الحديث عن حقوق المرأة يقسم المملكة العربية السعودية

تقود روضة يوسف حملة ضد غيرها من السيدات السعوديات اللواتي يرغبن في الحصول على قدر أكبر من التحرر والحقوق داخل المجتمع السعودي وترفع يوسف ومعها مجموعة أخرى من النساء شعار " ولي أمري يعرف الأفضل بالنسبة لي".

أثارت الحملة الجديدة التي بدأتها سيدة سعودية تدعى روضة يوسف ضد غيرها من السيدات السعوديات اللواتي يرغبن في الحصول على قدر أكبر من التحرر والحقوق داخل المجتمع السعودي اهتمام وسائل الإعلام العالمية. وأشارت صحيفة النيويورك تايمز الأميركية إلى أن الفكرة خطرت في بال يوسف بعد قراءتها تقارير تقول إن ناشطة من المنطقة الشرقية في المملكة، تدعى وجيهة الحويدر، قد توجهت الصيف الماضي إلى الحدود مع البحرين، طالبة ً العبور باستخدام جواز سفرها فحسب، دون أن يكون معها مرافق ودون أن يكون بحوزتها موافقة خطية من أحد أولياء أمرها.

وفي الوقت الذي لم يُسمح فيه للحويدر بأن تغادر البلاد دون أن يكون برفقتها أحد من ذويها الرجال، وفشلها حتى الآن، شأنها شأن باقي السيدات السعوديات اللواتي يقمن بشن حملات بغية الحصول على حقوق جديدة، في تغيير أي قوانين أو عادات قائمة بالفعل، ما زالت تشعر السيدة يوسف بحالة من الغضب، ومنذ شهر آب / أغسطس الماضي، وهي تسعى إلى التصدي للناشطات بالطريقة نفسهاالتي يقمن باتباعها. حيث بدأت، رفقة خمس عشرة سيدة سعودية أخرى، بإطلاق حملة أسموها " ولي أمري يعرف الأفضل بالنسبة لي". وفي غضون شهرين، قمن بتجميع أكثر من 5400 توقيع على التماس، يرفضن فيه الطلبات الجاهلة لهؤلاء الذين يحرضون على الحرية، ويطالبن بإنزال عقوبات بهؤلاء الذين يدعون إلى المساواة بين الرجل والمرأة، والاختلاط بينهما في بيئات مختلطة، وغيرها من السلوكيات غير المقبولة.

وهنا، تواصل الصحيفة حديثها بالتأكيد أن تصدي يوسف للأشخاص الراغبين في أن يكونوا دعاةً للتحرير، يُمثل صراعا أكبر في المجتمع السعودي حول حقوق المرأة التي جعلت فجأة عامل الإناث قضية رئيسة بالنسبة إلى الإصلاحيين والمحافظين الذين يسعون إلى تشكيل مستقبل المملكة العربية السعودية. ثم تنتقل الصحيفة لتشير إلى أن الفصل العام بين الجنسين يعد من السمات المميزة بقوة للمملكة، وهو ما يجعلها ربما مكاناً منطقياً للنقاش العنيف. وفي الوقت الذي تحظى فيه السيدات بمثل هذا الدور المحدود في الحياة العامة السعودية، إلا أنه من المستغرب إلى حد ما أن تصبح حقوقهن مثارا ً لخلاف علني في مجتمع يحتفظ بمعظم النقاشات في الخفاء.
وما اعتبرته الصحيفة أيضا ً أمراً مثيراً للاندهاش هو تلك التعقيدات التي تمخضت عن النقاش، الذي ذهب لما هو أبعد مما يراه بعض السعوديين على أنه أبسط الحجج الغربية بأن للنساء الحق ببساطة في الحصول على مزيد من الحقوق. ثم تعاود الصحيفة لتؤكد أن السيدة روضة يوسف التي تبلغ من العمر 39 عاماً، وهي مطلقة ولديها ثلاثة أبناء يبلغون من العمر 13 و 12 و 9 أعوام، تؤمن إيماناً راسخاً بأن معظم السعوديين يشاركونها قيمها المحافظة، لكنها تؤكد في الوقت ذاته أن الالتزام بالشريعة والعرف الأسري ليس من الضروري أن يُقيِّد المرأة التي تسعى للتعبير عن رأيها. وتضيف بقولها إن الناشطات السعوديات في المعسكر الإصلاحي يتأثرن بالغربيين الذين لا يفهمون احتياجات ومعتقدات السيدات السعوديات.

