"إيلاف" مع عائلات تحتضر في بيوت مقبضة وجدران مهملة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ليس في ذكريات سكّان حي "عقبة الكوت" في محلة "باب الرمل" الطرابلسيّة،سوى مشاهد عابرة وسطحيّة عن تشكّل حيّهم واكتظاظه، فالمكان المنسي بين أدراج تصل بيوتهم وأبنيتهم المهترئة والقديمة، وأحياء منمحلة أبي سمراء، مليء بالقصص والحكايات والوجوه، وجوه تحكي مأساة مشتركة، وهمًّا تآلف مع تفاصيل العيش اليومي، انه الفقر.
طرابلس: الفقر الممزوج دومًا بالعفة و"الستر"، فالعائلات بقيت حتى الآن " فقيرة ومستورة" على حدّ وصف الحاج محمد نور بدواكي، الذي ولد في العام 1948 في مساكن الحي الصغير. لا يتذكر الحاج عن حيّه الذي تربى في أرجائه وسكنه منذ الصغر، وربّى أطفاله الصغار فيه حتى كبروا، سوى الفقر "منذ أن خلقت، اكتشفت أن بيئتنا فقيرة". هكذا ببساطة يحدثّك عن الفقر المولود بالفطرة في تلك الأماكن التي تحتفظ، وما زالت، ببقايا أسطورة من بناء معماري يعود الى زمن المماليك. أبنية لطخها الفقر والعوز بأبشع المشاهد. ألوان الجدران القديمة باهتة. وزخرفاتها تآكلت، بعضها بقي محافظًا على هندسته الخارجية، فيما تحوّلت في داخل البيوت الى ضحية للعثّ وغبار الزمن.
"جيت والله جابك"
في زيارة ميدانية الى الحي، نفسها الوجوه والقسمات السمراء والبيضاء المائلة الى الاصفرار، تتحرك بنظراتها لتكتشف الزائر. وجوه بدت تثير تحفظًا وانكماشًا. وجوه بائسة، وأجساد تبحث عن ضوء ينتشل الحزن المقيم في نفوسها. الحركات البطيئة والمعلّقة، والاقتصاد في العبارات والتعبير عن المشاعر والانفعالات، ما لبثت جميعًا أن تغيرت. فبعد التعارف والودّ، كشف السكان عن همومهم، وكأنهم كانوا ينتظرون أحدًا ليخبروه عن مشاكلهم وعن تفاصيل حياتهم وظروفها التعسة.
"جيت والله جابك" هي العبارة الاولى التي استقبلتني بها ابنة الحاج عادل شعبو في أول طلعة الحي الصغير، لتدلني الى بيت والدها الذي يعاني من أمراض مزمنة ولا يستطيع التحرك بشكل جيد ويحتاج الى مساعدة بعد اجرائه عملية في القلب المفتوح، والتي اجبرته على التخفيف من الحركة والتنقل والمشي في أماكن منبسطة. لكن واقع الحال سيء في الحي. فالحاج يسكن في الطبقة الأرضية من احدى البنايات، والوصول اليها يحتاج تسلقًا لدرجات قاسية، وهناك مجازفة لأصحاب الأجسام السليمة في تسلقها، فكيف الحال لشخص مريض ولا يناسبه الجهد وقساوة الخطى.
تسلقت بأولى خطواتي، وبجهد مضاعف لأصل الى الحاج، الذي كان في انتظاري أمام الشرفة المطلة على الدرج "الخطر". ابتسامة هادئة ورقيقة تعلو وجهه المغضن. وكلمات كثيرة كسيل الماء في فمه. "من اين أبدأ لك؟" هكذا أراد ان يفتح لي قلبه مجازيًا، بعد أن فتح مرات متعددة في عمليات جراحية اضطر لاجرائها بعد زمن من التعب والشقاء. "هل ابدأ من معاناتنا اليومية من الدرج الذي يوصلنا الى بيوتنا؟" ويسكت، فأنفاسه المتقطعة لا تسمح له بجهد في الكلام، ويكمل تساؤلاته "أم ابدأ معك مع معاناتنا الدائمة في حياة الفقر والحاجة؟". الأمر واحد، لا فرق. هكذا تستنتج بديهيًا، وانت تسمع قصة الحاج.
فالفقر و"معاناة الدرج" لهما النتيجة نفسها، القهر والشقاء. وبعد ان يروي الحاج تفاصيل قصته تشعر أنك أمام "المعذبين في الأرض"، وتتساءل لو كان طه حسين من سكان هذه الحارة ماذا كان قد أضاف الى كتابه "المعذبون في الأرض"؟. "وقصة الدرج قصة"، فحتى الآن بعد ان قدم سكان البناية مئات الطلبات الى "بلدية طرابلس" لمساعدتهم في وضع "درابزين" للدرج، لم تستجب لهم. "وبقي الوضع على حاله" يقول الحاج عادل.
بيئة الفقر
في البناء القديم والمهترىء، تسكن 12 عائلة من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة. يعانون يوميًا من "طلعة" الدرج ونزوله. البناء قديم يعود الى ستينات القرن الماضي. "لا يصلح للعيش. لكنه "يضبضب" أولادنا. ويقينا العيش في الشوارع" وفق ما تقول الحاجة وفاء القاطوع (50عامًا) زوجة الحاج عادل بتنهد، وتضيف بحسرة "تسكن البناية عائلات تأبى أن تتركالحياة في مهب القدر، فجاهدت في سبيل تعليم اولادها و لو على قدر قليل من الامكانات الضئيلة".
الشرفة الواسعة لأرضية البناية، تكون مكانًا مناسبًا للحاج والحاجة في رشف فنجانين من القهوة المرّة، التي يرفضان تركها، على الرغم من تحذير الاطباء لهما بالامتناع عنها. "القهوة رابط حقيقي لعلاقتنا" هكذا يؤكد الحاج. اما زوجته فتقول أن الجلسات التي يجلسانها معًا عند الصباح والعصر، تكون بمثابة "تعبير عن البقاء في الحياة رغم قساوتها". قساوة تشرب من تجاعيد وجههيهما بريق الحياة. فيبقيان معًا مستمران في رشف قهوة سوداء ومرّة تشبه سوداوية لحظاتهما وتعاستها في بيئة فقيرة ومعدومة وبعيدة عن الخدمات.
بيئة الفقر والحرمان المزمن في قلب المدينة القديمة. فقر يمنعهما من شراء دواء أقل ما يقال عنه انه "ضروري" لصحتهما. الحاجة تعاني من أمراض كثيرة تستفيض في ذكرها فلا يعد السامع لها قادرعلى احصائها "من السكري الى الضغط ومرض رئوي الى الرجفة "البركينسون" وغيرها". تصمت، ثم تكمل العدّ. فيما ابنتها الصغيرة فرح التي تدرس في "المدرسة الكويتية" تستمع اليها دامعة.
المساحة الترابية
تتسلق فرح يوميًا درجًا يوصلها الى أبي سمراء لتكمل السير مشيًا على الأقدام الى مدرستها في أيام "الصحو"، او تستقل "سرفيسًا" لتذهب الى هناك في ايام المطر. أحلام كثيرة وخجولة في ذهن الصغيرة فرح(12 سنة). احلام لا تجرؤ على البوح بها، لأنها مقتنعة انها "أحلام لن تتحقق". تنظر بخفر وهي تتحدث عن "المرّة التي وقعت فيها عن الدرج، فكسرت رجلي". وتحكي عن لهوها كلما سنحت لها الفرصة مع أطفال الحي "العب يوميًا مع أترابي من الجيران في المساحة الترابية الصغيرة تحت بنايتنا".
