أخبار

مُحلّلون: الناخبون من أصول عربيّة ومسلمة شكّلوا "كتلة انتخابيّة"

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لا يترقب البريطانيون لوحدهم نتائج الانتخابات التشريعية الأكثر إثارة في بلدهم والتي ستعلن خلال الساعات القليلة المقبلة، إذ يبدو أنّ العالم بأسره يتابع الانتخابات في هذا البلد الأوروبيّ الذي له وزنه على الساحة الدوليّة.

تونس: منذ نحو أربعة عقود، لم يكن الناخب البريطانيّ متشوقا لمعرفة نتائج التصويت واسم الحزب الذي سيقود بريطانيا خلال السنوات الخمس المقبلة، كما يتشوّق اليوم، فكبرى الأحزاب في هذا البلد الذي يتضمّن 44 مليون ناخب، تخوض معركة انتخابيّة ساخنة وهي غير متأكدة من نتائجها، إذ أظهرت استطلاعات الرأي عدم قدرة أي حزب على تشكيل الحكومة القادمة بمفرده وإن رجّحت استطلاعات أخرى تحسّن موقف "حزب العمال" وإمكانية تصدّره النتائج.


ويتابع العرب والمسلمون من جهتهم الانتخابات البريطانيّة، إذ تعتبر المملكة المتحدّة الشريك الأبرز للولايات المتحدّة الأميركيّة في الحرب على الإرهاب، خصوصا لما شاركت بأموالها وجنودها وعتادها في حربي العراق وأفغانستان.

وُيمثّل المسلمون نحو ثلاثة في المائة من عدد سكّان بريطانيا وتحديدا 2,4 ملايين مسلم، من اصل 60 مليون بريطاني، بحسب إحصاءات العام 2009، ويرى متابعون أنه بات في حكم المؤكد أن يدخل "مجلس العموم" (البرلمان) المقبل أول نائب مسلم عن "حزب المحافظين"، ليكسر بذلك احتكار "حزب العمال" للنواب المسلمين، وهم أربعة في مجلس العموم الحالي.

ويهتمّ العرب والمسلمون كذلك بالسياسة الخارجية البريطانية، خصوصا في ما يتعلّق بدور بريطانيّ "محتشم ومنحاز" في الصراع العربيّ الإسرائيلي، علاوة على اهتمامهم بما يتردّد على تنامي مشاعر "الاسلاموفوبيا" وكره المسلمين والعرب بعد وقوع أعمال إرهابية في المملكة المتحدة وتنامي مشاعر السخط على الساسة البريطانية نتيجة لـ"انحيازهم" لدولة إسرائيل ومشاركتهم بلا تحفّظ في دعم المجهود الأميركيّ لمكافحة الإرهاب.

وتحاور "إيلاف" من تونس بمناسبة الانتخابات البريطانية مثقفين ومحللين سياسيين تونسيين لتسليط الضوء على قضايا الجالية العربية والمسلمة في المملكة المتحدّة، ولرصد أفق لتغيّر السياسات البريطانية تجاه قضايا العرب والمسلمين في حال تغيّر الفريق الحاكم حاليا.

رأي عام عربيّ مسلم يتشكّل

طارق الكحلاوي

يرى الدكتور طارق الكحلاوي أستاذ "تاريخ الشرق الأوسط" في جامعة "روتغرز" الأميركية في حديث مع "إيلاف" أنّ هناك انطباعا عن كتلة عربية مسلمة تصوت في اتجاه واحد، و هذا تاريخيا ليس مخالفا للحقيقة إذ هناك اتجاه سائد خلال العشريات الماضية داخل الناخبين من أصول عربية ومسلمة للتصويت لمصلحة "حزب العمال".

ويقول الكحلاوي:" الواقع هناك مؤشرات على بعض التغير هذه المرة سواء في النظر إلى الناخبين من أصول عربية و مسلمة أو أيضا في نظرتهم للانتخابات وللأطراف المتصارعة. فمن جهة أولى هناك توجه مركز وغير مسبوق من حيث كثافته من قبل منظمات أو هيئات مسلمة لدفع الناخبين البريطانيين من المسلمين للمشاركة في الانتخابات.

وقد لفت انتباهي في الأسابيع الأخيرة افتتاحية صحيفة عربية دولية تصدر في لندن ("القدس العربي") و تجد رواجا بين القرّاء العرب المقيمين في بريطانيا تنصح فيها الناخب العربي والمسلم باختيار طرف سياسي محدد (الحزب الليبرالي الديمقراطي) في الانتخابات البريطانية على أساس مواقفه "المنحازة" للقضايا المتعلقة بالسياق العربي الإسلامي، كما وجدتُ في الأسابيع الأخيرة أربعة مواقع الكترونية لأربعة أطراف مختلفة متخصصة في هذه المهمة. وهذا يبدو في انسجام مع التقارير التي تتحدث عن دور ما يسمى "الصوت المسلم" في حسم الانتخابات. فرغم نسبتهم الضيئلة قياسا بالديمغرافيا العامة إلا أن تركزهم في مدن محددة و كبيرة أحيانا يجعلهم قادرين على حسم نتائج الانتخابات فيها.

منظمة (Muslim Public Affairs Committee UK) و هي إحدى المنظمات التي تقود حملة لحث الناخبين المسلمين على التصويت، أشارت من جهتها إلى أن هؤلاء قادرون على حسم نتائج الانتخابات في 82 دائرة انتخابية و هو رقم كبير إذا أخذنافي الاعتبار شدة التنافس هذه المرة للحصول على أغلبية في برلمان فيه 646 مقعدا. نسب الاستطلاع التي تشير إلى نسب المشاركة تبدو مرتفعة عما هي العادة إذ هناك أكثر من 50 في المائة من المستطلعين من المسلمين ممن يفكرون في التصويت هذه المرة.

مؤشّر آخر يرصده الدكتور طارق الكحلاوي لوجود كتلة انتخابية (من بين من هم من أصول عربية ومسلمين) و أيضا تغيرا في سلوك هذه الكتلة الانتخابي، وهو صدور أكثر من استطلاع رأي يشير بشكل واضح، و بعكس ماهو حاصل تقليديا، إلى اتجاهها نحو انتخاب مرشحي "الليبرالي الديمقراطي" عوض "العمال". وفي أحد هذه الاستطلاعات تشير النسب إلى اعتزام ما يقارب ثلاثة أرباع المستطلعين للتصويت لـ"الليبراليين الديمقراطيين". و تشير أرقام الاستطلاع إلى أن هناك ميلا في الوقت نفسه للسياسة الخارجية للأخيرين (التي وصفت بأنها "أكثر عدلا") و ايضا السياسات المحلية.

لطفي زيتون

في الاتجاه ذاته، يقول المحلّل السياسي والإعلاميّ التونسيّ المقيم في العاصمة البريطانية لندن السيّد لطفي زيتون لـ"إيلاف" إنّ هذه الانتخابات ستشهد نسبا مشاركة مرتفعة مقارنة بسابقاتها أولا بسبب الحوارات التي نظمتها شبكات التلفزة البريطانية وتميزت بنسب مشاهدة قياسية وثانيا بسبب وجود إمكانية لأول مرة منذ عقود أن لا يحصل أيّ حزب على الأغلبية المطلقة بما يفتح الطريق لحكم ائتلافي وتغيير جذري في النظام الانتخابي البريطاني. أما بالنسبة إلى المسلمين فرغم النفوذ الكبير لبعض التيارات ذات الجذور الهندية والباكستانية والبنغالية التي ترذل وتحرم المشاركة في العملية السياسية عموما فضلا عن أن تكون في دولة غير مسلمة إلا أن هناك صحوة في صفوف المواطنين المسلمين بمناسبة هذه الانتخابات وتوجه إلى المشاركة المكثفة سببه الرئيس ما تتعرض له الجالية من اضطهاد ثم بروز الليبراليين الديمقراطيين كحزب منافس بجدية حامل لأفكار أكثر عدالة في التعامل مع المسلمين وقضاياهم وخاصة قضية فلسطين.

وبعكس ما ذهب إليه الدكتور طارق الكحلاوي، يؤكّد السيّد زيتون أنّ المسلمين لم يعلنوا تأييدهم لحزب معين رغم أن أصواتهم تذهب تقليديا إلى "حزب العمال" ولكن هذه المرة وبسبب ما ارتكبه حزب العمال من حروب في بلاد المسلمين، تميل النخب الموجهة في صفوفهم إلى التصويت الذكي بحيث تتم دراسة حالة كل نائب على حدة ويتم التصويت حسب موقف كل مرشح من القضايا الكبرى التي تخص المسلمين. عموما هناك حركة وعي سياسي كبيرة في صفوف المسلمين قد تصل برقم قياسي من النواب هذه المرة إلى البرلمان كما أن هناك إمكانية كبيرة أن تصل البرلمان أول امرأة محجبة (سلمى يعقوب).


بريطانيا والشرق الأوسط

متابعون عرب "متفائلون" يرصدون بين الفينة والأخرى ما يسمونها "توترات" بين بريطانيا التي يقودها حزب العمال وإسرائيل، قد تصبّ في مصلحة القضية الفلسطينية خصوصا مع موقف حكومة براون العمالية تجاه العدوان الإسرائيلي ضد غزة، و تقرير غولدستون،ومواقف بريطانيا من عملية اغتيال المبحوح، وحكومة نتنياهو التي عرقلت عملية سلام الشرق الأوسط مثل الإصرار على توسيع المستوطنات وعمليات ترحيل الفلسطينيين.

في حين يذهب متابعون آخرون إلى الحديث عن تزايد نفوذ "اللوبي اليهودي" أو "الإسرائيلي" داخل المؤسسات البريطانية وإن كان أقلّ بروزا كما هو الحال في الولايات المتحدة الأميركية.

لكنّ أستاذ "تاريخ الشرق الأوسط" في جامعة "روتغرز" الأميركية الدكتور طارق الكحلاوي يرى أنه من الصعب الحديث في السياق البريطاني عن "لوبي إسرائيلي" بالبروز والأهمية نفسهما و الثقل الانتخابي في مواقع أخرى خاصة مقارنة بالوضع في الولايات المتحدة. ويقول :"هناك مؤشرات متضاربة. مثلا من حيث الكم هناك 0.5 بالمائة فقط من المواطنين البريطانيين الذين يعرفون أنفسهم كيهود. و لا يمكن أن نرى النفوذ نفسه الذي نجده في الولايات المتحدة، سآخذ مثالا واحدا من بين أمثلة كثيرة للتدليل على ذلك: سنة 2004 صدرت دراسة ستصبح شهيرة لاحقا حول "اللوبي الإسرائيلي" في الولايات المتحدة كتبها أكاديميون من جامعتي هارفارد و شيكاغو.

حينها لم تقبل أي نشرية رئيسة أن تنشر الدراسة في الولايات المتحدة، و في النهاية تم نشرها في نشرية رئيسة في بريطانيا حول آخر الكتب الصادرة، وفقط حينها وجدت الدراسة رواجا داخل الولايات المتحدة. لكن من جهة أخرى لا يمكن أن ننفي وجود "صوت يهودي" مؤثر خاصة في انتخابات شديدة التنافس، و تجلى ذلك منذ أيام قليلة في اجتماع أبرز فيه الثلاثة مرشحين رغبتهم في التقرب من البريطانيين اليهود و هو الأمر الذي أبرزته الصحف الإسرائيلية مشيرة خاصة إلى تركز الناخبين البريطانيين اليهود في دوائر انتخابية محددة بما يمنحهم ثقلا انتخابيا رغم النسب الكمية الضعيفة.

لكن بالنسبة إلى طبيعة و خصوصيات "اللوبي الإسرائيلي" في بريطانيا ربما يجب الإشارة إلى ريبورتاج و دراسة مكتوبة صدرت عن "القناة الرابعة" (Channel 4) البريطانية في شهر نوفمبر الماضي. التحقيق أوضح عمق الارتباط التاريخي و التقليدي البريطاني الإسرائيلي بمعزل عن الولاءات السياسية خاصة في الحزبين السائدين تقليديا "العمال" و "المحافظين" و هو ما يتم من خلال هيئتين هما "الأصدقاء العماليون لإسرائيل" و "الأصدقاء المحافظون لإسرائيل" و هما الإطار الذي يتم فيه ترسيخ انسيابية العلاقات بين الطبقة السياسية عموما و بين المدافعين عن الرؤية الإسرائيلية بالإضافة للمنبر الرئيس للوبي و هو ( Britain Israel Communications and Research Centre).