وتابعت في هذا السياق بقولها :" تأتي جماعات حقوق الإنسان هذه، وتستمع فقط إلى جانب واحد، يتمثل في هؤلاء الذين يطالبون بالحرية للسيدات". وأضافت يوسف، الذي يعتبر شقيقها الأكبر هو ولي أمرها، أنها تستمتع بقدر كبير من الحرية، في الوقت الذي تحترم فيه قواعد مجتمعها. كما تعتقد يوسف أن ناشطات من أمثال الحويدر يَكُنَّ عرضة للتأثيرات الخارجية بسبب مشاكلهن الشخصية مع الرجال.

وبعدها، تمضي لتواصل حديثها بالقول :" إن كانت لديها مشكلة متعلقة بسبب ولي أمرها، فيمكنها أن تذهب إلى محكمة الشريعة القادرة على إعفاء ذلك الرجل من مسؤوليتها ونقلها إلى شخص آخر يكون أكثر جدارة بالثقة". فيما ترى الصحيفة أن ما تبذله يوسف من جهود ( في ما يتعلق بالتماس الملك عبد الله أن يتجاهل الدعوات التي تطالب بالمساواة بين الجنسين ) قد تبدو للغرباء جهودا ً زائدة عن الحاجة. فبعد هذا كله، وفقا ً للصحيفة، ما زالت السيدات السعوديات غير قادرات على قيادة السيارة، أو التصويت، وملزمات بحكم العُرف أن يرتدين العبايات والحجاب خارج المنزل.

إلى هنا، تواصل الصحيفة الحديث بالتأكيد أن الفصل بين الجنسين في الحياة العامة السعودية يصعب المبالغة فيه - فهناك متاجر خاصة بالسيدات، وصفوف خاصة بهن في مطاعم الوجبات السريعة، ومكاتب خاصة بهن أيضا ً في الشركات الخاصة. كما يبذل أعضاء هيئة الأمر المعروف والنهي عن المنكر جهودا ً لضمان عدم حدوث اختلاط بين الجنسين. ومع هذا، هناك عدد قليل من الأماكن التي يعمل بها الرجال والسيدات جنبا ً إلى جنب، مثل الكليات الطبية، وبعض المستشفيات، وحفنة من البنوك والشركات الخاصة. وإن كانت نسبة السعوديين في مثل هذه البيئات ضئيلة للغاية.

وبينما يعزو المحافظون، من أمثال يوسف، الثرثرة الأخيرة لمنظمات حقوق الإنسان إلى التدخل الغربي، يقول الليبراليون إن المجتمع السعودي نفسه آخذ في التغير، وأن الحريات المتزايدة للسعوديات يبدو وأنها تحظى بتأييد حذر من الملك عبد الله نفسه. ثم تمضي الصحيفة لتلفت إلى تلك التطورات الجدلية التي هيمنت على ساحة الأحداث في المملكة خلال الأشهر القليلة الماضية بسبب قضية الاختلاط بين الجنسين، وما زامنها من فتاوى وإقالات وتصريحات مثيرة وغيرها من الأمور.

وسواء كانت تحظى المسألة بدعم من الملك، أو لتوافر قدر أكبر من الشبكات الاجتماعية الرقمية أكثر من أي وقت مضى، فإن القيام بحملات من جانب المحافظين أو الإصلاحيين تتكاثر على كلا جانبي الانقسام الحاصل بشأن حقوق المرأة، رغم الاعتقاد بأن الحملة التي بدأتها روضة يوسف هي الجهد المحافظ الوحيد الذي تقوده امرأة حتى الآن. وقد وصفت هاتون الفاسي، الأستاذة المساعدة في تاريخ المرأة في جامعة الملك سعود في الرياض، العام 2009 بـ "عام الحملات النسائية في المملكة".

