المستوطنات والشرعيّة الدولية.. جدل مستمر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
واشنطن: فرضت إسرائيل على مدار عقود سياسة الأمر الواقع في صراعها مع الجانب الفلسطيني، وكان من أبرز سمات هذه السياسة التوسع الاستيطاني بحيث تزايدت المستوطنات بصورة جعلت من المحال التوصل إلى الدولة الفلسطينية المنشودة. فضلاً عما أوجدته من حالة من الجفاء في العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية بدت بصورة واضحة في الآونة الأخيرة مع الإعلان الإسرائيلي عن بناء مزيدٍ من المستوطنات في القدس الشرقية أثناء زيارة نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن لإسرائيل الأمر الذي اعتبرته الولايات المتحدة إحراجًا لها وطالبت بضرورة التوقف عن بناء مزيدٍ من المستوطنات لاسيما أنها تعوق العملية السلمية.
وبالتزامن مع هذه التطورات تجددت إشكالية شرعية المستوطنات الإسرائيلية، وما موقع هذه المستوطنات من الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي؟ في ضوء الاتفاقيات والمعاهدات ذات الصلة، وهو ما حاول نيكولاس روستو تناوله من خلال دراسته التي نُشرت على الموقع الإلكتروني لدورية المصلحة الأميركية في عددها (مارس ـ إبريل 2010) وجاءت تحت عنوان: هل المستوطنات غير شرعية؟.
اتفاقية جنيف وقرارات مجلس الأمن
تحتل اتفاقية جنيف الرابعة عام 1949 والخاصة بحماية المدنيين في أوقات الحروب أهمية بارزة، فهي محور اهتمام التحليلات التي تستهدف تناول قضية شرعية المستوطنات الإسرائيلية نظرًا لما تضمنته من مواد أهمها المادة الثانية التي تنص على :"أن الاتفاقية تطبق في جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلى لإقليم أحد الأطراف المشاركة في الاتفاقية " .
وتشير المادة الرابعة من الاتفاقية ذاتها إلى أن "الأشخاص الذين تحميهم الاتفاقية هم أولئك الذين يجدون أنفسهم في لحظة ما وبأي شكل كان، في حالة قيام نزاع أو احتلال، تحت سلطة طرف في النزاع من رعاياه أو دولة احتلال ليسوا من رعاياها "، فيما تنص الفقرة السادسة من المادة (49) على "أن سلطة الاحتلال لا يمكن لها أن تقوم بنقل أو ترحيل جزء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي قامت باحتلالها".
وفي سياق متصل تمثل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أحد الأطر الهامة التي يتم الاستناد إليها في تناول قضية المستوطنات الإسرائيلية وتأتي في مقدمة هذه القرارات القرار 242 لعام 1967 والقرار 338 لعام 1973، إذ يؤكد القرار 242 على ضرورة تأسيس سلام عادل في الشرق الأوسط وما يتطلبه ذلك من انسحاب إسرائيلي من أراضى احتلتها في الصراع الدائر(وهو الأمر الذي أثار جدلاً واسعًا حول كلمة أراضى، هل هي جزء من الأراضي أم المقصود بها جميع الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967؟ بالإضافة إلى إنهاء جميع حالات الحرب والاعتراف بسيادة واستقلال ووحدة أراضى كل دول المنطقة وحقها في العيش بسلام داخل حدود آمنة ومعترف بها.
فيما يتضمن القرار 338 التأكيد على عدد من المبادئ في مقدمتها دعوة جميع الأطراف المشاركة في القتال الدائر إلى وقف إطلاق النار والشروع في تطبيق قرار مجلس الأمن 242 بعد وقف إطلاق النار والشروع في مفاوضات جادة لعملية السلام بالشرق الأوسط.
جدال حول شرعية المستوطنات الإسرائيلية
أضفت حرب يونيو 1967 مزيدًا من التعقيد على قضية المستوطنات فقد خرجت إسرائيل من الحرب منتصرة وسيطرت على عديد من الأراضي العربية بما في ذلك الأراضي التي كانت من المفترض أن تكون جزءًا من أراضى الدولة الفلسطينية وفقًا لما جاء به قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947، ومنذ ذلك الحين توسع النشاط الاستيطاني الإسرائيلي بصورة جعلت تلك القضية تحتل أولوية بارزة وموضع لعديدٍ من التحليلات التي تتناول القضية بصورة رئيسة من منظور الشرعية الدولية ومدى تطابق الإجراءات الإسرائيلية مع القانون الدولي والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
وفي هذا الصدد يشير روستو إلى أن الآراء قد انقسمت تجاه تلك القضية إلى اتجاهين رئيسين، الاتجاه الأول يؤيد شرعية المستوطنات الإسرائيلية ويدعم ذلك الموقف بعدد من الحجج يأتي في مقدمتها:
أولاً: إن اتفاقية جنيف لا تنطبق على حالة المستوطنات الإسرائيلية إذ إن المادة الثانية من الاتفاقية تنص على "أن الاتفاقية تنطبق في جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلى لإقليم أحد الأطراف المتعاقدة "، ومن هذا المنطلق يستنتج أنصار ذلك الاتجاه عدم وجود أية مطالبات من جانب الأطراف في الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل الأمر الذي يعنى أن تلك الأقاليم ليست تابعة لأي من الأطراف المتعاقدة، ومن ثم فإن الاتفاقية لا تنطبق على حالة المستوطنات اليهودية.
فنصوص اتفاقية جنيف ليست موجهة لهذه النوع من النشاط الذي تقوم به إسرائيل حيث إن طبيعة وحجم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لا تشكل تهديدًا للسكان المحليين ومن ثم فهي لا تمثل خروجًا أو انتهاكًا لنصوص وروح اتفاقية جنيف.
ثانيًا: اتفاقية جنيف لا تحظر(تجرم) المستوطنات التي تقام بواسطة المستوطنين اليهود (حتى ولو تم التسليم بأنها تحظر المستوطنات التي تقام بواسطة الحكومة الإسرائيلية) لاسيما أن الانتداب البريطاني على الأراضي الفلسطينية منح حقوقًا واسعة النطاق لليهود في فلسطين، كما أنه ليس هناك أساس قانوني لمنع اليهود من إقامة مستوطنات في فلسطين.
في هذا السياق يتم الاستدلال بالمادة السابعة من نظام الانتداب التي تنص "على إدارة فلسطين، مع ضمان عدم إلحاق الضرر بحقوق ووضع فئات الأهالي الأخرى، أن تسهل هجرة اليهود في ظل أحوال ملائمة وأن تشجع بالتعاون مع الوكالة اليهودية حشد اليهود في الأراضي الأميرية والأراضي الموات غير المطلوبة للمقاصد العمومية ".
ثالثًا:لا يمكن إغفال أن قضية المستوطنات ترتبط بحرب 1967، ووفقًا لأنصار هذا الاتجاه، فإن إسرائيل مارست خلال هذه الحرب حق الدفاع الشرعي عن النفس ضد الحصار المفروض عليها من جانب مصر والإجراءات المصرية التي تعد عملاً عدائيًّا ضدها الأمر الذي يعطي لإسرائيل الذريعة للسيطرة على تلك الأراضي.
رابعًا: تعد المزاعم التاريخية لليهود في المنطقة أحد الركائز التي يتم الاستناد إليها في هذا الصدد حيث إن اليهود لهم تواجد وتاريخ في المنطقة، ومن ثم فإن إنشاء إسرائيل يعد حقًّا تاريخيًّا لهم ولا يمكن أن ينازعوا عليه.
فيما يعتبر الاتجاه الثاني المستوطنات في الأراضي التي احتلتها إسرائيل خلال حرب يونيو 1967 غير شرعية، وهو الأمر الذي يرجعه إلى عدد من العوامل، أهمها:
أولاً: تعد اتفاقية جنيف وثيقة الصلة بقضية المستوطنات الإسرائيلية حيث إنها تستهدف بصورة رئيسة حماية الشعوب، وليس الأراضي ومن ثم فإن رفض تطبيقها على الضفة الغربية وقطاع غزة يتنافى مع الغرض من الاتفاقية وخاصة مع ما تشير إليه نصوصها من مبادئ تأتي في مقدمتها المادة الرابعة التي تؤكد على ضرورة توفير الحماية للأشخاص الذين يجدون أنفسهم، تحت أي شكل أو ظرف من الظروف، في أيدي دولة ليسوا من مواطنيها.
ثانيًا: يمكن القول إن اتفاقية جنيف تمثل انعكاسًا للقانون الدولي العرفي الذي يعد بمثابة مرجع رئيسٍ لكافة أطراف المجتمع الدولي وكما هو متعارف عليه فإن أحد المبادئ الرئيسة للقانون الدولي العرفي عدم اللجوء إلى القوة العسكرية لتسوية النزاعات والصراعات الإقليمية وهو الأمر الذي لم تحترمه إسرائيل حيث احتلت الضفة الغربية وقطاع غزة بالقوة العسكرية مما يترتب عليه القول بأن المستوطنات الإسرائيلية في تلك الأراضي غير شرعية.
ثالثًا: تسعى إسرائيل من خلال التوسع الاستيطاني إلى تغيير طابع وشكل الأراضي المتنازع عليها لمصلحتها الأمر الذي يعوق في نهاية المطاف عملية السلام وتطبيق النصوص الواردة في قرارات مجلس الأمن 242 و383.
رابعًا: يمثل الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية عام 2004 بشأن الآثار القانونية لإنشاء الجدار العازل في الأراضي الفلسطينية المحتلة مرجعية قانونية هامة في التأكيد على عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية إذ إن الرأي الاستشاري يبدأ من افتراض مفاده أن الهدف من الانتداب البريطاني على فلسطين هو تحقيق تقرير المصير للفلسطينيين ومن ثم فإن الأراضي المحتلة تعد أراضى فلسطينية وهو بدوره ما يجعل المستوطنات الإسرائيلية هناك غير شرعية.
الإدارات الأميركية وقضية الاستيطان
تتناول الدراسة موقف الإدارات الأميركية المختلفة من قضية الاستيطان منذ فترة الرئيس ليندون جونسون وهو الموقف الذي يرى روستو أنه يعكس عددًا من الحقائق إذ إن الإدارات الأميركية أولت اهتمامًا واضحًا بوضع القدس والإجراءات الإدارية التي تتبناها إسرائيل في المدينة المقدسة وكانت تؤكد تلك الإدارات على ضرورة الأخذ في الاعتبار مصالح كافة سكان المدينة (سواء أكانوا يهودًا أم مسلمين أم مسيحيين) عند تبنى السلطات الإسرائيلية أية إجراءات في القدس .
ويشير روستو إلى أن ذلك الاهتمام بالوضع في القدس طغى في كثيرٍ من الأحيان على الاهتمام بالمستوطنات الإسرائيلية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وحتى مع تناول الإدارات الأميركية المتعاقبة لقضية المستوطنات وانتقادها للتوسع الاستيطاني الإسرائيلي فقد حاولت تجنب إقحام الجانب القانوني والشرعية الدولية عند الحديث عن المستوطنات حيث ارتكزت الانتقادات على أن تلك المستوطنات تمثل عائقًا فعليًّا أمام التقدم في عملية السلام وقد عبر الرئيس ريجان عن ذلك الموقف عندما اعتبر أن المستوطنات الإسرائيلية لا يمكن وصفها بغير شرعية ولكنها "غير حكيمة واستفزازية" وتعوق إنجاز العملية السلمية وهو الأمر الذي يفسر تصويت إدارة ريجان ضد قرارات الأمم المتحدة التي تصف المستوطنات بغير الشرعية.
في سياق متصل تعتبر الدراسة أن موقف الرئيس كارتر مثل تباينًا وخروجًا عن موقف الإدارات التي سبقته حيث تبنت إدارته للمرة الأولى موقفًا تجاه المستوطنات بشكل إجمالي يصفها بغير الشرعية بموجب القانون الدولي وصوتت الولايات المتحدة لصالح القرارات الصادرة عن الجمعية والتي تصف المستوطنات بغير الشرعية وعلى الرغم من هذا الموقف فقد رفضت الإدارة الأميركية التصويت لصالح قرار مجلس الأمن الداعي إلى تفكيك المستوطنات.
وتخلص الدارسة إلى أن الإدارات الأميركية السابقة لم تقدم سوابق جادة ومواقف متسقة يمكن أن تقيد من حركة الإدارات الأميركية في الحاضر أو المستقبل وهو الأمر الذي يعطي لهذه الإدارات الحرية في التعامل مع تلك القضية وفقًا لرؤيتها الخاصة.
وبعيدًا عن الجدل القانوني حول شرعية المستوطنات الإسرائيلية فعلى الولايات المتحدة أن تتعامل مع تلك القضية من منظور أوسع وهو السعي إلى دفع عملية السلام بين إسرائيل والدول العربية وذلك من خلال حل وتسوية عادلة ترضي كافة أطراف الصراع. فضلاً عن ذلك فعلى إدارة الرئيس أوباما ضرورة التعرف على تاريخ قضية المستوطنات ومواقف الإدارات الأميركية المتعاقبة تجاه شرعية التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي التي تم السيطرة عليها أثناء حرب 1967.