الثروة المائية في لبنان من نعمة الى نقمة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تعتبر بلدة عمشيت واحدة من عشرات القرى والمدن التي تشكو من العطش في "بلد الشمس والماء"، كما يحلو للشعراء ان يصفوا لبنان.
عمشيت:على بعد كيلومترات من نهر ابراهيم الممتد من احد اعلى جبال لبنان ليصب في البحر المتوسط، تضطر روز حاتم لشراء مياه الشفة والاستخدام اليومي، رغم ان منزلها في بلدة عمشيت الساحلية موصول بالشبكة العامة للمياه.
وعمشيت واحدة من عشرات القرى والمدن التي تشكو من العطش في "بلد الشمس والماء"، كما يحلو للشعراء ان يصفوا لبنان.
وتقول روز (60 عاما) "اشتري المياه منذ ان انتقلت الى هذا المنزل قبل 14 عاما. في فصل الصيف، يكثر الطلب على صاحب الصهريج فابقى غالبا من دون ماء لايام طويلة".
ويعتبر لبنان غنيا نسبيا بالمياه في العالم العربي وفيه حوالى اربعين مجرى مائي، بالاضافة الى وفرة المتساقطات بالمقارنة مع دول مجاورة.
وتكمن المشكلة في عدم حفظ مياه الامطار والثلوج وفي تسرب مياه الشبكات وفي الهدر.
ويقول رئيس بلدية عمشيت انطوان عيسى ان "لبنان يجب ان يصدر الماء لا ان يتفرج على الشح الآتي. نحن لا نقدر قيمة النعمة المعطاة لنا".
في جبيل المجاورة (35 كلم شمال بيروت)، تقول صاحبة مكتبة ميرنا الهاشم (45 عاما) بحدة "هذا حرام. ندفع اشتراكا سنويا للدولة ولا تصل المياه عبر القساطل، وندفع مرة اخرى لشراء الماء".
على بعد ستة كيلومترات من جبيل، عند اسفل مجرى نهر ابراهيم، مصنع لانتاج الكهرباء يعمل على الماء. لكن المنطقة، كما كل لبنان تعاني من تقنين الكهرباء الى جانب تقنين المياه.
اما النهر، فيتابع انسيابه بهدوء ليصب بقوة في البحر المتوسط.
ويقول مدير عام الموارد المائية فادي قمير لوكالة فرانس برس ان "المعدل السنوي للموارد المائية المتجددة (امطار وثلوج) هو ملياران ومئة مليون متر مكعب، من دون احتساب الموارد التي تخرج عبر الحدود والينابيع تحت البحر".
ويضيف ان "لبنان يستخدم مليار متر مكعب كحد اقصى وما تبقى يذهب الى البحر".
كما تصب في البحر المياه المبتذلة من دون تكرير.
ويقول قمير "نحن نلوث البحر ونخسر المياه".
ويضيف ان "105 ملايين متر مكعب من مياه الصرف الصحي تصب في المتوسط. لهذه المياه قيمة اقتصادية كبيرة اذ يمكن استعمالها في الري ولحاجات البلديات ولايجاد مساحات خضراء نفتقر اليها".
ويتابع ان "الري يتم بالمياه العذبة، وهذا امر كارثي".
ويشعر الخبراء بالاسى لعدم الاهتمام باستثمار مياه الانهر التي تخرج من لبنان مثل النهر الكبير شمالا والعاصي شرقا (الى سوريا) ونهري الوزاني والحاصباني جنوبا (الى اسرائيل).
ويؤكد خبراء وسياسيون ان احد ابرز اسباب العمليات العسكرية الاسرائيلية في لبنان على مر السنين ناتج عن الاطماع بالمياه اللبنانية.
ويقول الاستاذ في الجامعة الاميركية المتخصص في علم المياه نديم فرج الله "صحيح ان اي اشغال نقوم بها على الانهر في الجنوب قد تتذرع بها اسرائيل للرد لكن ان لم نتحرك قد يأتي يوم يقال لنا ان حقنا سقط في مياه لم نستخدمها منذ استقلالنا قبل اكثر من ستين عاما".
كما يشير الى ضرورة "انشاء ادارة مشتركة مع سوريا لحوض العاصي من اجل استخدام افضل للمياه".
ويؤكد فرج الله ان "هناك سوء ادارة عامة في مسالة الموارد المائية، فلا مخطط توجيهيا ولا دراسة متكاملة للاستثمار".
في منطقة عكار (شمال) الغنية بالمياه لا سيما الجوفية منها 53,8% من المنازل فقط موصولة بشبكة المياه فيما المعدل الوطني يبلغ 85,5%، بحسب دراسة بعنوان "عكار المنسية" لجمعية "مدى" غير الحكومية الناشطة في مجالي التنمية والبيئة.
وتقول رئيسة مكتب الجمعية في الشمال عائشة مشرف ان "المشكلة قائمة حتى بالنسبة الى المنازل الموصولة بالشبكة العامة، لان معظم الشبكات مهترئة تعود الى السبعينات والستينات وتتسرب منها كميات هائلة من الماء".
وتتابع "في المقابل، هناك ينابيع في عكار والمنية والضنية (شمال) تتفجر من الجبال وتنزل نحو البحر من دون استخدامها ولو بالحد الادنى".
ويشكل النمو السكاني عامل ضغط على مسالة الطلب على المياه.
ويقول قمير ان "معدل النمو السكاني هو 1,5%، اي ان عدد السكان سيصبح بعد عشرين عاما ستة ملايين" مقابل اربعة ملايين حاليا، وهذا سيتطلب توسيع الرقعة الزراعية لتلبية الاحتياجات الغذائية.
كما يؤثر الاحتباس الحراري سلبا على الموارد المائية بزيادة التبخر. وفي ضوء ذلك، يحذر قمير الذي يرئس حاليا الشبكة المتوسطية لهيئات الاحواض المائية من ان كمية الموارد "بالكاد ستكفي لبنان حتى العام 2015".
ويقول "لا حل سحريا لهذه المشكلة. لا بد من تخزين المياه سطحيا في سدود وبحيرات اصطناعية على الهضاب واصلاح الشبكات او تمديد شبكات جديدة للحد من التسرب".
ويشدد فرج الله من جهته على ضرورة ايجاد "خطة تشارك فيها كل القطاعات للمحافظة على الثروة المائية".
ويفترض ان تشمل الخطة اعتماد وسائل حديثة للري لا سيما الري بالتنقيط ما يوفر حوالى 20% من مياه الري، واحترام معايير الحد من الهدر في الابنية الجديدة وفي المنتجعات السياحية وبناء سدود في المناطق.
وتقول عائشة التي تقوم جمعيتها بحملة توعية في مدارس عكار بعنوان "المياه: الذهب الازرق" ان "التلاميذ في تلك المنطقة الفقيرة يشعرون انهم مهملون ولا يملكون شيئا وعندما نقول لهم انهم يملكون ذهبا، يشعرون بالفخر ويتجاوبون".
لكن مشوار التوعية لا يزال في بداياته ويحتاج الى التعميم في المجتمع.
ويقول فادي قمير "ما ينقصنا هو الارادة السياسية. السياسيون عندنا لا يهتمون بغير السياسة ولا يعيرون اهتماما لثقافة التنمية المستدامة".