جماعة التبليغ.. عيش بالمساجد وتجول ببقاع الأرض

"جماعة التبليغ" هي جماعة دينية لا تنحصر في بلد ولا قارة إنما تجوب بقاع الأرض كلها وتشمل جميع شرائح المجتمع، تنطلق من المساجد وتعيش في المساجد وتنتهي إلى المساجد، ويلخّص فكرها في "اتباع أحكام الله تعالى وفق سنة النبي محمد".

عندما نتحدث عن "الجماعة" تنتقل الأذهان إلى مجموعة من الناس تجمعهم أفكار خاصة، تحت نظام حزبي ومكاتب وما إلى ذلك من لوازم الجماعات والأحزاب. كما وأن هناك قسما آخر من الجماعات تتمثّل بالمجموعات السرية المعارضة للنظام القائم في أي مكان وهي تعمل في تكتم رغم أنها تحظى بتواجد هرم قيادي ونظام جماعي لإدارة شؤون الجماعة وهي دائما تكون ملاحقة من قبل الأنظمة.... لكن الجماعة التي نشير إليها من خلال هذا المقال ليست من النوع الأول ولا من النوع الثاني ... بل تختلف عن المجموعتين في تشكيلتها وفي أدائها وفي وظائفها.

وإذا كانت هذه جماعة معروفة بين الناس إلا أنه ليس لديها أي مكتب في أي مدينة.... لكن عندما تدعو أعضاءها لاجتماع تجد الحشود الحاشدة قد اجتمعت في مكان واحد... وهذه هي "جماعة التبليغ" كما يسميها الناس وهي لا تتسمى بأي اسم. وهذه الجماعة لا تنحصر في بلد ولا قارة بل لا يكون من المبالغ به إذا قيل إنها جابت كل مكان معروف من العالم من اليابان إلى المغرب ومن سيبريا إلى أقصى جنوب الكرة الأرضية. كما وأنها تشمل جميع شرائح المجتمع من العمال إلى الحمالين إلى المهندسين إلى البيروقراطيين إلى الجنرالات إلى الأطباء إلى العلماء إلى الصحفيين وإلى .... وإلى ... الفنانين واللاعبين....

وهذه الجماعة تنطلق من المساجد وتعيش في المساجد وتنتهي إلى المساجد في كل مكان. ولديها أدق الإحصائيات عن عدد المساجد في أي بلاد وفي أي مدينة. ولها الأتباع في كل بلاد في عامة الأحوال.

فكرة الجماعة:
يمكن تلخيص فكرة الجماعة في "اتباع أحكام الله تعالى وفق سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم". ومن أجل حض الناس على ذلك تدعو الجماعة إلى ستة أمور:
1. الشهادتين
2.الصلاة
3.العلم والذكر
4.إكرام المسلم
5.إخلاص النية
6.الدعوة

كما وأنها تدعو المسلمين إلى الخروج في سبيل الله بأنفسهم وبأموالهم؛ لأن الإنسان لا يعرف قيمة أي شيء بدون "بذل ماله ووقته ونفسه" فيه.

الهيكل التنظيمي:
ليس لهذه الجماعة أي هيكل تنظيمي؛ إلا أنها تدير شؤونها عن طريق الشورى في كل مسجد. وكل من كان معها لوقت ما يكون عضوا في تلك الشورى بينما يتم اختيار أحد من القدامى في الدعوة أميرا لها؛ لأن "الجماعة لا تكون بدون أمير". وجميع الأمور التي تدور حول الدعوة تتم عن طريق الشورى إلا أن القرار الأخير يكون بيد الأمير، شريطة "لا مشورة قبل الاستشارة ولا انتقاد بعد البت في الاستشارة".

ترتيب العمل في المساجد:
كما مر من قبل أن المسجد هو محور أعمال الجماعة وبناء على ذلك تتم المشورة معظم الأحيان، يومياً، بعد صلاة العشاء أو في أي وقت يتفق عليه أصحاب الشورى. ويتم خلاله توزيع الأعمال اليومية على الحضور في الشورى.

