أخبار

الصومال.. جبهة القاعدة الجديدة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تتخوف واشنطن من محاولة القاعدة تطوير خليتها في الصومال وتنفيذ هجمات ضد المصالح الغربية بالمنطقة، كما أن هناك تخوفًا من جانب خبراء مكافحة الإرهاب أن يتبنى الصوماليون المغتربون النهج الإرهابي المتطرف بما يشكل تهديد للمجتمعات التي يتواجدون فيها.

واشنطن: غلب على الساحة الصومالية خلال السنوات الأخيرة حالة من التردي والتدهور الأمني ففي أعقاب انهيار نظام الرئيس "سياد بري" خلال عقد التسعينيات من القرن المنصرم والصومال لم تشهد أي قدر من الاستقرار إذ إن مؤسسات الدولة تفككت وانهارت سلطة الدولة وظهرت عديد من الجماعات المحلية وما يعرف بأمراء الحرب، وحاول كل طرف من هذه الأطراف المتصارعة الحصول على أكبر نصيب من إرث الدولة المنهارة وتمديد نفوذه، وذلك فيما أضفى تدخل عديد من الأطراف الخارجية مزيد من التعقيد على الأوضاع الداخلية في الصومال.

وحتى مع انتخاب الشيخ شريف كرئيس للصومال عام 2009 فلا تزال الأوضاع كما هي لاسيما مع التقارير التي تشير إلى أن الصومال أضحت بمثابة جبهة جديدة لعناصر تنظيم القاعدة الفارين من العراق وأفغانستان، وبصورة أوضح من خلال حركة الشباب المرتبطة بصورة أو بأخرى بتنظيم القاعدة.

ومن هذا المنطلق تأتي أهمية الجزء الثاني من التقرير الصادر بتاريخ 21 من كانون الثاني/يناير 2010 عن لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي ونُشر على الموقع الإلكتروني للمجلس بعنوان "القاعدة في اليمن والصومال. قنبلة موقوتة " وينطلق التقرير من فرضية أساسية مفادها أن الضربات التي تلقاها تنظيم القاعدة في كل من العراق وأفغانستان والمنطقة القبلية بباكستان على الحدود مع أفغانستان دفعت عناصر التنظيم إلى البحث عن جبهات جديدة جاءت في مقدمتها اليمن والصومال.

تغير في الوسائل

تعرضت القاعدة على مدار السنوات الأخيرة لعديد من الأزمات والضربات الأمنية مما دفع التنظيم لتغيير وسائل وأدوات تحقيق أهدافه، فالتنظيم الذي يمكن أن نراه في الوقت الراهن أصبح مغايرًا بدرجة أو بأخرى للتنظيم الذي نفذ هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 ففيما كان التنظيم يتشكل بصورة رئيسة من المقاتلين السابقين الذين شاركوا في القتال ضد القوات السوفيتية بأفغانستان تحت لواء هيكل قيادي مكون بصورة رئيسة من مصريين وأسامة بن لادن. كما أن معظم العمليات كانت تتم من خلال القيادة وبأوامر مباشرة منها، أضحى الوضع مختلفًا في اللحظة الراهنة حيث تحولت القاعدة إلى شبكة عالمية واسعة الانتشار وحركة فلسفية مكونة من تنظيمات عنقودية متفرقة تتمتع بدرجات مختلفة من الاستقلالية في الوقت الذي نجد قيادة القاعدة بزعامة بن لادن تتركز - حسب توقعات بعض المراقبين - في منطقة الحدود الجبلية شمال غرب باكستان حيث لا تزال القيادة تقدم التدريبات للعناصر المسلحة وتستقطب مزيدًا من العناصر فضلاً عن القيام بالدعاية.

في هذا السياق تمثل خلايا القاعدة وغيرها من التنظيمات التابعة في كل من اليمن والصومال والعراق وشمال إفريقيا وجنوب شرق آسيا لاعبًا محوريًّا ضمن الحركة الأكبر وبعض من هذه الخلايا يحصل على التمويل والتدريب والسلاح بصورة مستقلة عن التنظيم الرئيس فيما يسعى البعض الآخر إلى الحصول على التوجيه الاستراتيجي والتبريرات الدينية للعمليات التي ينفذونها من القيادة بباكستان. ومن ثم فنحن أمام تنظيم يتسم بقدر كبير من اللامركزية في التحكم والقيادة وهو ما عبر عنه مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب مايكل ليتر في خطاب عام 2009 حيث ذكر "أن مسار تنظيم القاعدة يتسم بقدر من اللامركزية في القيادة والتحكم حيث لا يوجد مركز واضح للجاذبية، ومن المرجح أن مراكز الجاذبية تشهد موجات من الصعود والهبوط اعتمادًا على المكان الذي يتجه له التركيز الأميركي والعالمي في الفترات المختلفة".

