لوبان يستعدّ لتسليم مشعل اليمين المتطرف في فرنسا إلى ابنته
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بعد أن نجح الرئيس الفرنسيفي اقتحام ملعب اليمين المتطرف لاقتناص أصوات ناخبيه بتركيزه في الحملات الانتخابية السباقة على خطابات إرساء الأمن في الأحياء الشعبية وتشديد قوانين الهجرة، يبدو ان اليمين المتطرف المتسلح بشعار "فرنسا للفرنسيين"، على طريق استعادة عافيته على يدابنة زعيمه جان ماري لوبان، مارين لوبان.
استعاد اليمين المتطرف الفرنسي، متمثلا بالأساس في الجبهة الوطنية لزعيمها التاريخي جان ماري لوبان الذي تربع على رأس هذا التنظيم منذ سنة 1972، استعاد عافيته سيما بعد النتائج التي سجلها في آخر إنتخابات محلية، والتي أعطت وقتها فوزا ساحقا للاشتراكيين.
وفي ظل أزمة كالتي تعيشها فرنسا اليوم، لا يمكن له إلا أن يتقوى أكثر، لأنه كما هي عادته، يخاطب الناخبين بالعاطفة وليس بالفكر، متسلحا بشعاره المعروف "فرنسا للفرنسيين"، محملا المهاجرين المسؤولية عن المعضلات الاقتصادية والاجتماعية لفرنسا.
اليمين المعتدل يصطاد الأصواتمن ملعب اليمين المتطرف
مما لا شك فيه، أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي نجح في اقتحام ملعب اليمين المتطرف لاقتناص أصوات ناخبيه بتركيزه في حملة الرئاسيات على خطابات إرساء الأمن في الأحياء الشعبية وتشديد قوانين الهجرة، و هو ما سبب للجبهة الوطنية هزيمتين قاسيتين، الأولى في الرئاسيات والثانية في التشريعيات، أدتا إلى تراكم ديون كثيرة عليه حتى أنه اضطر لبيع مقره الرئيسي "بسان كلو" و الانتقال إلى مقر متواضع.
وفي مرات عديدة اشتكت الجبهة الوطنية،التي تعاني من نتيجة الضربتين اللتين تلقتهما في الرئاسيات و التشريعيات، من كون نيكولا ساركوزي سطا على أفكارها، و استولى على أصوات ناخبيها، و هو ما يؤكده العديد من الملاحظين، على أن اليمين الحاكم بزعامة ساركوزي دحر سياسيا في فترة من الفترات اليمين المتطرف مستعملا نفس السلاح الانتخابي الذي يستخدمه هذا الأخير.
وقال ع. الرحيم مزهر لإيلاف، وهو دكتور باحث بجامعة بوركون ورئيس مرصد التعددية الثقافية في مدينة ديجون الفرنسية،"رجال السياسة الأوروبيين يسعون اليوم، إلى اقتناص أصوات اليمين المتطرف لأجل البقاء في السلطة"، في إشارة منه إلى أنها طريقة المستهدف الأول منها هم المهاجرون.
من جهته،اعتبر عياد أهرام، الكاتب العام للجمعية الحقوقية "لاسدوم" التي تنشط بباريس، في تصريح لإيلاف إن النظرة التي أصبح ينظر بها للمهاجر في فرنسا في بعض الأوساط لا تعني أنه "عنصر للسلام و الثراء و التعدد، و إنما للأسف، يشار إليه بالأصبع ويقلل من قيمته ،بل ويستعمل في جميع الحملات الانتخابية".
استفزازات اليمين المتطرف للمسلمين
يعرف زعيم اليمين المتطرف جان ماري لوبان بتهجماته المتكررة على المسلمين في فرنسا واستفزازهم. إذ قال الأب الروحي للجبهة الوطنية إبان حملة الجهويات الأخيرة "اليوم الذي يصل فيه عدد المسلمين بمرسيليا إلى 800 ألف حينذاك سيصبح اسم العمدة ابن كودن"، في إيحاء إلى اسم العمدة الحالي، مضيفا إليه مصطلح ابن لاستفزاز المسلمين، و محاولة منه لزرع الرعب في نفس الناخب الفرنسي.
وأدان القضاء الفرنسي في مناسبات سابقة قائد الجناح المتطرف في المشهد السياسي الفرنسي بسبب تصريحاته تجاه المسلمين بفرنسا، كما حدث سنة 2004، حين أدين على خلفية تصريح له في استجواب مع صحيفة لموند، قال فيه،"عندما يصل عدد المسلمين بفرنسا إلى 25 مليون سيعود الحكم لهم". ليعود بعد شهر من هذا ليتهجم مرة أخرى على نفس الفئة، في استجواب مع صحيفة محسوبة على اليمين المتطرف "ريفارول".
أي مستقبل لليمين المتطرف؟
بعد إعلان شيخ اليمين المتطرف جان ماري لوبان تخليه عن رئاسة الحزب اليميني المتطرف (الجبهة الوطنية)، بدا واضحا أنه يسعى لتعبيد الطريق امام ابنته مارين لرئاسة الحزب على حساب الرجل الثاني في الجبهة برينو غولنيش.
