فيكتور بوت... "تاجر موت" يستحيلُ ضحيّةَ تقلّب السياسة الدوليّة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تسلّط "إيلاف" الضوء على قضيّة تاجر السلاح الروسيّ فيكتور بوت، الذيقبض عليه في تايلندا التي قضت بتسليمه إلى الولايات المتحدة، وذلك مقابل دعم واشنطن للحكومة التايلندية تجاه المعارضة. لكنّ روسيا الغاضبة من الحكم الصادر بحقّه تخشى أن يكشف بوت أسرارًا تثبت تورّطها في تجارة السلاح.
فالح الحمراني من موسكو: وصف "بتاجر الموت" و"بارون السلاح": فيكتور بوت شخصية غامضة تحوم حولها الشكوك منذ بداية تسعينات القرن الماضي حين قام بتزويد التشكيلات المسلحة غير النظامية في افريقيا وغيرها بمختلف أنواع الأسلحة.
واشنطن طالبت بتسليمه لها لمنعه من الكشف عن علاقته السرية بها والحصول على معلومات منه عن البؤر الساخنة التي تحارب قواتها فيها، وموسكو تخشى من ان يجد مواطنها معاملة غير عادلة وربما تخشى ان يفشي ببعض الأسرار التي تخصّها، وحكومة تايلندا عجلت بحسم تسليم بوت مقابل الحصول على دعم واشنطن لها تحسّبًا لتجدّد المواجهات الساخنة مع المعارضة.
فهل تستطيع موسكو انتشال مواطنها من قبضة القضاء الأميركي ام ستلجأ الى مبادلته بشخصية اخرى كما عمدت لتصفية فضيحة التجسس اخيرًا؟
إرتياح واشنطن وخيبة موسكو
أشارت صحيفة "واشنطن بوست" في عدد الجمعة إلى الضغوط الأميركية على محكمة بانكوك، ووفق معطيات الصحيفة فإن ادارة الرئيس باراك اوباما والكزنغرس حاولا اقناع تايلندا بضرورة ترحيل بوت.
ومن بين خطوات أخرى استدعت وزارة الخارجية الاميركيّة الاسبوع الماضي سفير تايلندا لدى واشنطن وابلغته مخاوف واشنطن من احتمالات الإفراج عن بوت.
وإضافة إلى ذلك أرسل 6 من اعضاء الكونغرس 3 من الديمقراطيين و3 من الجمهوريين رسالة الى الحكومة التايلندية حذروا فيها من انه وفي حال الافراج عن المواطن الروسي فثمة مخاطر من انه سيشرع ببيع الاسلحة لمختلف الجماعات التي تضع في مقدمة اهدافها قتل مواطني الولايات المتحدة.
وبدورها نشطت الدبلوماسية الروسية وبذلت جهودًا كبيرة من اجل الإفراج عن بوت. وكانت روسيا ناشطة على المستوى الدبلوماسي، وأولت اهتمامًا بأحد مواطنيها ومارست ضغوطًا دبلوماسية، من اجل التأثير على مجرى المحكمة.
ويرى عدد من الخبراء ان موسكو غير معنيّة بتاتًا بتسليم موطنها لواشنطن.
وعبّر الناطق باسم وزارة العدل الاميركية عن الارتياح البالغ لقرار محكمة التمييز بترحيل فيكتور بوت إلى أميركا، منوّها بأنّ قضية بوت كانت من اولويات الولايات المتحدة، بيد ان التّهم الموجّهة له لا تخصّ اميركا وحدها.
وألقي القبض على رجل الاعمال الروسي في 6 مارس - آذار2008 في تايلندا حينما وصل لها بصفته سائحًا.
ووفق المعطيات الأميركية فإنّ بوت اتفق في هذا الفندق على بيع انظمة صواريخ مضادة للطائرات لعملاء أميركيين، قدموا أنفسهم على أنهم يمثلون منظمة "فارك" الكولومبية الماركسية (قوى الثورة المسلحة الكولومبية).
وينفي فيكتور بوت كافة التّهم الموجّهة له ويعلن أنّه لم يمارس ابدًا تجارة الاسلحة، ويعمل فقط في النقل الجوي المشروع.
