بولندا تشيّع رئيسها في غياب العديد من الضيوف الأجانب

إستعدت بولندا يوم الأحد لدفن رئيسها الراحل ليخ كاتشينسكي وزوجته ماريا اللذين قتلا في حادث تحطم طائرة الأسبوع الماضي، لكن سحابة من الغبار البركاني فوق أوروبا منعت الكثير من زعماء العالم من الحضور.

كراكوفا: دفن الاحد الرئيس البولندي ليخ كاتشينسكي وزوجته ماريا كاتشينسكا، اللذان قتلا في تحطم طائرة في روسيا، في مدافن كاتدرائية فافل في كراكوف حيث يدفن عظماء البلاد، بحسب صور بثها التلفزيون.

وتم اطلاق 21 طلقة مدفع تحية للزوجين بعد بعد نقل رفاتهما الى ناووس وضع في احد المدافن الى جانب قبر يوزف بيلسودسكي، اب استقلال بولندا العام 1918.

وكان تجمع مئات الاف الاشخاص في كراكوفا الاحد لتشييع جثمان الرئيس ليخ كاتشينسكي في غياب عدد من القادة الاجانب الذين تأخّروا بسبب غمامة الرماد البركاني التي تشل حركة النقل الجوي في اوروبا.

وقاد ياروسلاف كاتشينسكي، الشقيق التوأم للرئيس الراحل، مراسم الجنازة التي أُقيمت في كاتدرائية "سانت ماريا باسيليكا" بمدينة كراكوف، يرافقه رئيس الوزراء دونالد توسك، والرئيس السابق ألكسندر كواسنيوسكي، وعدد من الضيوف الأجانب، الذين تمكنوا من الوصول إلى بولندا على الرغم من السحابة الناجمة عن بركان أيسلندا، في مقدمتهم الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف.

والتقى ديمتري مدفيديف لدى وصوله رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك والرئيس بالوكالة برونيسلاف كوموروفسكي.

واعلن الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف الاحد في كراكوف في بولندا حيث شارك في جنازة نظيره البولندي ليخ كاتشينسكي، ان التقارب بين الروس والبولنديين "ضروري"، حسب ما نقل عنه التلفزيون البولندي "تي في بي انفو".

وقال في تصريح نقله التلفزيون "المآسي قد تثير مشاعر قاسية، لكنها غالبًا ما تقرب، واعتقد ان الامر ضروري من اجل سكان بلادنا والبولنديين".

وعدل الرئيس الاميركي باراك اوباما عن السفر بسبب اغلاق المجال الجوي في بلدان اوروبية متعدّدة، بينما تمكّن الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف من الهبوط في بولندا للمشاركة في مراسم تشييع نظيره البولندي الذي قضى في روسيا في العاشر من نيسان/ابريل في تحطم طائرته.

كذلك، عدلت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وعدد من القادة والملوك عن القدوم.

كاتدرائية كراكوفا احد اكثر الاماكن قدسية

تشكل كاتدرائية ملوك بولندا الواقعة على تلة فافل في كراكوفا (جنوب)، مدفن كبار الشخصيات التي مثّلت دورًا محوريًّا من اجل سيادة البلاد وتبقى ذكراهم في اذهان البولنديين.

وتشكل كاتدرائية القديسين ستانيسلاس وفاكلاف الكنيسة الاساسية في الاسقفية العليا في كراكوفا، وبنيت على الطراز القوطي اعتبارًا من القرن الرابع عشر مكان كاتدرائية اكثر قدما بنيت في القرن التاسع ودمرها حريق العام 1305.

وتطور بناء الكاتدرائية وتزيينها في القرنين السادس عشر والسابع عشر، وهي تحاذي القصر الملكي في فافل. وتضم في اقبيتها اضرحة اخر ملوك اسرة بياست، وملوك اسرتي جاغلون النافذة وفاسا.

كما تحوي قبر الملك يان سوبييسكي الثالث قاهر الاتراك في معركة فيينا الكبرى العام 1683 وزوجته الفرنسية ماري داركيان.

وبدأت الكاتدرائية تلعب دور مدفن عظماء البلاد بعد دفن يوزف بونياتوفسكي في اقبيتها العام 1817 وهو بطل جيش نابوليون العظيم الذي دافع عن الحدود البولندية امام النمساويين.

وبعد عام دفن فيها الجنرال تادوتش كوتشيوسكو الذي قاتل من اجل استقلال الولايات المتحدة وقاد تمردا بولنديا ادى فشله العام 1795 الى تقاسم روسيا والنمسا وبروسيا اراضي بولندا للمرة الثالثة.

وفي القرن التاسع عشر، ووري شاعران رومنطيقيان كبيران هما ادم ميكييفيتش ويوليوس سلوفاكي ثرى كاتدرائية فافل.

كما يرقد في اقبيتها بطل وطني آخر منذ 1935، هو الماريشال يوزف بيلسودسكي، ابو الاستقلال البولندي العام 1918.

والى جانب ناووس الماريشال بيلسودسكي، سيرقد جثمانا الرئيس البولندي ليخ كاتشينسكي وزوجته ماريا اعتبارا من الاحد، بعد مقتلهما في 10 نيسان/ابريل الى جانب 94 شخصا اخر في حادث تحطم طائرتهما قرب غابة كاتين في روسيا حيث كان الوفد البولندي ينوي احياء الذكرى السبعين لمجزرة راح ضحيتها 22 الف ضابط بولندي بيد شرطة ستالين.

وقدم العديد من قادة وسط اوروبا برا او بالقطار هربًا من سحابة الرماد البركاني المنبعثة من ايسلندا والتي تخيم على اجواء اوروبا.

وبدا القداس الجنائزي قبيل الساعة 14,00 (12,00 ت غ) في كنيسة السيدة العذراء التي جرى تزيينها للمناسبة والتي تقع في قلب عاصمة بولندا العتيقة جنوب البلاد.

وقال رئيس اساقفة كراكوفا المونسنيور ستانيسلاس دزيويس السكرتير الشخصي السابق للبابا يوحنا بولس الثاني، ان "هذه الكارثة التي وقعت قبل ثمانية ايام اثارت شهادات خير واعمال رحمة ومساعدة متعددةمن اشقائنا الروس الذين يحيون الامل في تقارب ومصالحة بين امتينا السلافيتين".

واكد في بداية القداس "هذا هدف جيلنا، يجب علينا المضي قدما على هذا الطريق".

وتجمع نحو مئة الف شخص قبل ربع ساعة من بداية المراسم الجنائزية في مختلف انحاء كراكوفا، حسب الشرطة. وتوقع المنظمون ان يصل عدد الوافدين الى المليون.

وسيدفن كاتشينسكي وزوجته في مقبرة كاتدرائية فافل حيث يرقد ملوك وعظماء بولندا.

واحتشد الناس في المدينة التاريخية تحت اشعة الشمس منذ الصباح في ساحة السوق حيث توجد الكنيسة وعلى طول مسيرة الموكب نحو تلة فافل، ورفعت مجموعات عديدة لافتات كتبت عليها اسماء المدن التي ينتمون اليها، وشارك عدد كبير من عناصر الكشافة ورجال الانقاذ وبائعي الاعلام.

وروج باعة الزهور لما تبقى لديهم من الورود والقرنفل ووزعت الصحف نشراتها الخاصة مجانا في الشوارع.

وقد وصل جثمانا الرئيس وزوجته بعد نقلهما من وارسو على متن طائرة عسكرية صباح الاحد الى الكنيسة.

وقال الشرطي يرزي المتقاعد "لا يهم ان عدلت الوفود الاجنبية عن القدوم. انها ظروف قاهرة. لقد برهنوا عن حسن نية والمهم ان يأتي البولنديون باعداد كبيرة".

واعلن آدم الذي جاء منذ الصباح الباكر مع زوجته وابنائه الثلاثة "نحن مسرورون لان مدفيديف قرر المجيء. ان الروس يتصرفون بشكل جيد جدا".

وبولندا التي كانت جزءًا من الكتلة السوفياتية خلال الحرب الباردة هي الان عضو بحلف شمال الاطلسي وحليف مقرب للولايات المتحدة.

وكان الركاب ال96 في طائرة الرئيس البولندي من طراز توبوليف 154، متوجهين الى مراسم احياء الذكرى السبعين لمجزرة راح ضحيتها 22 الف ضابط بامر من شرطة ستالين، والتي تمثل رمز العلاقات الروسية - البولندية المتوترة والكذبة التي استمرت خمسين عاما بسبب نفي الاتحاد السوفياتي ارتكابها، متهما النظام النازي.

وكشف التسجيل الصوتي للصندوق الاسود للطائرة التي كان يستقلها الرئيس البولندي ليخ كاتشينسكي والتي تحطمت يوم السبت في سمولنسك غربي روسيا إن قائد الطائرة كان على علم بأن الطائرة على وشك أن تتحطم، وقال رئيس المحققين البولنديين أندريتش سيرمت إنه من الواضح أن طاقم الطائرة كان يعلم بأنه "لا محالة من وقوع كارثة" بعدما اصطدمت الطائرة بقمم الاشجار.

وقال مصدر روسي إن شريط التسجيل يظهر أن طاقم الطائرة لم يجبر من جانب الركاب رفيعي المستوى على متن الطائرة على اتخاذ مخاطر.

ويرى مراقبون أن حادث تحطم طائرة الرئيس البولندي في روسيا سيكون له تأثير جانبي آخر مهم على صعيد العلاقات المتوترة بين البلدين، حيث قال جيمس شير، من "شاتام هاوس" البريطاني، إن العلاقات بين البلدين سادها التوتر المتواصل على خلفية مجزرة "كاتين"، التي قتل فيها عشرات الآلاف البولنديين العام 1940، جراء العلاقة الوثيقة التي تربط بولندا بالولايات المتحدة.

وأوضح: "كاتين كانت القضية الأكثر صعوبة حتى اللحظة الراهنة.. والجميع يعرف في بولندا أن مذبحة كاتين هي جزء ضئيل للغاية من جهد منظم من قبل الروس، للتخلص من كامل الشعب البولندي"، وأضاف أنه سيكون من الجيد للعلاقات بين البلدين، إجراء تحقيق مفتوح وسريع في حادث تحطم الطائرة.

وبعد القداس، ينقل النعشان على متن عربتي مدفع الى كاتدرائية فافل.

وبعد حضور الحفل الموسيقي داخل الكاتدرائية، سينتقل اعضاء الوفود الاجنبية الى فافل حيث سيشاركون عند الساعة 14,30 ت غ في صلاة جنائزية.

وعند انتهاء الصلاة يوارى النعشان الثرى على وقع 21 طلقة مدفعية تكريمًا للرئيس الراحل.