الليبراليون يلقون بالمفاجأة تلو الأخرى في حملة الانتخابات البريطانية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لا تزال الحملة الانتخابية البريطانية تحمل في طياتها سلسلة من المفاجآت التي تظلل مستقبل البلاد السياسي بغيمة من عدم اليقين.
لندن: بدأت سلسلة المفاجآت في حملة الانتخابات البريطانية بالصعود المدهش في سرعته لليبراليين الديمقراطيين ليقفوا على قدم المساواة مع الحزبين التقليديين للمرة الأولى منذ تأسيس حزبهم في العام 1988. وليس ذلك فقط، بل انهم أخرجوا حزب العمال الحاكم من المرتبة الثانية الى الثالثة البعيدة. وإذا كان كل هذا غير كاف، فقد تقدموا في بعض استطلاعات الرأي حتى على المحافظين أنفسهم.
وقد جاء هذا التطور ناتجا لعاملين أساسيين ومشتابكين، أولهما أن رجل الشارع ضاق ذرعا بخياريه التقليديين خاصة بعدما فجرت صحيفة "ديلي تلغراف" فضيحة النفقات البرلمانية في سبتمبر (ايلول) الماضي.
فاتضح أن الأعضاء، سواء من العمال أو المحافظين بشكل أساسي، استغلوا ثغرات في اللوائح البرلمانية للإثراء الحرام على حساب دافع الضرائب، وعلى مستوى لم تشهد الساحة السياسية مثيلا له في تاريخها الحديث.
وكان العامل الثاني هو بزوغ نجم زعيم الليبراليين الديمقراطيين، نِك كليغ، في الأولى (والثانية) من ثلاث مناظرات تلفزيونية بين زعماء الأحزاب الرئيسية، هي نفسها سابقة في تاريخ البلاد ومستقاة من تقليد المناظرات الرئاسية السائد في الولايات المتحدة منذ أكثر من 50 عاما.
وتنبه البريطانيون الى أن ذلك السياسي الشاب يملك، على الأقل، القدرة على كسر هيمنة الحزبين التقليديين، فوقف وراءه بقوة. وهذا شيء عكسته استطلاعات الرأي التي يضع متوسطها المحافظين والليبراليين كتفا لكتف بواقع 33 و32 في المائة على التوالي، والعمال في المرتبة الثالثة برصيد 26 نقطة مئوية.
والنتيجة الحتمية لهذا الوضع في حال استمراره كما هو حتى يوم الانتخابات (السادس من مايو / آيار) هي حصول بريطانيا على برلمان معلق للمرة الثالثة في تاريخها الحديث (بعد انتخابات العامين 1929 و1974)، لا يملك فيه أي حزب الأغلبية البرلمانية التي تتيح له الحكم منفردا. ولذا صارت خيوط اللعبة كلها في يد الليبراليين الذي أصبح بوسعهم المشاركة في الحكم مع من يختارونه من محافظين أو عمال. وإذا كان هذا هو قرار الشعب الديمقراطي، فهو يضيف الى المعضلة السياسية البريطانية بدلا من حلّها.
المحافظون، الذين كانوا قاب قوسين أو أدنى من الفوز بالعدد الأكبر من الأصوات حتى يوم المناظرة التلفزيونية الأولى، فاجأهم هذا التطور الجديد الآتي من قبل لاعب جديد لم يعره أحد اهتماما حتى ذلك اليوم. ورغم أن العمال فوجئوا أيضا بتراجعهم الى المركز الثالث، فقد تنبهوا الى أن المصيبة ليست بكل تلك الفداحة وربما كانت تصب لصالحهم من باب "عسى أن تكرهوا شيئا..".
ذلك أن "الليبرالي الديمقراطي" أقرب الى "العمال" من المنطلقين التاريخي والآيدلوجي. وبالتالي فقد كان المتوقع أن تشهد بريطانيا حكومة يختار فيها الليبراليون منطقيا وطبيعيا التآلف مع العمال. والواقع أن قطاعا كبيرا من الناخبين يرحب بهذا الترتيب لأنه يتخلص من المحافظين ويكبح في الوقت نفسه جماح العمّال بحيث يعتدلون في "يساريّتهم".
وجاء هذا التوقع بمثابة أنباء سارة بالنسبة لغوردون براون بشكل خاص وشخصي. فهو يجعله رئيس الوزراء البريطاني خلال ولايتين رغم أنه لا يتمتع بالتفويض الشعبي في أي منهما. وهو رئيس الوزراء حاليا فقط لأن توني بلير تنحى في 2007 لأجله.
ولنذكر هنا أن اثنين فقط من رؤساء الوزراء تولوا الحكم في فترة ما بدون ذلك التفويض. الأول هو العمالي جيمي كالاهان الذي ورث المقعد بعد استقالة هارولد ويلسون الفجائية في 1976، والثاني هو المحافظ جون ميجر بعد إطاحة مارغريت ثاتشر في 1990.
واليوم (الاثنين) أدار زعيم المحافظين، ديفيد كاميرون، السكين في جسد براون عندما أعلن أنه، إذا آل به المقام الى 10 داونينغ ستريت، فسيسعى لتعديل الدستور بحيث يُجبر أي رئيس وزراء يرث الحكم بدون تفويض شعبي في وقت ما خلال أي ولاية برلمانية على إجراء انتخابات عامة في غضون ستة أشهر.
ويذكر أنه في حال تشكيل حكومة ائتلافية بين الليبراليين والعمال، فسيكون براون هو رئيس الوزراء حتي في حال احتل حزبه المرتبة الثالثة. فبموجب الدستور، يمنح رئيس الوزراء في وقت الانتخابات الفرصة الأولى لتشكيل الحكومة الائتلافية. وعلى هذا الأساس راح براون يغازل كليغ قائلا إن "ثمة أرضية مشتركة تجمع الحزبين خاصة في ما يتعلق بالمسائل الدستورية".
لكن زعيم اليبراليين نسف هذا الفرح العمّالي بمفاجأة أخرى أعلن فيها أنه لن يوافق على تحالف مع براون بأي حال من الأحوال إذا أتى العمال في المركز الثالث. وقال الزعيم الليبرالي: "ألا يتوارى براون خجلا من احتمال أن يقيم كالطفيلي في 10 داونينغ ستريت فقط بسبب شكلية دستورية عتيقة"؟
ويضيف هذا الموقف تعقيدا جديدا الى الساحة السياسية البريطانية اليوم. فالمحافظون يحذرون من أن البرلمان المعلق سيعني إلقاء المانيفستوهات الحزبية في سلة المهملات وعجز الحكومة الائتلافية عن العمل لصالح البلاد بسبب تضارب برامج طرفيها.
والليبراليون لا يحبون المحافظين ولا يريدون في الوقت نفسه حكومة مع حزب عمالي يتمتع بأقلية الأصوات. وهؤلاء الأخيرون يحذرون من أن البرلمان المعلق سيأتي بائتلاف ليبرالي - محافظ سينصرف بالكامل عن إدارة شؤون البلاد إلى محاولة خلط الزيت بالماء.
أين المخرج إذن؟