أخبار

معضلة بغداد والتوازن الأميركي الإيراني

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

واشنطن: إن وضع العراق الحالي دائمًا ما يشكل تحديًا استراتيجيًا لإيران، فحتى عام 2003 فإن الاستقرار الإقليمي كان قائمًا بالأساس على توازن القوى بين العراق وإيران وقد قامت الولايات المتحدة الأميركية بغزو العراق من منطلق فرضية أساسية مفادها أنه بإمكانها إلحاق الهزيمة بها في وقت قصير وتفكيك الحكومة العراقية وتسريح القوات المسلحة واستبدالها بحكومة عراقية متماسكة موالية لها وكذلك القوات المسلحة، ومن ثم إعادة توازن القوى مرة أخرى.

وعندما ثبت خطأ هذه الفرضية، اضطرت الولايات المتحدة إلى القيام بمهمتين أولهما تحقيق استقرار العراق والثانية تسليحها لمواجهة جارتها إيران. فقد أرادت كلٌ من الولايات المتحدة وإيران تدمير نظام صدام حسين البعثي وقد تعاونت إيران بشكل أو بآخر وقت الغزو لكن بعد الغزو تباينت أهدافهما حيث تأمل إيران في إقامة نظام حكم شيعي في بغداد ما يجعلها تحت تأثير طهران بينما أرادت الولايات المتحدة إقامة نظام حكم من شأنه أن يقوّض نفوذ الإيرانيين.

في هذا السياق، تأتي هذه المقالة بعنوان "سياسات بغداد والتوازن الأميركي الإيراني" للكاتب "جورج فريدمان" وهو المدير التنفيذي لمركز الأبحاث "STRATFORrdquo; وهو أيضًا خبير في الشؤون الدولية ومؤلف العديد من الكتب.

التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة في العراق

يشير "فريدمان" إلى أن استراتيجية الولايات المتحدة تجاه العراق أصبحت غير متماسكة بعد الغزو، فإن اجتثاث حزب البعث دفع بالطائفة السنية للمعارضة والتمرد ومن جهة أخرى، أصبحت الطائفة السنية على قناعة تامة بأنهم يواجهون كارثة من قبل الأميركيين والحكومة العراقية الموالية للإيرانيين في بغداد ومن ثم فقد توحد السنة البعثيون في صفوف المقاومة مع المجاهدين من خارج العراق.

وفي الوقت ذاته، فقد تبادل الأميركيون العداء مع السنة حيث تحركوا لمنع تشكيل حكومة موالية لإيران وقد ترتب على هذا نشوب حرب بين ثلاثة فصائل (الأميركيين، الشيعة والسنة) ما دفع بالعراق إلى الفوضى واختلال موازين القوى مع إيران وأصبحت الولايات المتحدة الأميركية هي الموازن لإيران.

وقد ساهم كل ما سبق في إطالة أمد العمليات العسكرية في العراق وتحويلها من حرب قصيرة المدى إلى حرب موسعة عجزت الولايات المتحدة عن إخراج نفسها منها. فلم تستطع الخروج من العراق حيث إنها أسهمت في خلق الوضع الراهن الذي جعل من القوة العسكرية الإيرانية قوة.

الخطر الإيراني واستقرار العراق

يرى "فريدمان" أنه في ظل غياب الولايات المتحدة فسوف يهيمن الإيرانيون على العراق، وفي حقيقة الأمر فإن إيران ليست مضطرة إلى غزو العراق (فالقوات العسكرية الإيرانية ذات قوات محدودة للدخول في حروب خارج حدودها تحت أي ظرف) لانتزاع تنازلات سياسية واقتصادية ضخمة من العراق وشبه الجزيرة العربية.

إن عدم خضوع إيران للرقابة، وغض الطرف عن قدراتها النووية التي ما زالت قيد التطوير، يمثل تهديدًا استراتيجيًّا جوهريًّا لميزان القوى. وبافتراض أن قضية المفاعل النووي تم التوصل إلى حل بشأنها سواء دبلوماسيًّا أو من خلال الهجمات العسكرية، فإن المشكلة الأساسية ستبقى كما هي حيث إن الخلاف الجوهري يدور حول التهديد التقليدي وليس النووي.

التواجد العسكري الأميركي في العراق

اتفقت الولايات المتحدة على سحب قواتها القتالية من العراق بحلول الصيف مخلفة وراءها قوات مقيمة يقدر عددها ب"50.000" جندي، وقد جاء هذا التخفيض في إطار الخطة التي وضعها الرئيس الأميركي السابق "جورج بوش" في عام 2008 والتي قام الرئيس الأميركي الحالي "باراك أوباما" بتسريع وتيرة دخولها حيز التنفيذ قبل أشهر قليلة، ومن ثم فلا يمثل هذا الانسحاب قضية سياسة وإنما لوجود إجماع بشأنه. ويكمن السبب الرئيس وراء انسحاب الولايات المتحدة من العراق في الحاجة إلى تواجد القوات الأميركية في أفغانستان بل والأكثر أهمية من ذلك إن الولايات المتحدة لا تمتلك احتياطيًّا استراتيجيًّا من القوات الأميركية البرية.

فقد خاضت الولايات المتحدة حرب انقسامات متعددة ضد جبهتين لمدة سبع سنوات واستنفذت الجيش إلى أقصى مدى ومن ثم فإنه في حالة نشوب أي أزمة في أي منطقة حول العالم فلن تتمكن الولايات المتحدة من الاستجابة الفورية الحاسمة لها.

إن تجنب حدوث مثل هذا الوضع يتطلب انسحاب القوات الأميركية من العراق غير أن هجر الخليج العربي وتركه القوة العسكرية والسياسية الإيرانية يمثل أيضًا وضعًا خطرًا للأميركيين ومن ثم يتوجب على الولايات المتحدة أن توازن بين حقيقتين لا يمكن قبولهما.

ويرى "فريدمان" أن الأمل الوحيد للولايات المتحدة لتحقيق هذا التوازن يتمثل في تحقيق بعض توقعاتها لعام 2003 ويقصد بذلك تشكيل حكومة عراقية متماسكة تمتلك قدرات أمنية وعسكرية ذات كفاءة لتحقيق السيادة على أراضيها داخليًّا وكذلك لردع الهجمات التي قد تشن عليها من قبل القوات الإيرانية. وعلى أدنى تقدير، فإن العراقيين لابد وأن يكونوا قادرين على مواجهة الهجمات الإيرانية بشكل كافٍ بما يسمح للولايات المتحدة بالإسراع في عملية سحب قواتها وقمع العناصر المتمردة من جميع الطوائف العراقية (الشيعة والسنة).

ويمكن القول إنه إذا تمكن العراقيون من القيام بما سبق فإن الإيرانيين على الأرجح سيمتنعون عن شن الهجمات. فالخطاب الإيراني قد يكون متطرفًا ولكن الإيرانيين لا يتكبدون المخاطرة في أعمالهم، فإذا تمكن العراقيون من القيام بما سبق فإنهم بذلك سيقضون على النمط الإيراني المفضل لديها لتنفيذ تهديداتها وعملياتها في العراق والمتمثل في عمليات التخريب السرية من خلال وكلائها.

إذن فالقضية تتلخص في كيفية إجابة الولايات المتحدة على السؤال التالي: هل يستطيع العراقيون أن يشكلوا حكومة متماسكة في بغداد قادرة على اتخاذ القرارات ولديها القوة لتحقيق الأهداف الواردة أعلاه؟ فلابد من وجود الحكومة والقوة معًا فإذا تغيبت إحداهما فلا فائدة من وجود الأخرى. ولكن إلى جانب هذا السؤال هناك العديد من الأسئلة الأخرى منها على سبيل المثال: هل يمتلك العراق إجماعًا استراتيجيًّا في الآراء؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل هذا الإجماع يتواكب بالتوازي مع المصالح الاستراتيجية الأميركية؟ وبافتراض أن العراقيين نجحوا في تشكيل حكومة وبناء قواتها، فهل سيديرون هذه الحكومة والقوات بالطريقة التي يريد الأميركيون أن تنفذ بها؟

الدولة مقابل الفصيل

إن الولايات المتحدة الأميركية هي بلد يؤمن في جدوى التدريب فقد كرست جهودا مضنية لبناء الجيش العراقي وقوات الشرطة لتكون قادرة على فرض سيطرتها على العراق. وقد حاول الأميركيون إضفاء صبغة الاحترافية على قوات الأمن العراقية والذي يعني في السياق الأميركي قوة ممكنة بالكامل لتنفيذ مهامها ومعدة للقيام بذلك إذا تطلبت قضاياها المدنية الرئيسة ذلك.

ولكن ربما تكون المسألة الأهم لأي قوة عسكرية، والتي قد تسبق مرحلة التدريب، هي الولاء. ففي بعض النظم العسكرية، يكون الولاء الأول للشخص نفسه. وفي مثل هذه النظم ينضم الشخص إلى الجيش ليستمر على قيد الحياة يسرق ما يمكنه الحصول عليه ليتمكن من البقاء. وفي نظم عسكرية أخرى يكون الولاء الرئيسُ ليس للدولة وإنما لبعض الفصائل في الدولة سواء أكانت دينية أم عرقية أم جغرافية. فلن يضحي شخص ما بحياته من أجل الدفاع عن دولة وهو في حالة عداء أو على خلاف معها، بقطع النظر عن تدريبه بحرص على حمل السلاح أو تعليمه تحمل المسؤولية بشكل احترافي.