طريق الدعوة:
يتم اختيار مسجد من مساجد كل مدينة مركزا للجماعة حيث يجتمع فيها الناس كل ليلة الخميس أو ليلة الأحد. ومن هناك يتم استكتاب الناس لتشكيل جماعات تخرج إلى المدن أو المناطق الأخرى للدعوة. وكل واحدة من هذه الجماعات تتضمن ما بين 11 - 15 شخصا معظم الأحيان، في حين يتم تأمير أحد منهم على الجماعة. وبعدها يتم توديع المجموعات إثر كلمة تتضمن إرشادات عن العمل الدعوي وطريقه. يلقيها من يتم اختياره في شورى المركز، مع منح ورقة تكتب عليها وجهة كل مجموعة.

وعند وصول المجموعة إلى وجهتها توضع الأغراض في ناحية من المسجد ويتم الاتصال بأعضاء الدعوة القدامى في الحي لاستشارتهم عن كيفية التعامل مع أهالي المنطقة. ثم تجري الاستشارة لتوزيع الأعمال على أفراد المجموعة. فيتم اختيار البعض للخدمة حيث يقومون بطهي الطعام للمجموعة بينما الآخرون يجلسون للتعليم. والتعليم هنا يعني تعلم الأدعية المأثورة ومسائل الصلاة والصوم وما إلى ذلك.

الجولة:
تقوم المجموعة بعد صلاة الظهر بقراءة شيء من كتاب فضائل الأعمال للشيخ المحدث محمد زكريا مؤلف أوجز المسالك في شرح موطأ الإمام مالك. وبعد صلاة العصر يعلن أحد أفراد المجموعة عن "الجولة". وهي تعني الخروج من المسجد للقاء أهل الحي على أبوابهم. وهنا أيضا يتم اختيار مجموعة للجولة تتضمن أميرا ودليلا ومتكلما. الأمير يراقب المجموعة والدليل يأخذهم إلى حيث يرى مناسبا بينما المتكلم يتكلم نيابة عن المجموعة مع أي شخص يدعوه الدليل للحديث معه. والكلام يكون مختصرا يتضمن تذكيره بأننا مسلمون وحضرنا للقائكم وندعوكم للحضور إلى المسجد، بينما يكون في المسجد أحد المجموعة يتحدث عن الدين والدعوة إلى صلاة المغرب.

بعد صلاة المغرب يدعو أحد أفراد المجموعة المصلين للبقاء لوقت أطول في المسجد ليستمعوا إلى كلمة ترشدهم لسلوك طريق الدين في الحياة. وفي نهاية هذه الكلمة تتم الدعوة إلى الخروج "في سبيل الله".

الخروج:
تدعو الجماعة إلى تعلم أهم ما يعنينا من الدين خلال أربعة أشهر مرة واحدة في الحياة أو على الأقل الخروج لمدة أربعين يوما. والذي لايستطيع ذلك فليخرج لمدة عشرة أيام والذي لا يقدر على ذلك فليخرج على الأقل لثلاثة أيام ليتعرف على عمل الدعوة.

ترتيب الدعوة في كل مسجد:
والمطلوب من الذين قد خرجوا لأربعة أشهر الخروج لمدة أربعين يوما كل سنة ولثلاثة أيام كل شهر وبذل نحو ساعتين والنصف كل يوم في المسجد إضافة إلى قراءة كتاب فضائل الأعمال في البيت وفي المسجد والقيام بجولة في مسجده وبجولة أخرى في مسجد حي آخر كل أسبوع. وعلى هذا المنوال تنتشر الدعوة بدون استخدام أي وسيلة للدعاية من الإعلام المقروء أو المرئي.