طالبان وحزب الله والعراق
وتفيد المعطيات بأنّ اصرار واشنطن على تسليمها فيكتور بوت يعود الى الرغبة بتجنب الاشهار ودراسة علاقات المتّهم بالتجارة بالسلاح الروسي مع واشنطن.
وعلى الرغم من إعلان واشنطن رسميًّا اسباب اهتمامها ببوت، الا ان لديها ملفات كبيرة خطرة اخرى ستفتحها بشأنه ويمكن ان يفيدها في العملية العسكرية التي تقودها في افغانستان حيث كانت وما زالت لديه علاقات هناك.
ومنذ 1990 لفتت علاقات بوت الوثيقة بحركة طالبان انظار اميركا له.
وبتأكيد مصادر أميركيّة مطلعة فقد نقل الاسلحة والاموال الى افغانستان في ذلك الوقت. وتعرف مؤسسة بوت افغانستان بصورة افضل من الآخرين اذ لديها احسن الخرائط وشبكة مصادر موثوقة.
وبحسب المصادر نفسها فإنّ البنتاغون استثمرعلى مدى عدة سنوات خدمات شركة بوت اللوجستية لتوصيل الحمولات للعراق وافغانستان وفي عام 2004 اصدر مرسومًا قضى باللا مشروعية اي شكل من اشكال التعاون مع بوت.
دوافع سياسيّة
واعربت وزارة الخارجية الروسية عن شعورها بالخيبة من قرار محكمة تايلندا، واشار بيان للوزارة إلى ان تصرف محكمة تايلندا يشهد على ان قضية فيكتور بوت انتقلت من الاطار القانوني الى السياسي البحت. واشار الى ان :"محاولات حاذقة بذلت طيلة التحقيق والمحاكمة لإضفاء الطابع السياسي على القضية، وتمّت ممارسة الضغط على القضاء التايلندي". ولفت البيان الى ان كلّ هذا التدخل "الوقح"تمّ بالرغم من ان بوت لم يرتكب في اراضي تايلندا ايّ اعمال مخالفة للقانون، واغلقت جهات الامن التايلندية كافة التهم ولم توجه اجهزة الامن الروسية ايّ دعاوى بحقه.
وعلى هذه الشاكلة، على وفق بيان الخارجية الروسية، لم ينتصر الحق وانما فازت الدوافع السياسية التيتمّ فرضها من الخارج من قبل واضعي طلب الترحيل.
وأشير إلى ان قرار المحكمة الجنائية في تايلندا في اغسطس - آب2009 بعدم وجود براهين كافية لدى الجانب الاميركي لاتهام المواطن الروسي، يعمّق الشكوك بعدالة وموضوعية قرار محكمة التمييز بترحيل بوت لأميركا.
وافاد وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف ان الجانب الروسي والمحامين قدموا كافة اشكال المساعدة للمواطن الروسي، قائلاً: "لقد كنا على تواصل بفريق محاميه وبعائلته". وتعهد بمواصلة بذل كافة الجهود الضرورية، الرامية للنظر بهذه القضية بحيادية وعدالة توصّلا لقرار يبرئ المواطن الروسي ويتيح الفرصة لعودته لوطنه، حسب تأكيد لافروف.
واستدعت وزارة الخارجية الروسية سفير تايلندا لدى موسكو، وابلغته الشعور بالخيبة والاستغراب من قرار محكمة تايلندا بقضية المواطن الروسي فيكتور بوت، وجددت التأكيد على الدوافع السياسية للقرار.
ويرى مؤلف كتاب "تاجر الموت" الذي يتحدّث عن بوت، المراقب السياسي السابق لواشنطن بوست دوغلاس فارا ان ابداء روسيا القلق من قرار المحكمة القاضي بترحيل بوت الى اميركا يشهد على ان موسكو تخشى من تعاون المتهم مع التحقيقات الفدرالية الأميركية، ونقلت وكالة الأنباء الروسية عن فارا اشارته الى احتمال ان يتعاون بوت مع التحقيقات ويكشف عن علاقات روسيا "بأنظمة الظل" مبرهنًا على ذلك بتعاطي السلطات الروسيّة الخاص مع قضية بوت وتوفير اقامة له في سفارة موسكو بتايلندا طيلة فترة المحاكمة ودعم قانوني.
