أخبار

هيئة أبوظبي للثقافة والتراث تحتفي بالتراث الحي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

إنشغلت هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث في تعهد إرث الحضارة الإسلامية والعربية الذي يعدّ الدرع الواقي للحفاظ على الخصوصية الثقافية والحضارية للإنسان العربي، في العالم العربي والإسلامي ككل. وقد أصبح خلق هذا الإرث تخليقاً إبداعياً هو الإستراتيجية الرئيسية للهيئة من خلال مشاريعها المختلفة، لتفتح أمامه أفقاً عربياً عالمياً.

أكدت أبو ظبي أن التراث الحضاري والثقافي العربي والإسلامي ليس مجموعة من المؤلفات والكتب على أرفف المكتبات تحمل ذخائر الآداب والعلوم والفنون والموسيقى والأفكار والرؤى التي أنجزها علماء ومفكرون في فجر وعصور التألق والازدهار، وبفضلهم أصبحت الحضارة والثقافة العربية الإسلامية جزءاً أصيلاً من النسيج الحضاري والثقافي للإنسانية.

بل أكدت أن للحضارة العربية الإسلامية إرثاً حياً يتحرك متجلياً ومتألقاً بيننا، يشاركنا الحياة إرثا يتنفس ويعيش في العقل والوجدان، في السلوك والأفكار والعمل، في المأكل والملبس والمشرب والمسكن، ويضرب بجذوره في عمق الروح، لكنه للأسف يعاني أحيانا من الإهمال والرفض، وأحيانا أخرى من الاستهزاء والتندر، وأحيانا يرمى بالرجعية والتخلف.

هذا الإرث هو الدرع الواقي للحفاظ على الخصوصية الثقافية والحضارية للإنسان العربي، ليس في الإمارات والخليج العربي وحدهما، ولكن في العالم العربي والإسلامي الممتد من أفريقيا إلى آسيا، الأمر الذي أصبح خلقه تخليقاً إبداعياً هو الإستراتيجية الرئيسية لهيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، حيث تعهدت هذا الإرث بالإحتضان رعاية واهتماماً، لتفتح أمامه أفقاً عربياً عالمياً للحضور حياً في مشهد لم ينشغل أحد من قبل بإبراز تفاصيله وملامحه.

وقد أكدت الهيئة ذلك بمشروعات وبرامج ثقافية وحضارية حيوية ضخمة يحضر فيها الإرث حياً في الإنسان بشحمه ودمه وروحه وخصوصيته، لا ورقة بحثية وقراءات تحليلية لتاريخه وماضيه.

الصقارة.. تراث إنساني

لم تبخل أبو ظبي بالجهد والخبرة والمال، فكان من نتيجة ذلك تسجيل "الصقارة" كتراث إنساني حي في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية الذي يجب المحافظة عليه. إن "الصقارة" لا تعني فقط بتربية الصقور والحفاظ عليها وغيرها من الكواسر وتربيتها لالتقاط الطريدة في محيطها الطبيعي، بل تشكل على حد تعبير اليونسكو "قاعدة لتراث ثقافي أوسع، يشمل الأزياء التقليدية، والغذاء، والأغاني، والموسيقى، والشعر والرقصات، وتقاليد كثيرة تحافظ عليها الجماعات والنوادي التي تمارسها"، وأضافت "يطور مربو الصقور علاقة قوية ورابطاً روحيّاً مع طيورهم، الالتزام القوي ضروري لتربية الصقور وتدريبها وتمرينها ودفعها إلى التحليق. تتناقل تربية الصقور من جيل إلى جيل كإرث تقليدي بطرق عدة، منها التعليم والتربية في كنف العائلة أو تخصص أكثر جدية في النوادي".
قد يكون تسجيل الصقارة دليلاً كافياً على ما نرمي إليه من تأكيد سعي أبو ظبي إلى الحفاظ على التراث العربي الإسلامي حياً نابضاً بالحياة دون إخلال بالجسور الممتدة نحو المستقبل. لكن هناك تأكيدات أخرى لأدلة أخرى، منها مشروع مهرجان الظفرة الذي تجتمع فيه مفردات التراث الحي في البيئة الخليجية والإماراتية نموذجا من صناعات ومشغولات يدوية وحرف ومأكولات وجلسات سمر وطرق تغليف التمر، بل فرز التمر ومعرفة الجيد منه من المصاب.