فشبكة القاعدة تتكون من عديد من الخلايا المحلية تتمتع بقدر من الاستقلالية عن التنظيم الأم غالبًا لا يكون لها سوى علاقات هامشية مع القيادة في باكستان أو التنظيمات التابعة في أي مكان آخر وفى بعض الأحيان هذه العناصر لا تغادر موطنها، ولكن يزرع في فكرها التطرف بمساعدة آخرين يتنقلون عبر الحدود من دولة لأخرى للتدريب والتلقين وتعد هجمات لندن يوليو 2005 الإرهابية نموذجًا واضحًا على الدور الذي تقوم به العناصر شبه المستقلة في شبكة القاعدة العالمية.

بيئة مواتية للقاعدة

أوضح التقرير أن الصومال شكلت أحد الجبهات الرئيسة لتنظيم القاعدة خاصة بعد الضربات الأمنية التي تلقاها التنظيم في العراق وأفغانستان والضغوط التي يقع لها التنظيم المنطقة القبلية بباكستان سواءً من الولايات المتحدة أم القوات الباكستانية لاسيما أن هناك عددًا من العوامل جعلت من الصومال بيئة مواتية لعناصر التنظيم، تتمثل في الآتي:

أولاً : ضعف الحكومة المركزية في الصومال حيث إن الدولة الصومالية تعاني من انهيار كامل في المؤسسات وظهور عديد من الفاعلين على الساحة الداخلية ومن ثَمَّ فإن الحكومة المركزية ليست لديها القدرة على بسط سيطرتها على مناطق واسعة من البلاد، والتضاريس القاسية المنتشرة في البلاد فضلاً عن تزايد حدة العداء الشعبي داخل الصومال تجاه الولايات المتحدة وهو ما تسعى العناصر التابعة للقاعدة لاستغلاله.

ثانيًا : غياب دور الحكومة أو المجتمع المدني بصورة واضحة - بحسب التقرير- وهو ما أفضى إلى عدم توافر الخدمات الأساسية في المجتمع الصومالي، ومن النماذج على ذلك الأزمة في العملية التعليمية حيث لا تتوافر الخدمة التعليمية لعديد من الصوماليين مما يجعل عددًا من الآباء لإرسال أطفالهم إلى مدراس إسلامية أو المساجد لتلقي التعليم، وهو الأمر الذي يحمل في طياته بعض المشكلات. إذ إن المناهج التي تُقدم في هذه المدارس أو المساجد محدودة جدًا . بالإضافة إلى أنها تميل لأن تكون أصولية في طبيعتها لأنها تمول من حركة الشباب (المعروفة بصلاتها بتنظيم القاعدة) والحكومة السعودية.

وفى هذا الصدد أبدى عديد من المراقبين تخوفهم تجاه الدور المتزايد التي تقوم به حركة الشباب داخل الصومال، إذ إنها تعد الحركة الوحيدة التي تقدم الخدمات الاجتماعية الأساسية في عديد من المناطق داخل الصومال مثل الأدوية ومراكز توزيع المواد الغذائية. فضلاً عن نظام العدالة الأساسي المستند إلى الشريعة الإسلامية.

ثالثًا : واحدة من نقاط الضعف في الحالة الصومالية الحدود المفتوحة والتي لا تخضع لأي قدر من الرقابة والدفاع وخاصةً الحدود الصومالية ـ الجيبوتية، فلا يوجد سوى منطقة عبور رسمية وحيدة في قرية ويادا Loyada الجيبوتية ويصل إليها يوميًا ما يقرب من 200 لاجئ قادمين من الصومال وإثيوبيا وعديد منهم يتوجهون إلى اليمن والخليج. وتحاول العناصر التابعة للقاعدة وغيرها من التنظيمات المسلحة استغلال تلك الثغرة في التنقل من وإلى الداخل الصومالي. فمؤخرًا تم اعتقال أميركيين من أصل صومالي كانا يحاولان عبور جيبوتي في طريقهم إلى الصومال وقد أشار مسئولو الهجرة في جيبوتي إلى أن توجهم للصومال لأهداف إرهابية.

رابعًا : أسهم التدخل الخارجي في الشئون الصومالية في تزايد تواجد ونفوذ الجماعات والتنظيمات المسلحة (ومن بينها تنظيم القاعدة) هناك فالقاعدة في اللحظة الراهنة أصبحت منظمة أكثر خطورة وتواجدًا على الساحة الإفريقية ولها موطئ قدم في الصومال الأمر الذي يمكن إرجاعه إلى التورط والتدخل الخارجي من القوى الغربية وحلفائها في الشئون الصومالية وقد أكد برونوين بروتون الخبير في الشئون الصومالية بمجلس العلاقات الخارجية على تلك الفرضية في مقال له مؤخرًا بدورية الشؤون الخارجية "أن التهديد الإرهابي الذي يشكله الصومال تنامى بصورة متوازية مع السياسات والتدخلات الدولية تجاه هذا البلد".