وأعادت الوكالة للأذهان إلى أن كتاب فارا "تاجر الموت" يكشف عن ان بوت نقل عام 2006 الاسلحة روسية الصنع من ايران الى لبنان لتشكيلات حزب الله.
وبدوره يرى محامي بوت الروسي فيكتور بوروبين ان عودة مكلّفه لروسيا ستكون ممكنة فقط بأساليب سياسية، وبرأيه أن احد الامكانات المتاحة تعتبر تبديل المتهم على غرار تبديل المواطنين الروس المتشبهين بممارسة التجسس في اميركا اخيرًا، بآخرين يقضون فترات سجن في روسيا بتهمة الخيانة العظمى، مؤكّدًا انعدام الأساليب القانونية، وان ليس ثمة طرق اخرى غير التعاطي مع القضية على طريقة التعامل مع القضايا التجسسية.
بانكوك وورقة بوت
وتشير الدلائل الى ان الحكومة التايلندية صادقت عمليًّا على قرار محكمة التمييز بشأن ترحيل فيكتور بوت إلى اميركا.
وافاد مصدر في أجهزة الامن التايلندية طلب عدم الافصاح عن اسمه بأنّ عملية الترحيل يمكن ان تتم في غضون ايام قليلة، بالرغم من ان البت في مثل هذه القضايا يحسم وفقًا للقانون على مدى 3 اشهر.
وفي الوقت الذي لميتمّ فيه التصويت في مجلس الوزراء على هذه القضية فإنّ رئيس الوزراء التايلندي ابهيست فيتتشاتشين وصف قرار المحكمة بالموضوعي ويقوم على اساس قانوني ولم يخضع لإرادة طرف اجنبي.
ويرى مراقبون روس ان للاضطربات التي شهدتها تايلندا في ابريل - نيسانومايو - أيارالماضي المناوئة لحكومة ابهيست فيتتشاتشين اثر كبير على قرار المحكمة بشأن بوت.
وأعادوا للأذهان اتهام حكومة ابهيست فيتتشاتشين موسكو بدعم المتمردين ورئيس الحكومة السابق ابهيست فيتتشاتشين، وعلى ضوء بداية محاكمة المشاركين في الاضطرابات واحتمال تجدّد المواجهات فإنّ حكومة ابهيست فيتتشاتشين التي تضمن تسليم فيكتور بوت، بحاجة ماسّة لدعم واشنطن.
من أنت ايها السيّد بوت؟
فيكتور بوت (43 عامًا) من مواليد مدينة دوشنبيه الطاجيكية انتقل لموسكو حيث خدم ضابطًا في القوات المسلحة السوفياتية ومن ثم اتخذ الامارات العربية المتحدة مقرًّا له.
وعمل في 1991مترجمًا في قوات حفظ السلام في انغولا ويتقن بوت ستّ لغات اجنبية. وتحوم الشكوك حوله منذ تسعينات القرن الماضي كونه واحدًا من اكبر تجار السلاح، وحسب المصادر الروسية فإنّ خيوط انشطته امتدت الى كافة النزاعات في افريقيا.
وبرأي المراقبين فإنه يمتلك اكبر تشكيلة خاصة من طائرات النقل في العالم.
ووفقًا لمختلف المصادر فإنّ بوت زوّد التشكيلات المسلّحة غير النظاميّة في افريقيا وافغانستان بمختلف انواع الاسلحة المستوردة من جمهوريّات الاتحاد السوفياتي السابق.
وينفي بوت كافة تلك التّهم ويؤكّد انّ شركته تمارس اعمال النقل الجوي وحسب، وان الولايات المتحدة طلبت منه التعاون مع اجهزتها الامنية لكنه رفض، لذلك تسعى للاقتصاص منه.
هذا التاريخ الغامض واللبس الذي يحيط بقضية فيكتور بوت يشار الى ان مفاجئات كثيرة ستظهر خلال التحقيقات معه ودراسة أنشطته وستبرهن إن كان الرجل بريئًا ومستهدفًا لسبب ما، أو هو متورط ويستحق العقاب.