ريم أسعد محاضرة في قسم التمويل في كلية دار الحكمة وقد تنوعت الأسباب، وفقاً للناشطات السعوديات اللواتي قمن بتلك الحملات، فمنهن من كانت تدعو إلى حظر زواج الأطفال، وإلى الحصول على الحق في إقامة مشاريع تجارية دون أن يكون معهن رعاة من الذكور. كما سبق لـ "ريم أسعد"، التي تحاضر في قسم التمويل في كلية دار الحكمة في جدة، أن دعت إلى مقاطعة جميع محلات بيع الملابس الداخلية في كافة أنحاء المملكة التي يعمل فيها رجال فقط، وقد وقع اختيار ريم على الملابس الداخلية من منطلق أن المحافظين السعوديين كذلك يتفقون على أنه قد يكون من المهين للمرأة أن تشتري ملابس داخلية من أحد الموظفين الرجال. وقالت ريم إنها هدفت من وراء تلك الحملة إلى توسيع نطاق فرص العمل للمرأة.

ثم تبرز الصحيفة الرفض القاطع الذي أبدته الحويدر لما شخصته روضة يوسف عنها، بقولها إنها تهاجم نظام الوصاية بسبب مشكلات شخصية. وتشير الحويدر هنا إلى أن ولي أمرها، وهو زوجها السابق، تجمع بينهما علاقات ممتازة. ثم تمضي لتتفق، من الناحية النظرية، مع الرأي الذي زعمت من خلاله يوسف على أن كثيرا إن لم يكن معظم الرجال السعوديين يحاولون أن يكون عادلين وأوصياء عطوفين. ثم تنقل الصحيفة عن أحمد العمران، وهو طبيب صيدلي يمارس نشاط التدوين تحت اسم "سعودي جينز"، قوله إنه وفي ظل غياب استطلاعات الرأي، أو إجراء انتخابات حرة، يكون من الصعب قياس درجة الشعبية أو الطبيعة التمثيلية للحملات النسائية، في الوقت الذي لم يسفر عن أي منها ردّ رسميّ من قِبل القيادة السعودية. ويضيف في هذا السياق بقوله " ما الذي نجحوا في تحقيقه ؟ فتغيير القوانين يأتي من مستوى أعلى، وليس من أسفل". ثم تلفت الصحيفة إلى أن أكثر الأشخاص تفاؤلا ً يؤكدون كذلك أن عملية التغيير سوف تحدث بوتيرة بطيئة. وهنا، عاودت الفاسي لتقول:" لقد عاش الناس طيلة حياتهم وهم يفعلون شيئاً واحداً ويعتقدون في شيء واحد، ثم قال الملك وأبرز رجال الدين ذات فجأة إن الاختلاط ليس فيه من مشكلة".

ثم تشير الصحيفة إلى أن سيدة تدعى نورا عبد الرحمن، موظفة في وزارة التعليم، قد قامت مؤخرا ً بتأسيس برنامج دراسات إسلامية يتم تدريسه عقب الانتهاء من المدرسة، وهو برنامج موجه إلى الفتيات المراهقات في الرياض. وتنقل عنها الصحيفة هنا قولها :" أحاول أن أكون سخية مع الليبراليين. وأفترض أن دوافعهم ربما تكون جيدة - فقد تكون لديهم الرغبة في جعل المملكة في وضعية منافسة مع المجتمعات الغربية - لكنهم يفشلون في فهم خصوصية المجتمع السعودي. ففي الثقافة السعودية، يكون للمرأة سلامتها وحياتها الخاصة المنفصلة عن الرجل. فأنا كامرأة سعودية، أطلب الحصول على وصي. حيث تستدعي ظروف عملي أن أذهب إلى مناطق مختلفة في المملكة، وخلال رحلاتي المرتبطة بالعمل، دائماً ما يرافقني زوجي أو شقيقي".

وفي السياق ذاته، تتابع الصحيفة حديثها بنقلها عن سيدة أخرى تدعى أم محمد، خلال زيارة كانت تقوم بها إلى السيدة نورا عبد الرحمن، قولها :" الصورة في الغرب هي أننا نخضع للسيطرة من قِبل الرجال، لكنهم ينسون دائما ً الجانب الخاص بالحب. وغالبا ً ما تتكون لدى الأشخاص غير المطلعين على أحكام الشريعة الإسلامية فكرة خاطئة. فإن كنت تبحثين عن الاستقرار والأمان في حياتك، أو عن زوج يعتني بك، فلن تجدي ذلك إلا في الإسلام". وفي المدونة الخاصة بها، وصفت إيمان فهد، خريجة علم اللغويات والأم لثلاثة أبناء، وتبلغ من العمر 31 عاماً، تلك الحملة التي تقوم بها يوسف بأنها حملة ضد السيدات اللواتي يطالبن بأن يُعاملن معاملة الكبار.