والمساحة التي تذكرها فرح عبارة عن منحدر ترابي صغير، حوّله الحاج محمد بدواكي الى حديقة صغيرة يقول الحاج: "كانت في السابق مساحة متروكة لعبث الأطفال. مليئة بالنفايات وأوساخ البناية كلها فيها، فيخيّل اليك أنها مكبّ للنفايات، كالخرابة مأوى للقطط الشاردة وللحشرات، ومكانًا مناسبًا للأوساخ التي يصعب على السكان أخذها الى الشارع لابتعاد براميل النفاياتعن حيّهم لمسافة طويلة نسبيًا". ويضيف" طلبت من "بلدية طرابلس" استصلاحها فقدموا الّي بعض الأغراس الصغيرة فقمت بزراعتها والعناية بها، وحوّلت هذه المساحة الكئيبة الى مكان يصلح النظر اليه، لكن البلدية، وللاسف، لم تقم بمساعدة أهل الحي على تسوير الحديقة على الرغم من اننا طلبنا منهم ذلك عشرات المرّات".
"كل يوم بيومه"
نكمل السير مع الحاج بدواكي الى بيوت أخرى. يخبرنا عن معاناة الناس هنا "بعض البيوت ترفض مساعدة احد ولا تقبل علب الاعاشات التي توزعها بعض الجمعيات التابعة لسياسيين نافذين، رغم حاجتها المّاسة اليها". اذًا العائلات "المستورة" في هذا الحي الفقير "الله ادرى بحالاتها". كثيرون هم الشباب المتعطلين عن العمل، وكثيرة هي أفواه الصغار الجائعين. فبماذا يعمل البعض ليؤمن لقمة عيشه وعيش أخوته وعائلته؟ يقول أحد الشبان الذين التقينا بهم أنه يعمل في "مدّ الكهرباء" داخل البيوت او ورش البنايات الجديدة ولا سيما في مشاريع "محرّم" القريبة. يعتبر نفسه "محظوظًا" لانه وجد فرصة عمل بعد ان ترك مدرسته في الصف السابع اساسي وصار "زقاقيًا" كما يصف مراهقته "من حارة الى حارة ومن مقهى الى آخر".
والشاب العشريني الذي يدخن بشراهة دخانًا من نوع "جيتان" ويحمل بيده هاتفًا نقالاً من نوع "نوكيا" حديث الطراز، ويرتدي ثيابًا لائقة ويضع مثبتًا للشعر، وتفوح رائحة زكية منه يؤكد ان عمله يؤمن له كل ما يحتاجه ليعيش كل يوم بيومه. أما رفاقه من مجايليه فبعضهم بقي "معترًا" وعمل في ورش صغيرة من "الفجر للنجر" ولا يعود الى بيته الا في المساء فـ"ينبطح في فراشه كالقتيل"، وبعضهم الآخر يعمل في "لمً" الزبالة او أجيرًا مياومًا، هذه هي حال بعض شباب الحيّ.
أما أكثرية الشباب فهم جليسي المقاهي وأجسادهم رفيقة الجدران المهترئة في الأحياء، ويقضون أوقاتهم عابثين بالمارة والأطفال العائدين من مدراسهم. يذكر لنا الشاب معاناة اخوته الصغار في تسلقهم الدرج الذي يوصلهم بحي "طلعة بارود" ليصلوا الى مدراسهم هناك قائلاً:" في الشتاء والمطر يتحول الدرج الى "تسونامي مياه"، فيغرق بالامطار والسيول بسبب قلة وجود مسارب ومجاري مائية، ويرفض الأطفال الذهاب الى مدارسهم تفاديًا لسيول "الدرج" واتقاء من المرض".
غرفتا الحاجة مروة
نترك الشاب مع أخوته في الزقاق الصغير حيث كانوا يلعبون حفاة على الرغم من برودة الطقس. ونمشي في زقاق ضيق. تستقبلنا الحاجة مروة اسماعيل(42 سنة) التي تعاني من مشاكل صحية في المشي بعد عمليات اجريت لها في الأوراك "12 عملية كلفتني دم قلبي". تسكن الحاجة في غرفتين صغيرتين، ولديها خمسة أولاد. زوجها معوّق ولا يعمل. الغرفة الوحيدة التي يوجد فيها شباكًا لا يفتح، اذ تقابله مساحة صغيرة مليئة بالأعشاب البرية " بيتي مقتول" هكذا تصف بيتها، "أعيش فيه منذ 30 سنة، تدخله الجراذين كل يوم بسبب هذه المساحة البرية المليئة بالأوساخ التي تكون ملاذًا للقوارض".
الحاجة قدمت الى البلدية طلبًا لتأهيل هذه المساحة "حتى نستطيع ان نتنفس" على ما تقول متحسرة "لكن حتى اللحظة لا احد يسمع ولا احد يعيش معاناتنا". غرفتا البيت الضيقتان تعدّ مساحة "موت" لحياة اطفال الحاجة الصغار. ملاءات صغيرة مستفة قرب الباب، و الظلمة رغم ضوء النهار، تجتاح الغرفة الكبيرة، فيحتاج الزائر الى مصباح ضوئي ليعبر بين الأرائك الموضوعة في الغرفة، عكس افراد العائلة الذين اعتادوا الظلمة وترك واحدهم مشية "البقبيشة" ليستعيض عنها بذاكرة الحواس. اما الحاج مصطفى حسين الذي يسكن قرب منزل الحاجة مروة، فالحال ليست افضل في حياته "المليئة بالقساوة والشقاء". ويقول ونحن نودع المكان:" لا تنسوا ان تعودوا ومعكم البلدية. في المرة المقبلة لن نقبل التصوير ان لم يكن الأمر على قدر كبير من المعالجة". نلوح له بأيدينا ونعده بشيء لكن بماذا تعدنا بلديتنا في هذا الشأن؟
"عقبة الأحدب"
الحي الثاني الذي أخذتنا اليه خطواتنا بعد "عقبة الكوت" كان "عقبة الأحدب". مكان يغيب عن الزمن، فتجده غارق في الاهمال والتناسي. كل تفاصيله توحي انه منسي منذ حرب ما، لم تحدد هويتها ولا تاريخها معروف، كأن المكان نتاج حرب مجهولة، وهو الآن على حاله بعد سنوات من النسيان. بيوت وأبنية شبه مهدّمة تسكنها عائلات فقيرة، وأسقف وجدران تدخلها مياه الأمطار في الشتاء، وتغزوها روائح كريهة في صيف خانق وحار. وتعشعش فيها غرائب البشر المسكونون بالفقر دومًا.
بيوت كامدة
في الجولة ننظرالى أطفال صغار يأخذون استراحة بعد عودتهم من مدراسهم في أزقة الحي، حيث تنتشر حبال الغسيل والثياب المختلفة الألوان والأحجام، على شبابيك الغرف، التي يصل عدد ساكنيها الى الـ15 فردًا. يبتسم الطفل محمد (4سنوات) لنا، ويقول بصوت بريء أن بيتهم في الطبقة الثانية من البناء القديم، الذي جلس على عتبته مرتاحًا من اللعب طوال النهار، فهو كما أخبرنا لا يذهب الى المدرسة. نترك الطفل وحيدًا ينظر الينا بعينان حائرتان. نلتقي بأم علي واقفة أمام أحد البيوت. نظرة حزن قديم تمنح وجهها هوّية خاصة. تتحدث عن أمور خارج حياتها العادية ويومياتها المضجرة، كأن تروي لك عن أحلامها التي عاشتها في طفولتها، ثم تعود الى الواقع المرير الذي تعيشه لحظة بلحظة في غرفة صغيرة كامدة.
قطع أثاث معدنية مخلّعة ومهترئة، فراش مبقور، انها كل شيء في هذه الغرفة، التي يحشر فيها سبعة اطفال كل مساء ليناموا ويعودون في الصباح الى مدراسهم الرسمية، فيما تبقى أم علي تبحث عن أجوبة في عالمها البائس. مشغولة في بعض الأوقات بأحلام طفولتها الذي أصبح زمنه غير متصل بحاضرها، وفي أحيان كثيرة تنشغل بعملها وراء "ماكينة" الخياطة أو بأعمال منزلية تبعدها عن عالم التخيل و"البحث المجاني" عن معان لا حقيقة لها في حيّ معدم وفقير.
