النقابات لا تزال تعلق أملها على الرئيس لفتح النقاش قبل توقيعه الأخير
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
نزل مئات آلاف المتظاهرين مجدداً الخميس إلى شوارع فرنسا احتجاجاً على إصلاح نظام التقاعد غداة إقراره نهائياً في البرلمان في خطوة تتوقع الحكومة الفرنسية أن تؤدي إلى تراجع حدة الاعتراضات عليه. وقدرت وزارة الداخلية عدد المتظاهرين ظهراً بـ 198الفا في حين كان عددهم 500 ألف و480 الفا على التوالي خلال تحركات مماثلة في 12 و19 تشرين الاول/اكتوبر.
علق المحلل السياسي مصطفى طوسة، في تصريح خاص بـ "إيلاف"، على التصويت النهائي في البرلمان الفرنسي لصالح مشروع قانون التقاعد بالقول إنه "يحمل دلالة سياسية واحدة هي أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لم يتراجع عن خطوته الإصلاحية على الرغم من الغضب العارم والتظاهرات المتعددة التي نظمتها المعارضة و النقابات"، مضيفا في السياق نفسه "هناك من كان يراهن على أن الرئيس و تحت وطأة الضغط كان سيرغم على تعديل المشروع وتقديم تنازلات".
ويتجلى انتصار الإليزيه في معركته الاجتماعية ضد المعارضة والنقابات، حسب تفسير نائب رئيس تحرير إذاعة "مونت كارلو الدولية"، "في صمود الرئيس وبقائه على ثوابته السياسية وتقديم نفسه على أنه رجل الإصلاح الذي لا يتراجع..." علما أن ساركوزي اعتبر أنه "لا يوجد منتصر ومنهزم في هذه القضية"، واللغة نفسها تحدث بها فرانسوا شيراك الأمين العام للكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للشغل الذي نفى أن يكون "هناك منهزم" في هذه المواجهة بين النقابات و الحكومة.
ولم يستسلم الشارع الفرنسي حتى الآن رغم كون هذا القانون قطع مرحلة حاسمة في عمره، و لا ينقصه سوى التأشير عليه من طرف الرئيس الفرنسي، إذ خرج المتظاهرون، الخميس، في إضراب سابع ضد هذا الإصلاح إلى شوارع أهم المدن الفرنسية، إلا أن احتجاجات اليوم سجلت انخفاضا ملموسا في عدد المشاركين، حيث بلغ عددهم في منتصف النهار 198 ألف متظاهر عكس آخر إضراب الذي شارك فيه 480 ألف شخص حسب أرقام لوزارة الداخلية الفرنسية، وهو ما اعترفت به المركزيات النقابية فيما أكدت أن هذا العدد يبقى "مهما".
وقال الأمين العام للكونفدرالية العامة للشغل برنار تيبو في تعليق له على تظاهرات اليوم، "الهدف ليس تحطيم أرقام قياسية وإنما هي تعبئة الجميع"، و أكد في تصريح مماثل "الرسالة الأساسية هي التوجه إلى رئيس الجمهورية لدعوته بعدم التأشير على هذا القانون"، و على المنوال نفسه سار نظيره فرانسوا شيراك الذي طالب "الرئيس بفتح نقاش حول القانون قبل توقيعه".
وأرجع المحلل مصطفى طوسة تراجع مستوى دعم الفرنسيين للإضرابات إلى "التخوفات التي بدأت ملامحها تلوح في الافق من شل الاقتصاد الفرنسي بكامله و التهديد بخراب قطاعات واسعة و تسريح الالاف من العمال"، كما يرى الكثيرون.
ويضيف طوسة "أن عملية شد الحبل بين الرئيس ساركوزي والمركزيات النقابية وصلت إلى الباب المسدود"، مضيفا "عندما يدق ناقوس الخطر في مثل هذه النزاعات الاجتماعية يتراجع الدعم الشعبي و يقبل مرحليا بالحلول المفروضة".
وأوضح طوسة لـ "إيلاف" أن هذه المعركة الاجتماعية "ستخلف آثارا سلبية على علاقة الرئيس ساركوزي مع النقابات"، مستطردا "بالإضافة الى علاقة التحدي والمواجهة التي فرضها الرئيس في طريقة معالجته للملفات الاجتماعية، هناك حسابات سياسية ستستغل النقابات أي مناسبة للتذكير بها، و منثم ستقوض بطريقة غير مباشرة من النزعة الاصلاحية التي يحاول الرئيس ساركوزي استخدامها لاستقطاب ثقة الفرنسيين في وقت تشهد فيه شعبيته تدنيا ملحوظا".
وإن كان ساركوزي سيؤدي ثمن تعاطيه مع احتجاجات الشارع سياسيا، قال نائب رئيس تحرير إذاعة مونتكارلو " بطبيعة الحالة لن يخرج الرئيس ساركوزي سالما من هذه المواجهة، لسبب بسيط، هو أن الثمن السياسي الذي دفعه لتمرير هذا الإصلاح هو توسيع رقعة الغاضبين من شخصه و سياسته"، و أضاف "هؤلاء سيحاولون حتما استغلال الاستحقاقات المقبلة من بينها الانتخابات الرئاسية للتعبير عن غضبهم عبر شن حملات مضادة تِؤلب الرأي العام الفرنسي عليه و تؤيد معارضيه".
ورددت المعارضة في خضم هذه المعركة الاجتماعية لمرات متعددة أن الحكومة الفرنسية لم تحترم الشرعية الشعبية بالإنصات إلى الشارع، ويشير الأستاذ طوسة في هذا الإطار إلى أن القانون احترم المؤسسات الدستورية "وعرضه الرئيس كمشروع إصلاحي على التصويت في مجلسي الشيوخ والجمعية الوطنية، وبما أن حكومته تتمتع بأغلبية عددية فمن الطبيعي أن يحظى بالتصويت الايجابي"، لكن يضيف طوسة "الطريقة التي مرت بها الأمور عن طريق عملية لي الذراع للنقابات وتجاهل مطالب المعارضة لا ينم عن حس سياسي متميز يأخذفي الاعتبار رهانات المستقبل" على حد تعبيره.