "الدردشة والتدوين" وتم تعيين عميد المدونين السعوديين يومها أول وزير لهذه الوزارة، وبسبب الكثافة السكانية العالية جداً وغلاء أسعار الأراضي، ونظرا للحاجة الماسة إلى مقار للوزارة الجديدة، تم تحويل المراكز الثقافية إلى مقار لها.

قلت: وكيف علاقة وزارتنا بالوزارة الجديدة؟.

قال باكياً: أنت تعرف أن المستقبل للصحافة الإلكترونية والمدونات والمواقع الاجتماعية والمنتديات الإلكترونية، لذلك أصبحت "وزارة الدردشة والتدوين" وزارة مهمة، واحنا وزارة أقل من عادية، هناك ناس تطالب بفصل "الثقافة" عن "الإعلام"، وناس تطالب بدمج وزارتنا مع وزارتهم، وناس تطالب بإلغاء وزارتنا، تصور هناك من يطالب بإلغاء وزارتنا، أليست هناك حرمة للتراث والفلكلور...

قلت ضاحكاً: بلاش تكمل، ماذا عن الأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون؟

قال: آآه. هناك مشكلتان، المشكلة الأولى: أننا خصصنا 454 مليار ريال للأندية الأدبية ولم تكف، وخصصنا 545 مليار ريال لجمعية الثقافة والفنون ولم تكف...

قلت محتجاً: نعم!!، كم مليار؟؟! لازم يحمدوا ربهم. بعدين كم ميزانية الدولة؟.

قال: يا الله. أنت رجل من الماضي صحيح، سيتغير العالم يا عزيزي، الغلاء يستشري، المليار دولار في زمننا يساوي مئة ألف دولار في زمنكم.

قلت: الله ينتقم منك، العالم مو ناقصة أخبار سيئة. بالمناسبة كم سعر الصرف؟.

قال: 3.75.

قلت: الحمد لله.

قال: أما المشكلة الثانية، فهي انتخابات الجمعية العمومية، هناك صعوبة في ...

قلت: أتوسل إليك اصمت.

قال: بلاش ده الموضوع، بالنسبة للمجلس الأعلى للثقافة والعلوم والآداب...

قلت: الحمد لله، قام المجلس؟!.

قال: نعم، وهو يؤدي دوراً ممتازاً في دعم دراسات الروبوت هذا العام.

قلت يائساً: الروبوت!!.

قال: نعم، الثقافة في زمننا غير زمنكم، الثقافة تطورت بعد أن عادت أفواج المبتعثين إلى البلاد - في زمنكم - من الخارج. ونحمد الله أن جاء الزمن الذي تم فيه تعيين وانتخاب أعضاء المجلس الأعلى للثقافة من تلك النخبة، وشكلت هذه الخطوة نقلة كبرى للبلاد، لقد تطور مفهوم الثقافة، ليست مجرد أدب وفنون، هذه مهمة الأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون، أما المجلس فهو ينظر للثقافة بمفهوم واسع جداً، يشمل حتى العلوم، من أجل تحسين حياة الناس والرقي بمداركهم.

قلت: يا سلام، أخيراً فرّحت قلبي.

قال: لا تفرح كثيراً، هناك مجموعة في مجلس الشورى تطالب بأن يدعم المجلس العام المقبل دراسات علم الروبوت النفسي، والمجلس مصر على الانتقال إلى دراسات الفاركون الأيولوجيكي (علم متطور جداً سيتفرع من علم الجينات)، ما رأيك؟.

قلت: أنتم أدرى بشؤون زمنكم. بالمناسبة كيف هي علاقتكم بمجلس الشورى؟.

قال: في الحقيقة إنهم في هذه اللحظة - في زمني - يناقشون التقارير التي رفعتها وزارة الثقافة والإعلام عن عام 2088 وبالتالي...

قلت: اسكت لا تورطني مع أحد!.

قال: بلاش ده الموضوع، هيئة الصحافيين، مجلس الإدارة..

قلت: هل هو مجلس الإدارة الحالي نفسه في زمني؟.

قال: تقريباً، ونحن نتعاون مع المجلس بكل إخلاص من أجل..

قلت: يكفي الله يرضى عليك!.

قال: هناك موضوع أخير، المجلس الأعلى للكتاب، إننا نقوم الآن على إعادة طبع كتب التراث حتى تحفظ للأجيال القادمة، نقوم الآن بإعادة طباعة كتب د. غازي القصيبي، د. عبدالله الغذامي، عبدالله الصيخان، سعد الصويان و...

قلت: تراث مين الله يسامحك؟!.

قال: نعم، أنتم أصبحتم من التراث، أتمنى لو أكرمتني بنسخة من ديوانك "الليل الرخيم تحت جناح نورس متقاعد"، وديوانك "حسناء الجمال الفادح والقمر الخشبي".

قلت: لم أصدر ديواناً بهذا العنوان أو ذاك!.

قال: بلى، أصدرتهما عام 2013.

قلت: نحن في عام 2010!.

قال: أعتذر جداً، آسف على الإزعاج، لعلنا نلتقي بعد ثلاث سنوات، إلى اللقاء.

قلت: إلى اللقاء!.