حوار السلفيين والحكومة المغربية يراوح مكانه
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الدار البيضاء: فيما استأنف العلماء الموريتانيون الحوار مع العشرات من سجناء تيار السلفية الجهادية عبر لجنة ثلاثية مؤلفة من رئيس لجنة العلماء محمد المختار ولد امباله، والعلامة محمد الحسين ولد الددو، والفقيه أحمد مزيد ولد عبد الحق، ما زالت تساؤلات كثيرة تطرح في المغرب حول سبب فشل الحوار مع المعتقلين، في إطار ما يعرف بالسلفية الجهادية، بعد أن كانت عقدت لقاءات سرية مع عدد من الشيوخ داخل الزنازن.
وقال سعيد لكحل، الباحث في الحركات الإسلامية في المغرب، "حاولت الدولة فتح حوار مع شيوخ السلفية الجهادية المعتقلين على خلفية الأحداث الإرهابية، التي عرفها المغرب ليلة 16 أيار (مايو) 2003 ،إلا أن هذا الحوار فشل لأسباب ترتبط أساسا بهؤلاء الجهاديين شيوخا وأتباعا".
ويمكن إجمال هذه الأسباب، يضيف سعيد لكحل في تصريح لـ "إيلاف"، في أربع نقاط، أولها تتمثل في إصرار كل المعتقلين على أن يفضي الحوار إلى إطلاق سراحهم والاعتذار لهم، ما يعني وضع الدولة في موقع الظالم المعتدي عليهم، وإثبات تهمة محاربة الدين على الدولة كما جاء في بيان هؤلاء المعتقلين (نعيد ونكرر إن السواد الأعظم من السجناء ضمن ملفات السلفية الجهادية المغربية يرفضون هذه التراجعات، ويعتبرون أنفسهم غير معنيين بها طالما أنهم أعلنوها للعالم مراراً بحسبهم ضحايا انخراط المغرب في مسلسل مكافحة الإسلام تحت يافطة الإرهاب وفق مقررات مؤسسة (راند)".
أما النقطة الثانية، فيشرح الباحث المغربي، "في رفض فئات واسعة من المعتقلين إجراء مراجعة لعقائدهم التكفيرية تمهيدا لحوار جاد مع الدولة، ثم إن الحوار يقتضي الاعتراف بالآخر وقبول إخضاع المعتقدات والأفكار إلى النقد والمراجعة.
وهذا يرفضه المعتقلون السلفيون، بل كل ما فعلوه، وفق بيان صادر عن بعض المعتقلين، هو تقديم مبادرة من مواقف ثلاثة (كتبت في ورقة ذات أسطر قليلة، بطلب من المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، ننص فيها على نبذنا لتكفير المجتمعات الإسلامية، ورفضنا للعمليات العشوائية التي تستهدف الأبرياء، وعدم رفضنا لشكل النظام الملكي ما أقام الدين ووحد الأمة، ولم نزد على هذا شيئا). وهذه المبادرة لا تعبر عن قناعة لدى هؤلاء السلفيين بما أعلنوه، ولكن فعلوا ذلك بطلب من المجلس الاستشاري. فهم لا يرفضون الأعمال الإرهابية لكونها إجراما، بل فقط لأنها (عشوائية).
بينما أشار في النقطة الرابعة إلى أن "المعتقلين السلفيين لا ينتمون إلى تنظيم واحد، ولا يأتمرون بأمر زعيم واحد. فهم ينتمون إلى خلايا متعددة ذات قناعات متباينة، لكنها تلتقي عند تكفير الدولة والنظام والديمقراطية والقوانين الوضعية وتستعجل التغيير بالعنف تحت مسمى (الجهاد). وهذا التشرذم يجعل من الصعب اختيار ممثلين عنهم، وإجراء حوار هادف فمن يقبل بالحوار والمراجعة يتبرأ منه الآخرون".
من جهته، قال عبد الرحيم مهتاد، رئيس جمعية النصير لمساندة المعتقلين الإسلاميين، "في البداية وجب التذكير أن ما وقع من حوار بين السلطات الأمنية المغربية والمعتقلين الإسلاميين (أو من اصطلح على تسميتهم بمعتقلي السلفية الجهادية) في السجون المغربية، وذلك ما بين تاريخي (نوفمبر 2008 وشهر ماي 2009) لم يرق إلى مستوى الحوار الفعلي والجاد والمثمر، وذلك لعدة أسباب منها، أبرزها أن المحاور من الجانب الرسمي لم يفصح عن هويته الكاملة باستثناء ممثل النيابة العامة، ما أعطى الانطباع الأولي على أن المحاولات تلك لم تكن جادة ولا رسمية وملزمة.