أما الإعلاميّ والمحلّل السياسي لطفي زيتون فيرى أنّ الحديث عن مؤشرات "تأزم" في العلاقة بين "حزب العمال" وإسرائيل على خلفية المستجدات سابقة الذكر "ليس دقيقا" ويقول :"في السياسة الخارجية ليس هناك اختلاف كبير بين الحزبين الرئيسين كما أنه ليس للوبي اليهودي في بريطانيا ذلك النفوذ الموجود في أميركا والقضايا الداخلية هي التي تحسم الانتخابات مع أن قضية الحرب في العراق قد أضرت ضررا بالغا بالعمال وخاصة ما ظهر من تقصيرهم في دعم قواتهم العسكرية هناك وفي أفغانستان ولما أبدوه من استهانة بالرأي العام البريطاني الذي عارض الحرب معارضة غير مسبوقة".

الليبراليون الديمقراطيون قد يرفعون "راية التغيير"

يشير الدكتور الكحلاوي إلى بروز طرف ثالث أي "الليبراليين الديمقراطيين" في حلبة التنافس الجدي على السلطة وهو الطرف الذي يبدو نقديا أكثر من الطرفين الآخرين نسبيا، لذلك فنحن إزاء وضع غير مستقر لـ"اللوبي". بالنسبة إلى "الليبراليين الديمقراطيين" من غير المعروف بعد هل سيمثلون رؤية مستقلة نسبيا عما هو سائد أم سيمثل سيقع استيعابه مما هو سائد.

ويقول:"من اللافت مثلا أن في الحملة الانتخابية لأحد مرشحي "الليبرالي الديمقراطي" في دائرة يوركشاير "حذرت" المرشحة مادلين كيرك من "قوة اللوبي اليهودي" وهو ما يعكس انطباعا عاما عن هذا الحزب يشير إلى علاقته غير المرتاحة مع أطراف متعاطفة مع إسرائيل. لكن في الوقت ذاته حتى لو تحصل الحزب على ثقل انتخابي يخول له المساهمة في تشكيل الحكومة الجديدة وبالتالي إمكانية التأثير على السياسة الخارجية فإن التقديرات العامة لا تشير حتى الآن إلى تغييرات جوهرية. موقف "الليبراليين الديمقراطيين" المتميز بالموقف النقدي من حصار غزة لا يبدو واضحا من حيث استتباعاته العملية. عموما هناك انطباع لدى المراقبين بأن الحكومة الجديدة بمعزل عن طبيعتها لن تبدو مهتمة بشكل مركز بالمنطقة العربية و حتى و إن اهتمت فلن تدفع باتجاه تغييرات محورية.

ويخلص المُحللون إلى القول بأنّ المشكل العام الذي يبدو مطروحا في العلاقة بالسياسة الخارجية البريطانية هي طبيعة العلاقة مع الولايات المتحدة و حدوث تغييرات ليست متوقعة مع الأحزاب التقليدية بما في ذلك "المحافظين" حيث يقع الحديث بشكل متواتر عن تواصل الدور الأميركي المحوري و المعتاد في رسم الأجندة العامة للسياسة الخارجية البريطانية. لكن المفارقة - بحسب الدكتور الكحلاوي - هي أن طبيعة العلاقة لا تتعلق باختيارات أي من الأطراف السياسية البريطانية بل بالأساس بطبيعة أداء الإدارة الأميركية الجديدة التي لا تبدو حريصة كما هي العادة على العلاقة "الخاصة التقليدية" بين الولايات المتحدة و بريطانيا، و لا تبدو متهيبة من إعطاء أولوية لأطراف أوروبية أخرى مثلا إذا لزم الأمر.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف