نقاشات واسعة في موريتانيا لتجاوز الحلّ الأمني في التصدّي للإرهاب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تنتهي الخميس في نواكشوط جلسات الحوار الوطني حول الإرهاب والتطرف التي أطلقت بمشاركة لفيف من العلماء والمفكرين والباحثين من موريتانيا ودول الجوار وتبحث في سُبل التوصّل إلى إستراتيجية متكاملة، أمنيا، وسياسيا، وفكريا، تساهم في القضاء على آفة الإرهاب التي تضرب المنطقة.
نواكشوط: تتواصل في العاصمة الموريتانيّة نواكشوط منذ الأحد الماضي نقاشات "الحوار الوطنيّ حول الإرهاب والتطرف"، بمشاركة عدد كبير من العلماء والمفكرين والباحثين من موريتانيا ودول الجوار، وبحضور إعلامي لافت.
ويقول المشرفون على الحوار الذي يشرف عليه الرئيس الموريتانيّ محمد ولد عبد العزيز، إنهم يهدفون من خلال هذا اللقاء الثقافي والسياسي والإعلامي إلى تنوير الرأي العام بشأن "حقيقة مبررات ودوافع موريتانيا في مواجهة الإرهاب" وإبراز إرادتها الصارمة "في ضمان أمن وأمان مواطنيها ورعاياها الأجانب المقيمين بصفة شرعية" كما ورد في نص الوثيقة التي أعدتها اللجنة الوزارية المشرفة على هذا الحوار.
وسعت السلطات الموريتانيّة إلى إشراك مختلف الفرقاء السياسيين في هذا الحوار الوطنيّ بغية التوصل إلى تصور مشترك وفهم موحد لظاهرة الإرهاب والجريمة المنظمة والتطرف التي تهدد سلم وأمن واستقرار موريتانيا ومنطقة الساحل الأفريقي برمتها.
ومن المنتظر أن تخلص النقاشات التي تشهدها هذه التظاهرة إلى "فضح التبريرات الواهية التي تسوقها العصابات الإرهابية، وستزيل القناع الشرعي المزعوم عن الطبيعة الإجرامية لنشاطاتها المعادية للدين الإسلامي الحنيف والغريبة على الموروث الحضاري الأصيل".
خمسة محاور
ووفقا لتصور القائمين على الحوار، من المفترض أن تسعى النقاشات الجارية إلى أن تكون "منبرا لتفنيد الدعاية المغرضة لبعض المشككين الذين يروجون، ربما عن غير قصد، في الرأي العام الوطني وعبر بعض وسائل الإعلام، أفكارا انهزامية تهدف إلي إحباط عزيمتنا و تحطيم معنويات جنودنا"، على حدّ تعبير المُنظمين.
ويناقش المشاركون في الحوار، الذي يدوم خمسة أيام، ظاهرة الإرهاب والتطرف من جوانب عدة تهدف في مجملها إلى التوصّل إلى إطلاق إستراتيجية وطنية متكاملة لا تقوم على المقاربة الأمنية البحتة وإنما تشمل علاج مختلف الجوانب المتعلقة بهذه الظاهرة.
ويقول منظمو الحوار إنه يتضمّن خمسة محاور تتناول مختلف جوانب الظاهرة من خلال سلسلة من المحاضرات الدينية والنقاشات السياسية والفكرية والفعاليات الثقافية، عبر معالجة منهجية معمقة، ومقاربة تشاركية شفافة تتيح الفرصة للتعبير عن مختلف الآراء.
ويعنى المحور الأول بالجانب الشرعي الفقهي، يشرح العلماء والمفكرون الحاضرون من خلاله هذه الظاهرة ويبينون المفاهيم الصحيحة للدين الإسلامي وأحكام شريعته ويبرزون تجسيد الدولة لذلك من خلال دستورها وقوانينها المستنبطة من الشريعة واعتماد مبدأ الشورى الذي يكرسه النظام الديمقراطي وانتهاج سياسة خارجية تقوم على جلب المصالح ودرء المفاسد.