ومن جهة أخرى كانت هناك صعوبة لدى الطرف الثاني (المعتقلون)، يعلم الجميع أنه لم تكن تجمع بين هؤلاء الناس من قبل الاعتقال أي علاقة لا تنظيمية ولا فكرية، الأمر الذي حول تواجدهم في السجون إلى شتات من المفاهيم والمدارس والاتجاهات، في الوقت الذي يغلب على غالبيتهم عدم الاهتمام بأي من هذه التصنيفات، إذ وجدوا أنفسهم في السجن ضحية للجوار، أو ارتياد المساجد، أو تمسكهم بالزي الإسلامي في شكله الأفغاني.
وأضاف عبد الرحيم مهتاد، في تصريح لـ "إيلاف"، "كل هذه العوامل وغيرها لم تكن مشجعة للاستمرار في هذه التجربة التي أجهضت نهائيا عندما تحدث وزير الداخلية المغربي أمام البرلمان، في شهر مايو 2009، واعترف باستعداد الدولة لأي حوار ومشترطا لذلك شروطا رد عليها بعض المعتقلين الإسلاميين في بيان (ناري) يرفضون فيه جملة وتفصيلا مقترحات وشروط وزير الداخلية، ويطالبونه هو ووزارته بالتوبة باعتبارهم لم يقترفوا أي جرم، وأنهم أبرياء والمطالب بالتراجع والتوبة هي الدولة، التي انتهكت كرامتهم وداست حقوقهم، وهكذا تم إقبار هذه المحاولات ومنذ ذلك الوقت لم نعد نسمع عن أي حوار ولا غيره".
ومقارنة هذا المسار مع ما عرفته بعض الدول العربية من تجارب الحوار مع معتقليها، يشرح رئيس الجمعية، أن "هذه الدول بخلاف المغرب كانت أمام محاورين من المعتقلين كانوا على علاقة تنظيمية سابقة، ويحملون فكرا جهاديا واحدا، ولهم مشرعهم المجتمعي، كما أن لهم من التجربة والممارسة على أرض الواقع، ما يؤهلهم للكلام مع الدولة من باب الند للند، والدولة في حوارها معهم كانت تخاطب توجها تنظيميا وفكريا وسياسيا له امتداداته في الساحة ومناصروه على الأرض".
زد على ذلك، يبرز عبد الرحيم مهتاد، وبالتطرق إلى التجربة الموريتانية يمكن القول إن "هذا الحوار جاء بعد مجيء رئيس جديد للبلاد (مرحلة انتقالية)، وأن معتقلي السلفية في موريتانيا على مجموعتين (الأولى لها مواقفها من الأنظمة الحاكمة وتصوراتها الجهادية، وهي قليلة العدد مقارنة مع المجموعة الثانية، والتي تؤمن بمشاريعها الفكرية وتناضل من أجلها مع إيمانها بالمسالك الديمقراطية، كما أن الدولة الموريتانية انتدبت من أهل العلم والفكر والسياسة من تراهم أهلا للحوار مع هؤلاء، في أفق التوصل إلى نتائج مرضية. ولا يمكن لهذا المسار إلا أن يعطي ثماره إذا ما توفرت الإرادة الحسنة من كلا الطرفين، وتم تغليب المصلحة العامة للبلاد والعباد.
وأضاف "الخلاصة، وحسب اعتقادي، لا يمكن الحكم بالفشل على التجربة المغربية في فتح قنوات الحوار مع معتقليها من أبناء التيار الإسلامي نظرا لعدم توفر الظروف الملائمة، منها تحديد دقيق للجهة الرسمية المؤهلة للدخول في هذا الحوار، (رجال الدين والعلماء، أم رجال السياسة، أم الفاعلون الحقوقيون، أم مسؤولو الأمن؟ متسائلا: "هل سيفتح الحوار مع الذين لا ناقة لهم ولا جمل في ما حصل، وإنما بين عشية وضحاها وجدوا أنفسهم ضحية اعتقال بالشبهة أو على هامش الأحداث..؟ أم مع من يحملون أفكارا تكفيرية وجهادية ولم يتورطوا في أعمال الإجرام والقتل..؟ أم مع المتورطين في أعمال القتل والدم واعترفوا بالمنسوب إليهم أمام المحاكم وتمت إدانتهم..؟ أم مع الشيوخ الذين اعتقلوا وحوكموا على خلفية خطبهم ومواعظهم في المساجد والمناسبات، دون تورطهم في أي عمل لا من قريب أو بعيد".