الدعوة في الدول الأجنبية:
ومن المثير أن الجماعة ترسل مجموعات من الدعاة إلى جميع أنحاء العالم. وهي تعيش في المساجد حيث توجد المساجد وتأوي المصليات أو الخيام حيث لا توجد المساجد، في حين تمكث بعض الأحيان في الكنائس أيضا. والأكثر استغرابا هو استرشادهم بلوحات القبور بحثا عن المسلمين؛ لأنهم إذا لم يجدوا في مدينة أي مسلم يقومون بزيارة لمقابر المدينة. وإذا وجدوا فيها اسما إسلاميا على لوحة من لوحات القبور يسألون الناس عنه وبالتالي يصلون إلى ورثته.

مصاريف السفر:
كما أسلفنا أن الجماعة تدعو إلى بذل المال والوقت والنفس في سبيل الله، فهي تمنع السؤال والاستشراف أيضا. وبناء عليه فإن كل شخص يتكلف بمصاريفه مهما بلغت مع ترغيب كل واحد في الإنفاق من ماله على أصحابه، بينما يجمعون مبالغ متساوية بين الجميع من حين لآخر وفق الحاجة. ومن هذه الميزانية تتم تأمين الحوائج بشكل جماعي.

تاريخ الجماعة:
بدأ هذا الطريق في الدعوة على يد الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي خلال القرن الماضي وهو من أسرة علمية معروفة بالورع. وخلفه الشيخ إنعام الحسن رحمه الله؛ إلا أن أمورها الآن تدار عن طريق شورى يرأسها أمير في كل بلد. ورئيس شوراها في باكستان هذه الأيام هو الحاج عبد الوهاب.

الاجتماعات السنوية للجماعة:
تعقد الجماعة اجتماعات سنوية في عدد من المناطق في باكستان وهي تستمر عادة لثلاثة أيام وتنعقد في الميادين الفسيحة. ويتم إنشاء الآلاف من مواقع الوضوء ودورات المياه تحضيرا للاجتماع مع إقامة خيام كبيرة على مساحة لا تقل عن عدة كيلومترات. وجميع هذه الترتيبات تتم على يد أفراد الجماعة المتطوعين، بينما يبيت معظم الحضور في المكان تفسه خلال أيام الاجتماع.

وأكبر هذه الاجتماعات تنعقد بمدينة (راي وند) قرب لاهور عاصمة البنجاب ويحضرها ما بين 1.8 مليون إلى مليوني شخص. وقد اضطرت الجماعة إلى تقسيم باكستان إلى منطقتين لتعقد اجتماعا لكل منطقة بدلا من عقد اجتماع واحد كما كان في الماضي وذلك بناء على كثرة الحضور. ويقال إن اجتماعات هذه الجماعة في باكستان وبنغلاديش والهند هي أكبر اجتماعات للمسلمين على المستوى الدولي بعد الحج بمكة المكرمة. وقد قدر عدد حضور الاجتماع الأخير للجماعة في العاصمة الباكستانية أوائل هذا الشهر بأكثر من 1.5 مليون نسمة.

موقف الجماعة من السياسة:
هذه الجماعة لا تلعب أي دور سياسي بشكل جماعي بل الأفراد أحرار في هذا الصدد. وبناء عليه فإنك تجد أحدا يعمل في حقل الدعوة وصوته يذهب لصالح مرشح لا يصلي ولا يصوم لأسباب مختلفة. ولعل ابتعادها عن السياسة هو وسيلة وصولها إلى كل مكان وإلى كل شخص من دون أي اعتبار لانتمائه الحزبي والمذهبي. ويقال إن الجماعة في البداية أثارت حفيظة وكالة التحقيقات الأمريكية. فبدأت بالتحقيق حول أهدافها. وفي نهاية المطاف أكدت أن " هذه الجماعة لا علاقة لها مع دنيانا؛ لأنها "إما أن تتحدث عما هو فوق العرش أو عما هو تحت الثرى".