أخبار

رحيل عز الدين العراقي رئيس وزراء المغرب الاسبق

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

غيبت المنية الدكتور عز الدين العراقي رئيس الوزراء المغربي الأسبق،، عن عمر ناهز 81 عاما، اليوم الاثنين في الرباط، الذي شغل منصبه من نهاية سبتمبر1986 لغاية 11 أغسطس 1992، وقبل ذلك عينه الملك الراحل الحسن الثاني في أكتوبر 1977 وزيرا للتربية والتعليم، ضمن مجموعة الوزراء التابعين لحزب الاستقلال، باعتبار العراقي أحد أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب (أعلى هيئة قيادية) حيث شرع منذ سنواته الأولى في الوزارة، في سن سياسة تعريب أسلاك التعليم العمومي في المغرب التي طالما نادى بها حزبه حينما كان في المعارضة.

على الرغم من أن الراحل، كان يحظى بنوع من الاحترام في صفوف حزبه ( حزب الاستقلال) على اعتبار أنه كان الطبيب الخاص لرئيس الحزب الراحل علال الفاسي، إلا أنه إبتعد بهدوء عن تنظيمه، وإقترب أكثر من الملك الراحل الحسن الثاني. وظل العراقي يبتعد عن الحزب رويدا رويدا، إلى أن انتهت صلته معه لكن دون أن يضطر التنظيم إلى طرده أو إشهار خلافه معه، فجرى تعويضه بكيفية آلية في قيادة الحزب.

ورقى الملك الحسن الثاني العراقي وعينه نائبا لوزيره الأول، محمد كريم العمراني، وهو منصب لم يكن منصوصا عليه في الدستور المغربي في تلك الفترة، ولكن الملك أراده أن يكون "منطقة عبور و اختبار" لمن سيوكل إليه رئاسة الجهاز التنفيذي فيما بعد، فضلا عن أن الملك كان شاعرا أن العمراني، لن يمكث طويلا في المنصب فهو رجل أعمال فرضت الضرورة السياسية الاستعانة بخدماته أكثر من مرة.

نجح العراقي في الامتحان، من وجهة نظر الملك، فدخل المشوار السعيد (جوار القصر الملكي) ليدير من مكتبه شؤون البلاد التي كانت تشهد في ذلك الوقت حراكا ومخاضا اجتماعيا وسياسيا ونقابيا صعبا، انفرجت بعده الأزمة منذ بداية عقد التسعينات من القرن الماضي، حينما استجاب الملك الحسن الثاني إلى بعض مطالب المعارضة التاريخية الممثلة أساسا في حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وحصل تقارب بين الطرفين أدى إلى تعديل أولي لدستور عام 1972، لكنه لم يرض الحزبين العتيدين، على الرغم من أن الحوار المتعثر والمتقطع، ظل قائما بين الملك والمعارضة وانتهى بقبول الملك إجراء تعديل آخر للدستور عام 1996، ما مهد لتشكيل حكومة التناوب في ربيع 1998، برئاسة عبد الرحمن اليوسفي، الأمين العام الأسبق لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي اعتزل بعد خروجه من الحكومة، النشاط الحزبي والسياسي .

وظل الملك الحسن الثاني يخص بالعطف وزيره الأول العراقي، وقدر له التخلي عن حزب الاستقلال الذي رضع فيه حليب السياسة وكان وراء شهرته، وجعله واحدا من النخب المتعلمة المنتمية إلى مدينة فاس، لذلك تصرف العاهل الراحل حياله بمثل ما تصرف مع الراحل عبد الهادي بوطالب حين فاجأه باختياره مديرا عاما لمنظمة "إيسيسكو"، في حين ساد الاعتقاد وقتها أن بوطالب غادر أروقة الحكم مغضوبا عليه ومن دون رجعة
كذلك عامل الحسن الثاني العراقي، ورشحه لمسؤولية الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي التي لم يمكث فيها إلا حوالي ثلاث سنوات من 1997 إلى 2000 . حيث وصف أداؤه بالسيئ حسبما يقال، لأسباب تعود بعضها إلى طبعه الخاص بالإضافة إلى غيابه المتكرر عن مقر المنظمة في جدة، إضافة إلى ان الأعضاء النافذين والمؤثرين في المنظمة مثل المملكة العربية السعودية، لم تكن راضية عن أداء الراحل وأسلوبه في تدبير وتسيير شؤون المنظمة . غير ان العلاقة الوثيقة بين المملكتين، جعلت السعودية تكتم غضبها إلى أن اقتنع العراقي في الأخير بوضع حد لمهمته من تلقاء نفسه، ليخلفه مغربي آخر.