ويتابع بروتون "لقد أفضى الاحتلال الإثيوبي للصومال إلى عديد من التداعيات الخطيرة حتى وإن كانت غير مقصودة فقد أدى الاحتلال إلى تفكيك اتحاد المحاكم الإسلامية وتفرق قيادات المحاكم في الجنوب الصومالي فيما هرب البعض الآخر إلى إريتريا ومع الاحتلال الإثيوبي لمقديشو بهدف دعم الحكومة الانتقالية بدا أن موجة من التمرد قد اشتعلت في أنحاء مختلفة من البلاد يضاف إلى ذلك ما أسفر عنه الدعم والمساندة الأميركية للاحتلال من تزايد موجة العداء للولايات المتحدة بين الصوماليين.

وكان من شأن هذه التطورات مجتمعة استجابة المجاهدين والعناصر المسلحة وتدفقها على الصومال من أنحاء مختلفة من الشرق الأوسط وحتى من مناطق أبعد مثل ماليزيا بهدف دعم حركة الشباب وأحضروا معهم المتفجرات الانتحارية وغيرها من التكتيكات مثل التفجير عن بعد وبمرور الوقت انسحبت القوات الإثيوبية في وقت مبكر من عام 2009 ومن ثم تزايد نفوذ حركة الشباب".

اهتمام أميركي

ينتقل التقرير إلى تناول قضية محورية وهى الاهتمام الأميركي بالأوضاع في الصومال الأمر الذي ينبع من بعض الاعتبارات بالنسبة لصانع القرار الأميركي فالصومال تقع في منطقة حيوية بالقرن الإفريقي، ومن ثم تصاعد موجة التطرف في هذا البلد، وتزايد تواجد القاعدة هناك يشكل تهديد أمني واضح للولايات المتحدة لاسيما أن هناك عديدًا من الأميركيين من أصل صومالي يعودون للولايات المتحدة بعد قتالهم في صفوف حركة الشباب بالصومال. وقد كشفت عدد من الحوادث عن ذلك الأمر ففي عام 2009 تم اعتقال عديد من الأميركيين من أصل صومالي في مينسوتا عقب عودتهم من الصومال حيث كانوا يقاتلون في صفوف حركة الشباب ذات الصلة الوثيقة بتنظيم القاعدة. كما تلاحظ اختفاء عديد من الأميركيين من أصل صومالي من بعض الولايات الأميركية خلال الشهور الأخيرة.

في هذا السياق يشير بروتون إلى أن "واحدة من التخوفات الأميركية الرئيسة تجاه أوضاع الصومال هي أن القاعدة تحاول تطوير منطلق لها هناك يمكن من خلاله تنفيذ هجمات ضد المصالح الغربية بالمنطقة كما أن هناك تخوفًا من جانب خبراء مكافحة الإرهاب أن يتبنى الصوماليون المغتربون النهج الإرهابي المتطرف بما يشكل تهديد للمجتمعات التي يتواجدون فيها".

فالشهور الأخيرة كشفت عن ارتباط عدد من قيادات حركة الشباب بتنظيم القاعدة كما أن عددًا من المقاتلين الشباب في صفوف القاعدة تلقوا تدريباتهم في أفغانستان قد توجهوا إلى الجنوب الصومالي لتدريب الصوماليين في معسكرات حركة الشباب وفى المقابل وفرت حركة الشباب الحماية لهذه العناصر. كما لاحظ عدد من المسئولين الأفارقة أن تكتيكات حركة الشباب طرأ عليها تغيرات على مدار السنوات الخمس الماضية حيث بدأ الصوماليين في تبني عدد من استراتيجيات القاعدة.

ومن هذا المنطلق سعت الإدارة الأميركية إلى مساعدة الحكومة الصومالية الجديدة من خلال عدد من المحاور تجلت بتعاون إدارة أوباما مع الرئيس الصومالي الجديد "الشيخ شريف" واعتباره أمل الدولة الصومالية في هذه المرحلة ومن ثم دعمت الحكومة الصومالية بالأموال للحصول على التسليح اللازم، فضلاً عن تقديم الدعم التقني للحكومة الجيبوتية بما يسمح بضبط حدودها مع الصومال.

ويخلص التقرير إلى عدد من التوصيات أهمها التعامل مع القضية الصومالية من منظور شامل يرتكز على دعم أميركي لعملية سلام دائمة ومتكاملة والأخذ في الحسبان أن الإرهاب لا ينشأ في الفراغ ولكنه نتاج عديد من الظروف والعوامل بما يفرض التزامًا على الحكومة الأميركية مفاده التفاهم مع شركائها الخارجيين في قضايا مثل معدلات الأمية ومعدلات الزيادة السكانية والتنمية الاقتصادية وقضايا حقوق الإنسان والتوصل إلى نظام متكامل للتنسيق المعلوماتي والمخابراتي في قضايا مكافحة الإرهاب وضبط الحدود.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف