بريطانيا.. مأزق كليغ إزاء ائتلاف الغرباء وائتلاف الأشقاء
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بدأ هذا التطور بعدما أعلن زعيم الليبراليين صباح الجمعة إيمانه بأن الحزب صاحب العدد الأكبر من الأصوات والمقاعد "يجب أن يُمنح الفرصة الأولى لتشكيل الحكومة". وقال إن على المحافظين، باعتبارهم الحزب صاحب ذلك العدد "إثبات أنهم مؤهلون للحكم من أجل المصلحة القومية". وكان "يبطن" بهذا أنه على استعداد لتشكيل حكومة ائتلافية معهم.
وجاء هذا الإعلان ضربة موجعة لآمال غوردون براون الذي يعلم أن في تحالف الليبراليين معه ليس طوق نجاته وحسب، وإنما بقاؤه في رئاسة الوزراء التي لم يحصل عليها بأي تفويض شعبي سواء في الانتخابات الماضية أو الحالية. فأصدر بيانا أمام 10 داونينغ ستريت قدم فيه "رشوة" لكليغ تمثلت في قوله إن العمال - وليس المحافظين - هم الذين يسعون لنوع الإصلاح الانتخابي الذي ظل يسعى وراءه.
وبعدها بأقل من ساعة تحدث كامرون من جهته ليقول إنه يقدم لزعيم الليبراليين عرضا "كبيرا مفتوحا وشاملا" يتمثل في جلوس الطرفين الى طاولة المفاضات. فكان يقول، بعبارة أخرى، إنه يأمل أن ينتهي الأمر بحكومة يشكلها مع الليبراليين. وها هم يتفاوضون حتى الآن لهذا الغرض. لكن هذا التطور مشكلة في حد ذاته.
ائتلاف الغرباء
الشق الأول من المشكلة هو أن اي حكومة ائتلافية بين المحافظين والليبراليين لن تكون "طبيعية" وستحمل عبوتها الناسفة في أحشائها، لأنها ستكون حكومة مصالح حزبية متصادمة. أما الوضع "الائتلافي الطبيعي" فيجب أن يكون بين الليبراليين والعمال... وهذا هو الشق الآخر من المشكلة.
أما في ما يتعلق بالتحالف المحافظ - الليبرالي فثمة حاجز آيدلوجي ضخم يفصل بين الطرفين. ويتخذ هذاالحاجز قاعدته في أن شرط الليبراليين للائتلاف مع أي حزب هو إصلاح النظام الانتخابي نفسه. فهم يريدون للبلاد أن تتخلى عن "الاقتراع الحر المباشر" الذي يمنح المقعد البرلماني لصاحب العدد الأكبر من الأصوات وإن كان بفارق صوت واحد، لصالح "التمثيل النسبي" الذي يوزع المقاعد البرلمانية تبعا لإجمالي الأصوات التي يحصل عليها كل حزب. وبينما يرى الليبراليون أن "الحر المباشر" هو الذي يمنعهم من التمثيل البرلماني الذي يستحقونه، فإن هذا النظام نفسه هو الذي جعل المحافظين أحد العملاقين التقليديين على الساحة السياسية، والتخلي عنه تخل أيضا عن هذه المكانة.
وعلى هذه القاعدة تقوم خلافات أخرى منها، على سبيل المثال وليس الحصر، السياسة الدفاعية النووية. فبينما يتمسك المحافظون بغواصات "ترايدانت" التي تكلف الخزينة عشرات مليارات الجنيهات، يرى الليبراليون أن تكلفتها غير مبررة بعد نهاية الحرب الباردة ويسعون لإيجاد بديل رخيص لها. وفي ما يتعلق بالإنقاذ الاقتصادي، فإن المحافظين سيسعون لمحاولة ردم هوة العجز الخرافي في الميزانية فورا، بينما يعتقد الليبراليين، مثل العمال، أن التريث الى حين التعافي من الأزمة الحالية هو السبيل الأمثل. وأضف الى هذا أن الليبراليين يسعون لإعفاءات ضريبية لا تسر المحافظين، كما أن سياستهم إزاء أوروبا لا تعجبهم.. وهكذا دواليك.
وحتى إذا استطاع الطرفان التوصل الى صيغ وسطى لحل معظم خلافاتهما، يبقى حجر العثرة الأكبر وهو أن كامرون لن يوافق على أكبر مطالب الليبراليين وأهمها وهو تغيير النظام الانتخابي من "الحر المباشر" الى "التمثيل النسبي".
ائتلاف الأشقاء
غوردون براون، من الجهة المضادة، على استعداد لقبول مسألة التمثيل النسبي بعد استفتاء شعبي واعتماده قانونا في حال الموافقة الشعبية عليه. وكانت هذه هي "قطعة الحلوى" التي قدمها لكليغ في محاولته استمالته بعيد عن المحافظين. وهو، آيدلوجيا، أقرب كثيرا الى الليبراليين، بالمقارنة مع كامرون، في ما يتعلق بالمسائل الاقتصادية والضريبية والدفاعية والخارجية. بل ان العديد من رموز الحزب الليبرالي الديمقراطي كانوا رموزا في حزب العمال نفسه. وعليه فإن تشكيل حكومة عمالية - ليبرالية هو "ائتلاف الأشقاء" وهو الناتج الطبيعي لهذا البرلمان المعلق.
مأزق كليغ
الغرابة في هذه الانتخابات تتأتى من حقيقة أن نِك كليغ هو صاحب النصيب الأدنى بين زعماء الأحزاب الرئيسية الثلاثة. ومع ذلك فقد صار هو "صانع الملوك"، كما يقول التعبير الانجليزي، وأصبح يمسك بمصير الحكومة المقبلة وشكلها.
ورغم أن الوضع "الطبيعي" هو حكومة عمالية - ليبرالية، فإن المشكلة هنا مزدوجة أيضا. فمن جهة لا يستطع الطرفان مجتمعين تأليف أغلبية برلمانية. فالعدد "السحري" للأغلبية هو 326 مقعدا، أي نصف العدد الإجمالي من المقاعد إضافة الى واحد. لكن مجموع ما يملكه الطرفان هو 315 (258 للعماليين و57 لليبراليين). وهذا يعني أن عليهما التحالف مع عدد من الأحزاب الأصغر وكل ما يجره هذا من مطالب وتهديد وابتزاز سياسي.
ومن الجهة الأخرى فقد أعلن كليغ صراحة أنه لن يتحالف مع براون "شخصيا" لأنه يجلس في 10 داونينغ ستريت بدون تفويض شعبي. وبراون، من جهته، لا يبدي حتى هذه اللحظة ما من شأنه مجرد الإيحاء بنيته التنحي عن زعامة العمال.
هذا هو الوضع الغريب الذي يجد كليغ نفسه فيه... أنه ربما كان صانع ملوك، لكنه عاجز عن صناعة الملك الذي يريد.