مجلس التعاون الخليجيّ رؤى متباينة حول الواقع والمأمول

شكّل إعلان أبوظبي لقمة مجلس التعاون الخليجي ردود أفعال متباينة لدى أوساط المثقفين حيال القرارات ومدى فعاليتها، حيث يشير بعض المراقبين إلى أن القرارات الصادرة غير "حاسمة" وأن شعوب المنطقة "محبطة،" بينما يرى آخرون أنها قمة ناجحة وبمستوى طموح أبناء المنطقة وتطلعاتهم.

أبوظبي: شكّل إعلان أبوظبي الصادر أمس في ختام الدورة الحادية والثلاثين لقمة مجلس التعاون الخليجي ردود أفعال متباينة لدى أواسط الكتاب والمثقفين حيال القرارات ومدى فعاليتها، حيث يشير بعض المراقبين إلى أن القرارات الصادرة غير "حاسمة" وأن شعوب المنطقة "محبطة،" بينما يرى آخرون أنها قمة ناجحة ومسيرتها ثابتة وبمستوى طموح أبناء المنطقة وتطلعاتهم.

فهد الشقيران كاتب سعودي وباحث في الشؤون الخليجية في مركز المسبار للدراسات اعتبر أن هناك تشابكًا كبيرًا بين القضايا بحيث لا يمكن فصل الواحدة عن الأخرى، مشيرًا إلى أن الوضع معقد ويتطلب خطوات إجرائية أكثر فاعلية من تلك التي تم الإعلان عنها في ختام القمة.

وقال لـ"إيلاف" إن "القمة جاءت في ظرف شديد التعقيد والخطر، فالظرف السياسي المتشابك في المنطقة مع عناد إيران ضد القرارات الدولية والاتفاقيات العالمية في حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل، والظرف الإقتصادي الكارثي الذي يحلّ في اقتصاديات العالم من أقصاه إلى أقصاه، وتأثيراته على عيش الشعوب، وعلى مستقبل المنطقة بكاملها، والظرف الثقافي مع انتشار الإرهاب وتضاؤل مخرجات التعليم وانتشار الأمية وهبوط اعتمادات الحكومات للبحث العلمي".

وتوقع الشقيران أن تكون "قمة حسم" لا قمة توصيات، متسائلًا عن الموقف الخليجي حيال إيران، حيث "مفاعلاتها النووية أقرب إلى الكويت منها إلى طهران، وإذا حصل وإن حدثت أي تسربات من هذا المفاعل فسيسبب كارثة إنسانية خارج كل تصوّر، وإذا تسمّرت إيران في موقفها غافلةً عن التهديدات الأميركية، فإن المسألة ستكون خطرة جدًا، خاصةً إن ضربت أميركا إيران، حينها ستتغير معادلات اقتصادية لكون إيران من أهم البلدان النفطية، كما سندخل في أزمة اجتماعية مصحوبة بمفاعيل القرارات السياسية، لذا فإن المطلوب من القمة الخليجية تحديد مسارات الخطر في أزمة إيران النووية. كما طالبها أن تكون قمة القمم لحسم الموقف الخليجي من آثار تلك الأزمة الدولية".

من جهة أخرى، تساءل حول "المشكلات الثقافية" التي لا تقابل بالاهتمتم الكافي، لكنها محورية ومؤسسة للفعل البشري، قائلًا لإيلاف "ثمة مشكلات ثقافية واضحة للعيان وضوح الشمس، كان من المفترض معالجتها والتطرق إلى جوانبها المتشعبة، هناك انتشار للفكر المتطرف عبر انفلات تعيشه البرامج الدينية والدعوية، ومنابع العنف تفرز كل يوم دفعاتٍ جديدة من المتطرفين في آرائهم وأفكارهم".

وأضاف "كما إن المناهج التعليمية تحتوي على أفكار متطرفة ومتشددة تجاه الآخر غير المسلم، وتخرج تلك المناهج "أمية مضاعفة"، حيث يخرج المتعلم وقد تعلم معلومات هي أسوأ من الجهل نفسه، وهي محتويات تؤهله لأن يكون أحد العاطلين عن العمل بامتياز، ولا ننسى ضمور "البحث العلمي" وضعف الميزانيات التي تنفقها المؤسسات الحكومية لمصلحة الدراسات والأبحاث الضرورية، تلك المحاور الثقافية من الضروري التطرق لها، ومن المهم توضيح الحلول ووضعها للناس كيف سنتغلب على تلك الأزمات الثقافية الصارخة".

أما الكاتبة الإماراتية نورة السويدي فقد احتفت بمقالتها الصادرة اليوم في جريدة البيان بما اعتبرته "نجاحًا دائمًا "للقمم الخليجية مشيرة إلى دور الإمارات المميز في المجلس"، مشيرة إلى أن القمة "على مستوى الطموح"، ومضيفة أن "مجلس التعاون يمثل تجسيدًا حيًا لارتباط شعوب الخليج وتلاحم مصيرها، وهو صرح اختاره القادة المؤسسون الذين يشعرون بنبض شعوبهم إحساسًا عفويًا، ويدركون تمامًا اتجاه تطلعاتها ولتحقيق آمال أبناء الخليج".

السويدي أشادت بالمنجزات، قائلة "لقد كان النجاح حليف القمم الخليجية السابقة على الدوام، نظرًا إلى حرصها على ملامسة هموم المنطقة والقرب منها بجرأة ووعي وحكمة القادة الغيورين على منجزات الأمة، فحققت لشعوب الخليج ما تصبو إليه من مكانة جعلت دولنا مقصدًا عالميًا للمبادرات النهضوية والإنسانية والعالمية، وغدت مفتاحًا لحل الكثير من الملفات والقضايا في العالم العربي". مؤكدة أن "قادة دول الخليج العربية استطاعوا أن يرتقوا إلى مستوى المسؤولية التاريخية، ويرسموا الطريق أمام الأجيال المقبلة من أبنائنا".

في حين سليمان الهتلان رئيس المنتدى الاستراتيجي العربي عن واقع مجلس التعاون، مشيرًا إلى أن ما يهمّ المواطن الخليجي هو "ماتحقق على الأرض"، متسائلًا "ما الذي تحقق لمواطني دول مجلس التعاون بعد أكثر من 30 عامًا من قيام هذا المشروع؟"، ومعتبرًا أن حالة الإحباط الشائعة هي بمثابة صافرة "إنذار" لصناع السياسة للحذر من التمادي في تجاهل الأسئلة المهمة التي يطرحها مواطنوهم إزاء ما لم يتحقق من وعود التعاون وأسباب التأخير في تنفيذ المشاريع المهمة بين دول المجلس، ناهيك عن الأسئلة الأخرى حيال دور المجلس في صياغة رؤية سياسية خليجية مشتركة حيال القضايا العالمية".

الهتلان اعتبر أن "مواطن المنطقة لم يعد ذلك الإنسان البسيط المدارك للسياسية المحدودة، وبات قارئًا حذقًا للمشهد المحلي والإقليمي، وتمكن عبر أدوات اتصال جديدة أن يُعبّر من خلالها عن حنقه وإحباطه وطموحاته".

وعبّر الهتلان عن قلقه حيال مصير المجلس، متمنيًا أن لا ينتهي بها المطاف إلى "ما انتهت إليه جامعة الدول العربية من حالة بات المواطن العربي نفسه أول من يسخر منها وبقمعها. فالفرص والتحديات أمام مجلس التعاون أكبر وربما أكثر إلحاحًا".

أما الكاتب محمد عيسى فقد رحّب بعمق بإعلان أبوظبي، داعيًا الشعوب للامتثال للقادة، وقد جاء في عاموده صباح اليوم في جريدة الاتحاد "إننا كأبناء الخليج العربي وكل المقيمين على أرضه يجب علينا أولًا تنفيذ توجيهاتهم السامية والاسترشاد بها والعمل على تنفيذ برامجهم وخططهم الهادفة للحفاظ على ثروة المياه، إن كل فرد في الخليج العربي مطالب بأن يكون أكثر فاعلية وتجاوبًا مع توصيات قادة الخليج للحفاظ على الأمن الغذائي والمائي لشعوب الخليج".

وكان قد اعتبر في مقدمة مقالته أن مجلس التعاون الخليجي قطع "شوطًا كبيرًا في تعزيز التلاحم والتقارب وتسهيل التنقل والعملة والسوق المشتركة والربط الكهربائي والقطار الخليجي وغيرها من القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية"، مضيفًا أن توجه قادة المجلس نحو التركيز على الأمن المائي "إعلان أبوظبي" من شأنه أن يعزز من مكانة الكيان الخليجي، ويواكب في الوقت نفسه التطورات العالمية، وما يعنيه العامل من تغير المناخ وتأثير ارتفاع درجات الحرارة على المحاصيل الزراعية وشحها في العديد من دول العالم.

وتابع "لعلنا تابعنا جميعًا قضية القمح العالمية نتيجة ما تعرضت له روسيا وأميركا وآثاره على العالم كله، وعندما يضع قادة التعاون الأمن الغذائي وقضية شح المياه في المنطقة التي حباها الله بثروات طبيعية منها النفط والغاز، لكن في الوقت نفسه ولظروفها المناخية تعاني شحًا كبيرًا في المياه الجوفية، مما جعل منطقة الخليج تستحوذ على نصف حصة المياه المحلاة في العالم، رغم صغر حجمها، ولكنها تعتبر من أكثر دول العالم نموًا وتطورًا، وتزايدًا في عدد السكان، مما يجعل حاجتنا للمياه، سواء للاستخدامات اليومية أو الصناعية أو الزراعية، تتضاعف عامًا بعد عام مع ازدياد شحها، وهو ما يتطلب تدخلًا من القادة لتوفير وتأمين والتقليل من استنزاف المياه والحفاظ على هذه النعمة الغالية".