أنفاس الحياة...وروائح كريهة
تتحدث أم علي عن معاناة الحي بشيء من الأسى فتقول:" لا شيء يبقيك على قيد الحياة سوى بعض الأنفاس التي نجترها اجترارًا من الهواء". يعاني اطفال ام علي من التهابات مزمنة برئاتهم بسبب البيوت الملاصقة لبعضها بعضًا، وانتشار روائح العفونة والرطوبة في الغرف المظلمة التي لا تصلها الشمس ولا ذرات الهواء، عداك عن روائح "المجارير" التي تبقى ملازمة لهذه الأحياء الفقيرة والمحرومة. "نبقى ليل نهار مع رائحة المجارير، التي تسكن اثاثاتنا وبيوتنا وتعيش في تفاصيلنا".
معاناة الحي مع المجارير مزمنة وقديمة، وبسبب وجود شبكات الصرف الصحي في ملكيات خاصة لا تستطيع "بلدية طرابلس" ان تقوم بمعالجة هذه المجارير، الا بتنازل من الاهالي، كما قال لنا بعض السكان الذين طلبوا المعالجة من البلدية حيث تم توضيح الأمر لهم بهذه الطريقة.
أم توفيق واكتظاظ المنزل
تنسحب مع هواء الظهيرة رائحة العفونة مشبعة برائحة كريهة من الصرف الصحي، داخل غرفة ام علي التي راحت تعمل على ماكينتها، ممسكة فستانًا احمرًا جارد اللون منهمكة في اخاطته، بينما راحت جارتها أم توفيق تحضر القهوة في غرفة المطبخ. لا شيء في حياة الجارات سوى العمل والجلوس والكلام في أحاديث عابرة وسطحية "لا همّ ولا غمّ" كما تقول أم توفيق، التي تخفي في عينيها العسليتين كلامًا كثيرًا. لكنها بقيت للحظات كاتمة صمتها، وباحت من بعدها بما تخفيه. فهي امرأة تزوجت في سن الثالثة عشرة وأنجبت طفلتها سليمة في عمر 15 سنة ومن بعدها جاء توفيق "زينة البيت" كما تحب أن تصفه دومًا، وتتالت من بعدها "البطون الحاملة"، حتى وصل عدد الاطفال الى العشرة "البيت يضيق بهم ولا نستطيع ايوائهم، لذلك سجّلت بعضهم في مدراس داخلية في الكورة وزغرتا، حتى نتمكن من النوم داخل الغرفتين اللتين نملكهما ولا نملك غيرهما، وسترة ربنا (عزّ وجل) وحدها".
مسار حياة غارقة بالألم
في ذكريات أم توفيق التي تقارب الأربعين من العمر، فهي كما قالت لا تذكر عمرها تحديدًا ودائمًا تقول "تقريبًا ..شو بعرفني .. يمكن هيك" للجزم بعدم معرفتها التامة، في ذكرياتها الكثير من الألم من حياة الفتوات التي عاشها والدها في حارات التبانة وحياة "مشيخات الأحياء" والفقر والحرب. فهي ولدت في "العمق التبنجي" كما تقول ضاحكة. في معقل الحرمان وحياة الذّل والمهانة والحروب المتقطعة. تذكر جيدًا كيف كان الرجال يختبأون في بيتهم، وكانت والدتها تحضّر لهم الطعام والعتاد.
وتذكر أيضًا كيف كانت تصل الليل مع النهار لتدرس في صغرها "العلم كان ممنوعًا علينا نحن بنات الحارات. اذ كن نعيّر بصغر عقولنا". لكنها تفتخر أنها أكملت تعليمها ووصلت الى الصف الخامس بشدّة اصراراها وعزيمتها، لكنها صدمت بقرار والدها في ابقائها في البيت أسوة بأخواتها. تنظر ام توفيق ساهمة، لا تربط حوادث من حياتها بحاضرها، تكتفي بذكرها على سبيل التذكر، وكأن الماضي شيئًا لا يعنيها "لا أحن الى تلك الأيام فهي غير متعلقة بحاضري". الا ان ما تصر عليه دومًا هو ان زواجها كان مصيرًا مختلفًا في مسار حياتها "بعد زواجي في سن مبكرة تغيرت حياتي، كنت حينها لا اعرف شيئًا في الدنيا سوى المنزل وبعض الواجبات البيتية، من كنس الغرفة والشطف والغسيل اليدوي. تغيرت حياتي الى أسوأ. كل شيء صار في دنياي عبارة عن سواد مقيم في نفسي وعقلي و بشرتي التي مالت الى السواد من كثرة الشكوى والخوف في الليالي من زواج لم يكن خياري".