وفي هذا السياق، حذر العالم الموريتاني ونائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عبد الله ولد بيه في إحدى جلسات الحوار من مغبة التنازع والخلاف حول موضوع "الإرهاب" فهو "ليس موضوعا سياسيا تختص به فئة عن أخرى" بل هو قضية وطنية لا محل فيها للخلاف وتنازع الآراء".
وقال ولد بيه إن الشباب الذين انخرطوا في هذا الطريق قد ارتكبوا "خطيئة" لأن شروط وضوابط الجهاد لا يتوفر منها شيء في هذه الحالة و"لأنهم شجعوا العالم على النزول إلى هذه الأرض، ولأنهم جعلوا بلدهم في حالة خوف وقلق" ولأنهم "تنكبوا الطريق الصحيح، وشوهوا صورة الإسلام"، على حدّ تعبيره.
ويكرس المحور الثاني للجوانب القضائية والدفاعية والأمنية، حيث يبرز ضرورة محاربة الإرهاب وردع الإرهابيين وفضح بشاعة أساليبهم ومدى ارتباطهم بعصابات الجريمة المنظمة.
أما المحور الثالث فهو ثقافي فكري، يعالج خلفيات ظاهرة التطرف والإرهاب والجريمة المنظمة في منطقة الساحل الإفريقي عموما.
ويناقش المحور الرابع الجوانب المتعلقة بالتعاطي الإعلامي المهني مع الحدث الإرهابي والضوابط المهنية المحددة لذلك في ضوء احترام الثوابت الوطنية، وقضايا الدفاع والأمن ، والمسلكيات التي يجب أن تحكم معالجة الصحافة الوطنية لموضوع يشكل تهديدا خارجيا يواجهه وطنها.
ويشكل المحور الخامس وهو المحور السياسي منبرا لحوار صريح بين الفاعلين السياسيين، يبرز مبررات المواجهة وطريقتها، بهدف الإجابة على الإشكاليات التي تطرحها المعارضة حول سلامة ونجاعة التصدي للأعمال الإرهابية من قبل السلطات الرسميّة.
المعارضة تقاطع
إلا أنّ انسحاب طائفة واسعة من أحزاب المعارضة من الحوار لم يدر بخلد المنظمين لهذه الندوة التي خطط لها بشكل دقيق وسعت السلطات إلى أن تكون جامعة لكلّ الأطياف السياسيّة.
وقررت "منسقية أحزاب المعارضة الموريتانية" مقاطعة "ندوة الإرهاب والتطرف" باستثناء حزبي عادل والوئام اللذين يرأسهما يحي ولد أحمد الوقف وبيجل ولد هميد على التوالي.
وقال محمد ولد مولود رئيس حزب اتحاد قوى التقدم، الرئيس الدوري للمنسقية، في تصريح صحافيّ لوسائل إعلام محليّة إن قادة المنسقية اعتبروا الندوة احتقارا للمعارضة "للتأخر في إبلاغها حتى عشية انعقاد المؤتمر" بحسب تعبيره.
وأضاف رئيس منسقية المعارضة أن الندوة "لا تمثل رغبة جدية في إشراك المعارضة التي ظلت تطالب بالحوار"، مشيرا إلى أن المؤتمر لا علاقة له بالحوار ولا بالإرهاب" معتبرا إياها" تظاهرة نظمت لأغراض إعلامية، وتهدف إلى التلبيس على فشل السلطة في محاربة الإرهاب" على حد وصفه.
أما بيجل ولد هميد رئيس حزب الوئام المنضوي تحت لواء منسقية المعارضة، فقد قال في تصريح لصحيفة "صحراء ميديا" الالكترونية إن حزبه ملتزم بأي موقف مجمع عليه تتخذه المنسقية من المشاركة في الندوة، مؤكدا أنه في حالة فشل قادة المعارضة في اتخاذ موقف موحد فإن حزبه سيشارك في المؤتمر، بحسب تعبيره.