فلا يمكن لأي من هذه الأوضاع أن يسمح بنجاح الجيش في نهاية المطاف. لقد قام الجيش الأميركي بتدريب عشرات الآلاف من العراقيين ولا يخفى على أحد براعة الأميركيين في التدريب ولكن المشكلة لا تتعلق بالتدريب وإنما بالولاء، فالاحترافية لا تفرض على شخص ما لكي يضحي بنفسه من أجل شيء غريب عنه.

وهذا هو التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة الأميركية في الحكومة العراقية - كما هو الحال بالنسبة إلى معظم الحكومات - التي تتألف من عدة فصائل ذات مصالح متباينة. ففي الحكومات القائمة، تتقاسم الأغلبية الساحقة القيم الأساسية والتي تأتي بعد المصالح المتناقضة سواء أكانت تلك القيم نابعة من الأعراف أو المبادئ الأخلاقية الواردة في الدستور. لكن لا يبدو أن الفصائل العراقية لديها فهم أساسي مشترك بما يجب أن يكون عليه العراق كما أنهم أيضًا لا يدينون بولائهم للدولة أو حتى لبعض فصائل العراق.

فلقد تمكن الرئيس المخلوع "صدام حسين" من فرض سيطرته على البلاد بجميع فصائلها وطوائفها من خلال الإرهاب الشديد كما أصبح القوة المركزية في العراق ثم أصبح بعد ذلك بطريقة ما يمثل العراق. وبعد تدميره والقضاء عليه، دخلت الفصائل العراقية في حروب أهلية مع بعضها البعض ومع الولايات المتحدة سعيًا وراء عدم تحقيق وحدة العراق. واعتمادًا على هذا فقد تمت إعادة تشكيل الجيش العراقي وقوات الأمن وعلى الرغم من تجانسهم أو اختلاطهم إلا أنهم ما زالوا يدينون بولائهم الرئيسٍ للفصائل التي ينتمون لها ومن ثم تأتي خدمة عشائرهم في المقام الأول يليها بعد ذلك العراق.

خططت الولايات المتحدة لسحب قواتها القتالية من العراق بحلول الصيف وإذا ما نحينا جانبًا القوات غير المقاتلة والمدربة والمحمية بصورة جيدة المتبقية في العراق والتي يقدر عددها بنحو (50.000) يبقى السؤال الملح حول من الذي سيوحد العراق ويجمع شمله؟! ومن الجلي أن الإيرانيين لا يريدون حكومة عراقية موحدة تعرقل الطموحات الإيرانية في العراق، فإيران تجمعها علاقات تاريخية متينة بعدد من الجماعات العراقية الشيعية بل وبعض الأكراد والجماعات السنية ومن ثم فإنها ستنتهز جميع الفرص المتاحة التي تمكنها من زعزعة استقرار العراق بما يتجاوز زعزعة استقرار السكان الأصليين للعراق بما يمكنها في نهاية الأمر من تشكيل حكومة قادرة على فرض هيمنتها.

ومن وجهة نظرنا، فإن إيران تمتلك جميع الوسائل والأدوات التي تمكنها من القيام بذلك على نحو فعال والحكومة الأميركية بالتأكيد على وعي بذلك وربما تأمل أو حتى تؤمن بظهور حكومة عراقية مستقرة وقد لا تعلن هذا للجميع ما من شأنه أن يقلل ثقتهم في حدوث هذا. وفي الوقت ذاته، فإن القيادة الأميركية تعلم بشكل خاص أن أي حكومة عراقية متماسكة محتملة تتطلب قوات أمن موالية بعيدة عن احتمال أن تأتي الضربة القاضية من خلالها.

البحث عن خطة بديلة

اعتمادًا على ما سبق، فإن المنطق يملي على الولايات المتحدة بأنها يجب أن تمتلك خطة بديلة وقد تتمثل هذه الخطة في وقف عملية سحب القوات الأميركية من العراق. غير أن المشكلة في هذه الخطة تكمن في عدم وجود ضمان من أنه في خلال ثلاثة أشهر أو عام ستحل مشكلة الانقسامات الجوهرية في العراق أو يمكن للولايات المتحدة أن تكمل عملية الانسحاب على افتراض أن الإيرانيين لن يجرؤوا على شن هجوم على العراق في ظل وجود القوات الأميركية المقيمة المتبقية. لكن المشكلة في هذه الاستراتيجية تتمثل في أنها مبنية على مجرد افتراض وهذا الافتراض يتسم بالمعقولية إلا أنه مع ذلك لا يزال افتراضا ليس حقيقة مؤكدة. علاوة على ذلك، يمكن لإيران زعزعة استقرار العراق سرًّا ووضع القوات الأميركية التي تفتقد للقوات القتالية بشكل كاف في مواجهة قوات الدعم الإيرانية وإلحاق الضرر بها.

وأخيرًا فإن جمهور إيران الرئيس يتألف من القوى النفطية في شبه الجزية العربية. فإيران تريد أن تظهر لدول الخليج أن الولايات المتحدة سوف تنسحب من العراق بقطع النظر عن العواقب المحتملة التي تنتظرها والحد من ثقتهم في الولايات المتحدة وإجبارهم على الدخول في تسوية مع إيران.

لذلك فإن وقف عملية الانسحاب يفرض تحديات رئيسة واستكمال الانسحاب يفرض مزيدًا من التحديات، وهذا بالضبط هو وضع الولايات المتحدة إذا أكملت عملية الانسحاب دون الوصول لتسوية مع إيران لكن التفاوض مع الإيرانيين من موقف ضعف لا يشكل خيارًا جذابًا، فالثمن الذي تريده إيران سيكون أغلى بكثير من الثمن الذي تريد الولايات المتحدة دفعه ومن ثم يتوجب على الولايات المتحدة إظهار بعض القوة للإيرانيين ما يقنعهم بأنهم في وضع خطر، فقصف المنشآت النووية الإيرانية قد يفي بالغرض لكن من عيوب هذا الاقتراح أن الهجوم قد يفشل وحتى في حالة نجاح الهجوم فإنهم بذلك لم يعالجوا المشكلة الأساسية.

إن تطلع واشنطن إلى الأمام يعتمد على ما الذي تؤمن به الإدارة الأميركية في هذه المرحلة بشأن احتمالات قيام حكومة عراقية قادرة على البقاء وقوات أمن قادرة على قمع حركات التمرد بما في ذلك تلك التي تثيرها إيران، فإذا ما كان الأميركيون يعتقدون أن قيام حكومة عراقية قادرة على البقاء احتمال وارد إذن يتوجب عليهم الانسحاب غير أنه من وجهة نظرنا لا يبدو واضحًا ما الذي تريده واشنطن. فإذا ما كانت تؤمن بالعكس فإن الولايات المتحدة لا يتوجب عليها فقط وقف انسحاب القوات بل أيضًا يجب الإبقاء عليها بما يقنع الإيرانيين بأن الأميركيين لديهم التزام كبير تجاه العراق وقد يكون من شأن هذا أن يدعو إيران لإعادة التفكير في حساباتها وفتح الباب للدخول في مناقشات.

كما هو الحال بالنسبة إلى أمور كثيرة في الحياة، فليس المهم ماذا تريد الولايات المتحدة أو ما الذي تعتقده. فالسلطة مثل المال إما أن تمتلكها أو لا فإذا كنت لا تمتلكها فلا تستطيع شراء ما تريده. فإذا سارت الأمور في بغداد من تلقاء نفسها، فسيكون كل هذا موضع نقاش وإذا حدث العكس فسيتوجب على إدارة الرئيس الأميركي "أوباما" أن تجعل استقرار العراق على قائمة أولويات سياساتها الخارجية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
فازت ايران
حسن -

قبل غزو امريكا للعراق سنة 2003 نشط عملاء المخابرات الايرانية في صفوف الاحزاب الشيعية في العراق في بث دعاية بين العراقيين المقيمين في اوربا تقول : أيدوا الغزو ..دعوا أمريكا تُسقط صدام وسنأتي نحن الى الحكم ومن ثم نطردها .. هذا باختصار هدف التعاون الايراني مع الامريكان في غزوهم للعراق ..ولهذا ترون ان ايران في صدمة الان من فوز القائمة العراقية التي تحرص أشد الحرص على حرمانها من تسلم السلطة في العراق.

فازت ايران
حسن -

قبل غزو امريكا للعراق سنة 2003 نشط عملاء المخابرات الايرانية في صفوف الاحزاب الشيعية في العراق في بث دعاية بين العراقيين المقيمين في اوربا تقول : أيدوا الغزو ..دعوا أمريكا تُسقط صدام وسنأتي نحن الى الحكم ومن ثم نطردها .. هذا باختصار هدف التعاون الايراني مع الامريكان في غزوهم للعراق ..ولهذا ترون ان ايران في صدمة الان من فوز القائمة العراقية التي تحرص أشد الحرص على حرمانها من تسلم السلطة في العراق.