وإن كان المؤتمر الأخير للجبهة الوطنية أعطى نائبين للرئيس بمهمتين مختلفتين: الأول كان من نصيب مارين لوبان التي أوكلت لها مهمة الاتصالات و الدعاية، والثاني عاد لمنافسها برينو غولنيش، الذي يعتبر علامة اليمين المتطرف، و فوضت له بموجب ذلك مسؤولية الإشراف على الشؤون الأوروبية و الخارجية.
وانطلاقا من المهام التي أوكلت لكل منهما، يرى المراقبون أن وضع غولنيش في هكذا مهمة كان بغرض التقليص من إشعاعه الوطني وداخل التنظيم، فيما مكنت مهمة الاتصالات و الدعاية مارين لوبان من زيادة شعبيتها لاحتكاكها المستمر مع وسائل الإعلام، وهو ما سيخدم بشكل غير مباشر طموحاتها الحزبية في خلافة أبيها وحتى السياسية في الترشح للرئاسيات القادمة.
وقالت مارين لوبان في خضم خوضها لحملة انتخاب رئيس جديد للجبهة الوطنية في مؤتمرها القادم "بانتخابكم للرئيس المقبل للجبهة الوطنية، ستنتخبون المرشح المقبل للرئاسيات"، موجهة كلامها هذا إلى تجمع خاص بالمحسوبين على حزبها، عقدته بالمناسبة.
مارين لوبان... على خطى والدها
الكل اليوم يرشح مارين لوبان لخلافة والدها على رأس الجبهة. وذلك أولا للدعم الذي تلقاه من طرف أبيها، كما أن صورتها وفصاحتها السياسية هما من العوامل التي جعلتها "زبونا مفضلا" من طرف وسائل الإعلام المحلية، كما توصف عادة في فرنسا الشخصيات التي يقبل عليها الإعلام بشراهة.
وقال لوبان الأب في تصريحه للقناة الثانية الفرنسية حول ابنته مارين "أنا رسمت لها الطريق وسط الغابة، والآن يمكنها أن تذهب بعيدا...هذا ما أتمناه لها". ويرى المراقبون أنها لن تكون إلا استمرارا للخط الإيديولوجي الذي سار وفقه والدها، فهي "جان ماري لوبان لكن بطريقة أفضل"، على حد تعبير أحد المراقبين ، ولو أنها تقول العكس معتبرة في حديث لنفس القناة "أن لها موسيقاها الخاصة بها" في إيحاء إلى أنها في حال تقلدها لمنصب رئاسة الحزب ستضفي عليه صبغتها الخاصة.
المهاجرون أول ضحايا اليمين المتطرف
كارولين فوريست- تصوير جيل داكان
لا أحد يقبل من قوى الأغلبية في المشهد السياسي الفرنسي، يمينا ويسارا، أن يصل يوما اليمين المتطرف إلى الحكم. ويتذكر الكل التحالف التاريخي بين القطبين في 2002 عندما تأهل جان ماري لوبان إلى الدور الثاني من الرئاسيات، إذ نادى الطرفان بالتصويت لصالح جاك شيراك لقطع الطريق على زعيم الجبهة الوطنية.
وأوضحت الكاتبة والصحافية المعروفة كارولين فوريست في تصريح خاص بإيلاف "لو أن معاداة العنصرية سجلت تطورا لدى الشباب الأوروبي، فان تصاعد خطاب راديكالي وغير متسامح باسم الإسلام يولد ريبة حقيقية"، مضيفة "لأجل الخروج من هذه الوضعية هناك خيارين: تقوية العلمانية، وهو ما يمكن أن يهدئ التوترات،أو العودة إلى رؤية جد ضيقة وجد مسيحية للوطن، وهو اختيار اليمين المتطرف".
بدوره، قال عياد أهرام في حديثه لإيلاف "المهاجرون سيكونون أول ضحايا السياسات التي تدبر من طرف اليمين المتطرف في حال وصوله إلى الحكم"، مضيفا "ما يقوم به اليمين الحاكم حاليا تجاه المهاجرين، ما هو إلا بداية طعم ما يمكن أن يقوم به اليمين المتطرف في حالة وصوله إلى السلطة".
ودعا الكاتب العام للجمعية الحقوقية "لاسدوم" جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان و الهجرة بفرنسا الى مضاعفة جهودها لممارسة الضغط على السياسات الحالية المتعلقة بالهجرة"، موضحا أن هذه الإطارات "يمكنها أن تقطع الطريق على اليمين المتطرف بتبنيها لعمل بيداغوجي تجاه الفرنسيين، يكون مبنيا على إنعاش التضامن الدولي وقيم النصوص الدولية بخصوص احترام حقوق الإنسان، كاتفاقية 1984 المرتبطة باحترام حقوق المهاجرين وأسرهم".