"هم غرباء"
بحّة صوت أم توفيق ممزوج بحرقة وجرح دفينين. لا شيء سوى فنجان القهوة يخرجها من ارتباكها. وكأنها فضحت سرًا عظيمًا لم يكن بوارد ذكره في هذه الجلسة. تبتسم أم علي التي كانت مشغولة بفستانها الاحمر، وتحاول من لحظة الى أخرى "تقطيب" فتقه، بطريقة "فنية" اعتادت أن تقوم بها في عملها الدؤوب وراء "ماكينة" الخياطة. ابتسامتها الجارحة فيها ملامة على جارتها التي "قالت ما لا يجب ان يقال" كما استنتجنا لاحقًا، فالبيوت لها أسرارها و"هم غرباء" وهنا توقف الكلام. حين قالتها أم علي نظرت ام توفيق الّي بغرابة، وصار الشك يساورها من وجودي أمامها، رغم انني وعدتها الا أذكر تفاصيل عنها ولا عن اسمها الحقيقي. لكنها قررت العمل بما حكته لها نظرات جارتها "العزيزة" ام علي.
مواطنون من المريخ
وهنا تحوّل الكلام للتحدث عن معاناة الحيّ ليتوقف السرد "الفضفاض" عن حياتها الخاصة. تبدل نظراتها وتقول:" نحن فقراء. لا احد يزورنا ولا احد يقوم بأي خطوة نحو تغيير واقعنا المرّ". وتصمت لتبلع ريقها، كأنها تحاول قول ما حفظته دومًا ورددته في داخلها آلاف المرّات وتعود متحدثة عن آلام العيش في بيئة محتاجة وفقيرة وكيف ان "الدولة تنسينا وكأننا اناس لا ننتمي الى هذه الدولة. بل الى مكان آخر. المريخ ربما". وهنا تضحك أم علي، من قلبها على ما اعتقدنا، اذ بقيت على الرغم من مسحة الحزن في ملامح وجهها وفي رنّة صوتها تضحك غير مبالية لحضورنا، وكأنها انتظرت مليًا منذ زمن طويل "نكتة" أو شيء يدعو للضحك، للتعبير عن ضحكتها المكبوتة، التي فجّرتها جارتها ببساطة المعنى الأقرب الى حقيقة تعيشها تلك العائلات في أحياء أشبه بالسجون.
الداية أم معروف و"قرف العيش"
هنا ينشغل كل واحد منّا برشف فنجان القهوة، نستأذن للخروج واكمال الجولة، فتودعنا أم توفيق الى جارتها سلوى. وقصة سلوى ابنة العشرين عامًا والمتزوجة في سن الرابعة عشرة ولديها 3 اطفال وتسكن في غرفتين صغيرتين، لا تختلف مأساتها عن باقي قصص الحي. اطفالها يعانون من امراض رئوية وكل واحد منهم يستخدم بخاخات للتنفس. تقول:" نصرف نصف أجر زوجي على الأدوية". تأخذنا سلوى التي سماها والديها تيمنًا بالمطربة والممثلة الراحلة الطرابلسية سلوى القطريب في جولة في الحي، حاملة على يدها رضيعها عبدالرحمن (6 أشهر)، تطرق باب احد البيوت فتطل احدى النساء بصوت عال قائلة "جاية جاية"(اي آتية). فتستقبل سلوى بقبلة طويلة قائلة لها "كيفك يا مامتي". وهنا ظننا انها والدتها لكننا اكتشفنا انها "الداية " التي ولدتها. وأم معروف "الداية"، قصص كثيرة في جعبتها لكن الأمر الوحيد الذي يجعلها "منركزة" على ما تصف هو "حالة القرف التي نعيشها في الحي".
رسوم على جدرايات مهملة
وثمة فتيات كن يرسمن على جدار احد البيوت، حيث اتخذ لرسم أحلام الصغار من ابناء الحي الذين يفقدون لمكان يلعبون فيه. فالمنحدر الترابي الموجود فوق الدرج الذي يوصلهم نزولاً الى مدارسهم في "باب الرمل"، مليء بالنفايات والأوساخ وفيه (للصدفة) هيكل لـ"مرجوحة" صدأة. في البيوت المتلاصقة في هذا الجانب من الحي، مأساة تعشش في نفوس الأهالي من جراء وجود القطط الدائم وعدم وجود "حاويات" للنفايات فتبقى "مشرشرة" على الأدراج نزولاً الى "باب الرمل" كما تقول ياسمين (23 سنة). ونزولاً الى "باب الرمل" وتحديدًا الى"قبر الزيني" الف حكاية مرسومة بأيدي الصغار والمراهقين على جدار الدرج الواسع والعريض والذي يربط العقبة وسكانها بباب الرمل. هذه الجدران التي تنفع كما شاهدنا لترسم عليها جداريات كالتي نظمتها "البلدية" في عدد من شوارع المدينة. جداريات لو رسمت لاضفت نوعًا من التغيير على السكان الذين يرسمون في الهواء احلامهم وآمالهم المخنوقة.
التعليقات
karameh
tarek -whers is Karameh family(abdulhamid,Racheed , Omar and the new one Faysal)we see them just during election period.
كفى تباكيا
يوسف يوسف -كانت طرابلس ابهى مدينة فى لبنان و هناك عوامل عدة ادت الى تدهورها من اهمها حاليا هجرة اهل الريف المجاور مع نمط عيشهم.المطلوب و قف الهجرة الريفية الها لانها مدمرة للنسق المدينى و هناك من يتاجر بقضية الفقر و من يستفيد منها ايضا.ارحلوا عن المدينة ايها الهامشيون...
nero
nero -فقيرة هذه ممكن تلغى بمعاش لكل من الزوجين و اقامه فى بيوت المسنين التى يجب ان تكون نظيفه مثل مبانى الانديه الرياضيه التى تستقبل المعسكرات و بها الخضره اما ومستورة فـ هذه من الله مبرمج العقول على عدم الانجاب فى الحياه التى غير مناسبه كلها على بعضها يقبلها انسان اما الله الذى خلق احدث حياه اجتماعيه و حياه مبانى و ارض فى العالم يرى ان هذه ليست من الله مثل المرض من الانسان المتخلف هذا الانجاب من هنا يجب الانسان لا ينجب فى الاسر او اسر حياه متخلفه و هو باقى و ان انجب فـ هو يحبس نفسه فى هذه الحياه حتى ليس يرضى عنه الله لان هذا ليس من الله لكن من نفسه حتى يرضى هو عن نفسه و يدرس حياه اجتماعيه و يقتنع بأسلوب حياه و يجد نفسه فيه
samana
!! -مخالف لشروط النشر
samana
!! -مخالف لشروط النشر
nero
nero -دين الاهل و الاجداد يعنى اسلوب حياتهم يدرسه المدرس ابن الحرام الذى تعطيه الدوله مرتب ويردد اشمعنى انا كنت بأنضرب للتلاميذ الذى يفهمون حقوقهم فى الابتدائيه و ايضا يحدث دين الاهل و الاجداد من الذى يفرض حياته مستواه الاجتماعى على نفسه فى الانجاب و هكذا يفرض دين الاهل و الاجداد و هذا فضيحه ان وجد نفسه فى حياه غلط ليست جنه من الله لا ينجب فيها و لا يقبلها و لا يقلد الفلاح الذى ينجب ليشغل اولاده عنده مثل الفلاح الذى ذهب لامريكا و جاء يردد عندما ننتهى من الاكل فى امريكا كل طفل ياخذ طبقه يغسله فكره الفلاح الجاهل الذى لا يفهم ان اى فتفوته اكل تبقى تعفن ثم يندلق عليها الساخن تجلب السرطان من هنا الكبير يعتمد على نفسه ان كان ام فى البيت و لا يشغل الابناء شغل صعب او خطر عليهم مثل حمل شنط و ان ظهرت له او ظهر فى ارض ليست على مزاجه الذى هو لو عرف نفسه و يوجدها سوف يفهم ان هذه الحياه فى الصوره ليست للانسان و غير آدميه و عليه يمتنع عن الانجاب حتى يرسله الله لارض راقيه و ليس لازم كل العالم يعيش فى العالم كله العالم متجمع فى امكان لاسباب مثل الخليج للعمل و اوربا للحياه و انجلترى للعمل و امريكا للعمل و روسيا للحياه بدون عمل اما مصر ممكن سكان على حجم العمل بها و مرتب طبعا موحد فى العالم مثل الجيش و الشرطه مرتب مقابل يبقى هناك لا يترك مصر و يمشى و هذا لان مصر تعتبر مثل الخليج فى البترول الوجود بها ضرورى و من هنا من بها لازم يكون مرتبه مثل من فى امريكا و الخليج اما الباقى عليه ان يجلس فى اى مكان بمعاش دائم مدى الحياه يغنيه عن الشغل او العمل و هذا و المتخلف فى حياه اجتماعيه هذا يجب ان لا يجلس بينهم و يجلس فى اى مكان يناسب اخلاقه مثل من ينجب فى فقر او يرتكب الجريمه و اماكن مثل مصر مثلا ايضا مناسبه و كان زمان استراليا
nero
nero -دين الاهل و الاجداد يعنى اسلوب حياتهم يدرسه المدرس ابن الحرام الذى تعطيه الدوله مرتب ويردد اشمعنى انا كنت بأنضرب للتلاميذ الذى يفهمون حقوقهم فى الابتدائيه و ايضا يحدث دين الاهل و الاجداد من الذى يفرض حياته مستواه الاجتماعى على نفسه فى الانجاب و هكذا يفرض دين الاهل و الاجداد و هذا فضيحه ان وجد نفسه فى حياه غلط ليست جنه من الله لا ينجب فيها و لا يقبلها و لا يقلد الفلاح الذى ينجب ليشغل اولاده عنده مثل الفلاح الذى ذهب لامريكا و جاء يردد عندما ننتهى من الاكل فى امريكا كل طفل ياخذ طبقه يغسله فكره الفلاح الجاهل الذى لا يفهم ان اى فتفوته اكل تبقى تعفن ثم يندلق عليها الساخن تجلب السرطان من هنا الكبير يعتمد على نفسه ان كان ام فى البيت و لا يشغل الابناء شغل صعب او خطر عليهم مثل حمل شنط و ان ظهرت له او ظهر فى ارض ليست على مزاجه الذى هو لو عرف نفسه و يوجدها سوف يفهم ان هذه الحياه فى الصوره ليست للانسان و غير آدميه و عليه يمتنع عن الانجاب حتى يرسله الله لارض راقيه و ليس لازم كل العالم يعيش فى العالم كله العالم متجمع فى امكان لاسباب مثل الخليج للعمل و اوربا للحياه و انجلترى للعمل و امريكا للعمل و روسيا للحياه بدون عمل اما مصر ممكن سكان على حجم العمل بها و مرتب طبعا موحد فى العالم مثل الجيش و الشرطه مرتب مقابل يبقى هناك لا يترك مصر و يمشى و هذا لان مصر تعتبر مثل الخليج فى البترول الوجود بها ضرورى و من هنا من بها لازم يكون مرتبه مثل من فى امريكا و الخليج اما الباقى عليه ان يجلس فى اى مكان بمعاش دائم مدى الحياه يغنيه عن الشغل او العمل و هذا و المتخلف فى حياه اجتماعيه هذا يجب ان لا يجلس بينهم و يجلس فى اى مكان يناسب اخلاقه مثل من ينجب فى فقر او يرتكب الجريمه و اماكن مثل مصر مثلا ايضا مناسبه و كان زمان استراليا