صناعات لا تموت

تتجلى من بين الصناعات التراثية التي لا تزال منتجاتها تواصل العطاء في البيت العربي: الفخار، والخوص (حياكة سعف النخيل)، والسدو (الحياكة)، والغزل، والتلي (التطريز)، وصناعة المجوهرات، والصناعات الجلدية والنجارة أو الصناعات الخشبية.

وهل أحد ينكر أن الإبل جزءا لا يتجزأ من النسيج الإنساني الاجتماعي والحياتي ومن ثم الثقافي في العالم العربي والخليج خاصة؟ هذه الإبل لها إرثها وتاريخها شعرا ونثرا ومفردة في القواميس اللغوية العربية، لها ثقافتها الخاصة تربية وتغذية وولادة وحركة وعملا ولحما ولبنا وتفاعلا، وحضورها يؤكد للأبناء القادمين مستقبلا والموجودين حاليا أنها ليست مجرد حيوان بل كائن لعب ولا يزال يلعب دورا في حياة الإنسان. لذا فإن مسابقة الحلاب الأولى من نوعها على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي ليست زينة أو حلية أو فرجة بل تأصيل وترسيخ لحضور جزء حيوي من التراث والثقافة. وقد تجاوب مع هذا المفهوم الخليجيون كافة والمهتمون بتربية الإبل، وإحصاءات المشاركين من دول الخليج يؤكد ذلك.

كما أن كلمة محمد خلف المزروعي رئيس هيئة الثقافة والتراث عن مهرجان الظفرة تكشف البعد الاستراتيجي لعمل الرجل وهيئته، فهو يقول أن مهرجان الظفرة "يستحضر التاريخ والتراث ليرويا معاً قصة الأمس، وما بذله الآباء والأجداد من جهد وإرادة لا تلين".

"قلم".. والشعر

على الجانب الإبداعي يحتضن مشروع "قلم" الإبداع الإماراتي في مختلف أجناسه الأدبية من شعر وقصة ورواية. لقد احتفى "قلم" بالشعر فأصدر العديد من المجموعات الشعرية لأجيال مختلفة من شعراء الإمارات، وهكذا فعل في القصة، وأيضا مشروع كلمة للترجمة الذي نقل أهم الكتب والإبداعات في اللغات العالمية إلى العربية، مركزا بشكل خاص على تلك الكتب التي تحمل مختلف الرؤى التاريخية لثقافة وإرث المنطقة العربية وعلاقاتها مع الآخر، وعالجت الكثير من القضايا المرتبطة برؤية الآخر، وتناولت ظواهر أدبية وعلمية في هذا التراث.

ليس الأمر إذن مجرد احتفاليات تجرى هنا أو هناك لإنفاق ميزانيات مقدمة سلفا لأعمال وأنشطة هذه الهيئة أو تلك، ولكنه سعي حثيث نحو استكمال البناء الحضاري والثقافي الإنساني للشيخ زايد آل نهيان والحفاظ عليه سليماً معافى يتألق يوماً بعد الآخر، لقد طمح حكيم العرب إلى أن تكون أبو ظبي قبلة ومنبراً للسلام والعلم والمعرفة والحوار والتواصل، وداراً تفتح على خصوصية وأصالة الحضارة والثقافة العربيتين.

إن جامع الشيخ زايد رحمه الله، يشكل الآن منارة ستصل وتتواصل أضواؤها هنا وهناك على إمتداد العالمين العربي والإسلامي والغربي. وفي حركة مجلس إدارة الجامع برئاسة د.علي بن تميم تأكيد على ذلك، فالجامع يستقبل يومياً ويرسل إلى الجوامع في مختلف البلدان العربية والإسلامية رسائل التعاون والتواصل لخلق رؤية إسلامية مستنيرة تستطيع أن تتحاور فيما بينها وتحاور الآخر وتمتد جسور التواصل معه. وكان آخر هذه الرسائل استقبال أبو بكر الأخزوري وزير الشؤون الدينية في الحكومة التونسية وفد مركز جامع الشيخ زايد الكبير برئاسه بن تميم لبحث سبل التعاون الأكاديمي بين الطرفين واستعداد المركز لتأسيس أكاديمية لتحفيظ وتلاوة القرآن ومعهد للعلوم الدينية بالجامع. كما جرى خلال اللقاء بحث إقامة معرض مخطوطات نادرة للقرآن الكريم من القيروان في جامع الشيخ زايد الكبير تصور ألف سنة من تطور فنون الخط العربي في القيروان وفي المغرب العربي عموما.