وبعد مغادرته منصب أمانة المؤتمر الإسلامي تراجع العراقي عن المشهد السياسي المغربي وقل ظهوره في المناسبات العامة، ولم يدل بأحاديث صحافية ولا نشر مذكراته أو دافع عن أداء حكومته. وظل على تلك الحال إلى أن انتشر قبل مدة خبر إصابته "بمرض الألزهايمر". ويصعب على أي محلل، الحكم على التركة السياسية والاقتصادية التي خلّفها الراحل العراقي، خاصة وأنه ارتضى أن يمارس مسؤولياته الحكومية في ظل حكم ملك قوي وإلى جانب إدريس البصري، الوزير النافذ المتدخل في كل صغيرة وكبيرة، وفي سياق سياسي واجتماعي بالغ الصعوبة والاحتقان.

ويحكي الذين احتكوا بالعراقي، أنه كان قانعا بالدور الموكول إليه، فإذا طلب منه أمرا ينجزه، لا يزاحم البصري سواء في الصلاحيات المخولة إليه كوزير للداخلية موهما الجميع أنه يتصرف بوحي وأمر من الملك الحسن الثاني، فلا يجرؤ أحد على معارضته أو الشكوى منه للملك. ولم يعرف للعراقي "لوبي" يستعين به ، بل اشتهر بطبع ميال إلى الانزواء والوحدة. ولم تعامله صحافة المعارضة برحمة ولم تغفر له أنه وافق على طرد العشرات من وزارة التعليم جراء مشاركتهم في الإضراب العام 1981

وهكذا، لم تتميز الفترة التي أمضاها العراقي ، مشرفا على الجهاز التنفيذي، وقبل ذلك وزارة التربية والتعليم، بإنجاز كبير ارتبط باسمه، في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فمشروع تعريب التعليم الجزئي لم يعط النتائج التربوية المرجوة، والاقتصاد لم يشهد انتعاشا في عهده، أما علاقته بالنقابات فلم تكن جيدة التي اعتبرته معرقلا للحوار الاجتماعي، دون إهمال الإشارة إلا أن سجل حكومته كان سلبياً جدا في مجال احترام حقوق الإنسان. ولكن من قبيل الإنصاف له، لم يكن مدعيا ولا مزايدا ولا متطاولا على إنجازات الآخرين أو مبخسا لها.

ويرى المرضى الذين عالجهم في مستشفى ابن سينا في العاصمة المغربية، حيث كان رئيسا لقسم الأمراض والجراحة الصدرية، أن مصحه كانت النموذج في التنظيم والفعالية . لكن الطبيب الحاصل على درجة التبريز من باريس، لم يستطع وهو المختص في أمراض الرئة أن ينقل خبرته إلى الوزارة ثم رئاسة الحكومة في بلاده ليعالجها ويطهرها من الاعتلالات الكثيرة التي أصابتها. وربما افتقد العراقي القدرة على التشخيص الدقيق لأمراض مجتمعه قبل الشروع في العلاج الناجع. كان يريد الإصلاح ولكنه لربما أخطأ الطريق المؤدي إليه أو لم يتبع المنهج المناسب. مع ذلك فقد خرج من تجربة السلطة غير محاط بالفضائح أو التجاوزات أو الاعتداء على أحد .


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف