الكتابات الحائطية في الجزائر .. لغة من لا صوت له
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
وجد الشباب الجزائري في الكتابات الحائطية وسيلة للهروب من واقعهم وللتعبير عن مشاكلهم وتطلعاتهم لحياتهم ومستقبلهم.
الجزائر: أصبحت الكتابات الحائطية في الجزائر وسيلة لتعبير الشباب عن المشكلات التي تواجههم بعبارات مقتضبة يكتبونها على الجدران في مواقع مختلفة.
وقال عدد من الشباب إن الكتابات الحائطية تمثل وسيلة بالنسبة اليهم للتعبير عن انشغالاتهم اليومية وذلك من خلال عبارات مقتضبة قصيرة الكلمات تكتب بلغة بسيطة غالبا ما تكون باللهجة المحلية أو باحدى اللغتين الفرنسية او الانكليزية.
واكد الشباب ان مثل تلك الكتابات "تعبر عن حزن دفين أو حلم لم يتحقق بعد أو شعور منتفض من أساليب البيروقراطية والظلم أو انشغالات يهتم بها المواطنون وخاصة الشباب" كما انها قد تكون ايضا "وسيلة لتشجيع احدى فرق كرة قدم في الجزائر أو المنتخب الجزائري".
وقال اخصائي علم الاجتماع عبدي محمد الأمين ان "الممنوع تفضحه الجدران " موضحا انه "عندما تسكت الأفواه عن الكلام تنطق الكتابات على الجدران وهي عبارات مقتضبة معبرة عن معنى معين لا يفهمه سوى الشباب".
وشدد الأمين على أن تلك الكتابات هي عبارة عن "هروب من واقع معاش" مضيفا ان الكتابات الحائطية ارتبطت خلال الاعوام الأخيرة بمشكلات ويوميات الشباب على وجه الخصوص.
وحول يوميات الشاب الجزائري يقول الامين ان ظاهرة "الهجرة السرية" كثيرا ما يعبر عنها الشباب بكلمات على الجدران مثل "الهربة" أو المصطلح الجزائري الشعبي "لحراقة".
وأشار الى أن الكتابات الحائطية تمثل هدفا للشباب الذين يريدون أن يصنعوا لأنفسهم عالما يبيح فيها ذلك الممنوع مثل الحب ومناصرته لفريق دون آخر أو للتعبير عن انشغالاته اليومية كالسكن والعمل والهجرة أيضا.
واضاف ان ما يثير الانتباه هو أنه كثيرا ما تتحول الكتابة الى رسومات ولكن الرسم أحيانا ما يكون أصدق تعبيرا عن مئات الكلمات مشيرا الى أن هذه الرسومات أو الكتابات انتشرت في جدران الشوارع وجدران أقسام المدارس والجامعات وفي كراسي القطارات والحافلات.
وغالبا ما تواكب تلك الكتابات الأحداث التي يشهدها الشارع الجزائري مثل حمى كرة القدم وتأهل المنتخب الجزائري لكرة القدم الى نهائيات كأس العالم لكرة القدم التي تستضيفها جنوب افريقيا العام الجاري ما دفع الى انتشار كتابات مثل "وان تو ثري فيفا لالجيري" والتي تعني باللغة العربية (واحد .. اثنان .. ثلاثة .. تحيا الجزائر) وهي تواكب حدثا يهتم له الآلاف بل الملايين من الشباب الجزائري كما انتشرت بالضرورة عبارة "معاك يالخضرا" أي "معك يا منتخب الجزائر" الذي يرتدي الزي الاخضر في منافسات كرة القدم.
وحول هذا الموضوع قال الشاب حسين البالغ من العمر 27 عاما ان الكتابة الحائطية ما هي الا وسيلة للتعبير ونقل الأفكار بأقصر الطرق وبعبارات بسيطة للسلطات المعنية عن كثير من الموضوعات.
بدوره، قال اخصائي علم الاجتماع عبدي محمد الأمين إن ظاهرة الكتابات الحائطية انتشرت منذ سنوات بل هي موجودة منذ الثورة الجزائرية التحريرية التي شهدت فتراتها كتابات كثيرة للمواطنين الجزائريين المتطلعين لاستقلال بلادهم وتضمنت عبارة "تحيا الأفلان" أو "تحيا جبهة التحرير الوطني" و "تسقط فرنسا" وهي عبارات واضحة وسهلة تعبر عن انتفاضة حقيقية للشعب الجزائري ابان الثورة التحريرية وتؤكد نبذه للعنف ورفضه للاستعمار الفرنسي.
واضاف انه برغم أن الكثيرين ممن عاشوا الثورة التحريرية وكتبوا "لتحيا الجبهة" كانوا يعاقبون بالسجن والضرب المبرح الا انه كانت هناك شجاعة كبرى في قلوب الشباب الجزائري الذين كانوا يؤازرون الثورة التحريرية ولو بجرة خطوط تكتب فيها "تحيا الجبهة والثورة".
وأشار الأمين الى انه بعد استقلال الجزائر لم تخل جدران مختلف المدن من عبارات مثل "تحيا الجزائر" و "جزائر مستقلة" و "تسقط فرنسا" و "الشعب الجزائري حر" وهي نفس الشعارات التي حملها الآلاف الذي خرجوا من مساكنهم وخرجوا للشوارع مرددين تحيا الجزائر ورافعين الأعلام الوطنية.
ومرت سنوات الستينات والسبعينات لتظهر بعض الكتابات الحائطية التي تعبر عن وضع ما في المجتمع و من بينها عبارة "بابور لوسترالي" في اشارة الى سفينة كانت تنقل البضائع الى أستراليا في وقت كان يحلم فيه مختلف شباب السبعينات بالهجرة الى أستراليا التي كانوا يرونها بمثابة الجنة.
وقال انه منذ نهاية السبعينيات الى بداية الثمانينيات تغيرت الأوضاع لتتغير وجهات نظر الشباب ويصبح الحائط أو الجدار عبارة عن وسيلة تحمل خطابا اجتماعيا وثقافيا وسياسيا مشيرا الى أن الكتابة الحائطية أو "غرافيتي" هي مشتقة من الكلمة اليونانية القديمة "غرافين" أي "يكتب".