أمير الشعراء

هناك أيضاً مشروع آخر لا يقل أهمية هو مشروع مسابقة أمير الشعراء وأكاديمية الشعر في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث الذي شكل نداء أيقظ المواهب الشعرية العربية من سباتها لتعود للغناء، أيقظ الإرث العربي العملاق "الشعر" ليملأ سماء العربية بالجمال.

ليست "أمير الشعر" مجرد مسابقة، بل رحم كبرى لقحها نداء الشعر، هذا النداء الفطري في العقل والوجدان العربيين. نادت أبوظبي فجاءها الشعراء، يختلفون في الملامح والتفاصيل، في اللهجة والملبس، ويتفقون على حب الشعر.

إن المجامع اللغوية العربية تحذر منذ سنوات طويلة بأن اللغة العربية مهددة بالزوال أمام الاجتياح اللغوي والثقافي والحضاري الغربي، مطالبة الحكومات العربية باتخاذ مواقف حاسمة وإصدار قوانين لصالح اللغة العربية، لكن أحدا لم يستجب لها. وتشكل مسابقة أمير الشعراء حلا فريدا لكثير من المشكلات التي تواجهها اللغة العربية مع سطوة اللغات الأخرى، فلو تم تبني نداء "أمير الشعراء" هنا وهناك في مختلف البلدان العربية، بأن تقيم هذه الدول مختبرات للمواهب الشعرية يتأهلون فيها لتلك المسابقة، لزاد عدد المتقدمين إليها من 7000 إلى عشرات الآلاف، وفي ذلك دعم ومساندة وترسيخ حقيقي للغة العربية بين مختلف الأجيال.

إن "أمير الشعراء" تساهم بفعالية ـ ربما يدري القائمون عليها وربما لا يدرون ـ في الحفاظ على حضور اللغة العربية حية وحيوية ونابضة وولادة، فاللغة في الشعر إعادة خلق عبر التشكيلات الجمالية للرؤى والأفكار.

مسؤوليات جسام

إن قدر أبو ظبي في هذه اللحظة الراهن من تاريخ الأمة أن يلقى إليها بمسؤوليات جسام تجاه الثقافة والحضارة العربية والحفاظ عليهما والدفاع والذود عنهما، هي تحمل هذه المسؤوليات بجدارة. لكن لابد أن تعرف أن ثقل المسؤوليات وجسامتها آت من تخل في العديد من العواصم العربية عن هذا الدور، نتيجة انكفاء على الذات وأنانية مفرطة وتضخم ذات يوشك على الانفجار. وأن تتقبل أبو ظبي ذلك راضية، وأن تتقبل أن هؤلاء المتخلون عن دورهم لن يتركوها دون "تنغيظ" ـ كما يقول المصريون ـ وسيسعون إلى الانتقاص من دورها.

لقد دخلت أبو ظبي عصرا جديدا صارت فيه مسؤولة أمام الضمير الإنساني عن الحفاظ على تراث العرب إماراتيا كان أو خليجيا أو شاميا أو مغربيا، وهي وفقا لاستراتيجيتها تملك من المشروعات أشرنا لبعضها لكن هناك الكثير مما لم نذكره يمكنها بجدارة من حمل المسؤولية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
تستحق ولكن
فتحي عبد الراضي -

تستحق أبوظبي أن تكون بمكانة متميزة لكن لابد أن تخرج بفاعالياتها غلى البلدان العربية لابد من أن تتواصل مع أخوانها في السعودية والكويت وعمان وسوريا ومصر وليبيا، لابد أن تخرج ولا تكون فعالياتها قصرا على الامارات.

فعلا تستحق الزيارة
محمد صالح أحمد -

تستحق الزيارة لا أن تتنقل الى هنا أوهناك والافضل أن يكون هذا التجمع سنوي في ايام تكون ضمن اجازات صيفية مدرسية أوعيدالفطر أوعيد الاضحى أوعيد ثقافي وطني خليجي عربي اسلامي عالمي لتستقطب الزوار من جميع اقطار العالم ليشهدوا هذا العرض الجميل وضروري أن يكون كل المشاركين العارضين مواطنين ويتكلمون معظم اللغات العالمية وأولا باللغة العربية لغة الام والاب ثم لغة الغرب ولتكن الانكليزية