ولم يتردّد الرئيس الموريتانيّ محمد ولد عبد العزيز في توجيه نقد لاذع للمعارضات، وانتقد عبد العزيز في الكلمة التي افتتح بها الحوار الوطنيّ ما وصفه "بمواقف تبنتها جهات موريتانية محلية شككت في الحرب التي خاضها الجيش الموريتاني ضد الإرهابيين وقالت إنها حرب بالوكالة وذلك بهدف الحصول على مكاسب سياسية".
وانتقد "تسريبات إعلامية مررتها جهات محلية للقنوات الفضائية وأكدت فيها أن الجيش الموريتاني مني بالهزيمة".
واستغرب الرئيس الموريتاني 'أن تجد الجماعات الإجرامية آذانا صاغية لدى بعض الناشطين السياسيين من أبناء الوطن الذين يظنون أن في ذلك ما قد يزيد حظوظهم في الوصول إلى الحكم، وكذا بعض الأوساط الإعلامية التي روجت لدعايات المعتدين على موريتانيا".
وذكر الرئيس الموريتاني بسلسلة العمليات التي نفذها المسلحون المتطرفون منذ عام 2005 في موريتانيا والتي سقط جراءها قتلى كثيرون في الجيش الموريتاني كما قضى في إطارها مدنيون أجانب.
وأضاف "إن موريتانيا التي كانت إلى عهد قريب تعد من الدول الأكثر أمنا واستقرارا ما كانت تتوقع الدخول في مجابهة مفتوحة مع مجموعات مسلحة قادمة من الخارج".
وقال إن حكومته مضطرة للدفاع عن سيادة موريتانيا وسلامة أراضيها ما جعلها تنقل إدارة العمليات العسكرية مؤخرا إلى الأراضي المالية باتفاق مع حكومة مالي لملاحقة المسلحين ومنعهم من تنفيذ مخططاتهم، مقدما شكره للرئيس المالي على السماح بذلك.
وتعهد ولد عبد العزيز مواصلة التصدي للمجموعات الإرهابية، مؤكدا أن موريتانيا ستظل تدافع عن نفسها في وجه كل التهديدات مع استعداد الحكومة لمسامحة المغرر بهم من المواطنين.
ومن الواضح أنّ الرئيس الموريتاني بتصريحاته تلك كان يردّ على الجدل الذي أثارته المعارضة بخصوص مشاركة قوات من الجيش الموريتانيّ في عمليات عسكرية خارج الحدود دون نيل موافقة البرلمان.
وكان الجيش الموريتاني قد قام بمواجهة عناصر من "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" خارج الحدود، وتحديدا في مناطق تقع شمالي مالي، ما أثار جدلا واسعا في أوساط أحزاب المعارضة، التي أصدرت بيانا نددت فيه بتلك المواجهات، ووصفتها بأنها غير قانونية، على اعتبار أنّ خروج الجيش للقتال خارج الحدود يتطلب استشارة البرلمان ومصادقته على ذلك، وهو الأمر الذي لم يحصل.
دعم أوروبيّ
يشار إلى أنّ الاتحاد الأوروبيّ وعد بالتزامن مع انطلاق الحوار الوطنيّ باستنفار وسائل المساعدة لديه دعما لدول الساحل التي تواجه إرهاب تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وذلك على صعيد التنمية والإدارة والأمن.
وكلف وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الذين اجتمعوا في لوكسمبورغ الاثنين الماضي وزيرة خارجية الاتحاد كاثرين اشتون بـ"وضع إستراتيجية حول الساحل تعرض بداية السنة المقبلة" وفق البيان الذي أصدروه.
وأضاف البيان إن "الاتحاد الأوروبي ينوي استخدام أدوات عدة في متناوله في شكل متجانس لتعزيز الأمن والاستقرار والتنمية والإدارة الصالحة في الشريط الساحلي" الذي يضم النيجر وموريتانيا ومالي.