رمضان يدفع بالسعوديّين لاستكمال سياحتهم في "عروس المصايف"

لم يؤثر شهر الصيام الذي جاء في منتصف الصيف على الحركة السياحية - الداخلية والخارجية- التي تتجه إلى مدينة الطائف السعودية، بل العكس هو الذي حدث حيث اعتبر قدوم شهر الصوم مع حرارة الجو الشديدة سببًا وجيهًا لبقاء الأهالي في المدينة المعطرة وذلك بفعل جوِّها البارد والمعتدل صيفًا.
والأمر هنا لم يتوقف على السائحين الذين كانت وجهتهم هذا العام للطائف بل شمل الكثير من السائحين السعوديين الذين عادوا من سياحتهم الخارجية القصيرة نسبيًا ليكملوها هذا العام بالطائف وتحديدًا أهالي المنطقة الغربية.

الطائف : شهدت الطائف كثافة في الإقبال السياحي على المدينة من قبل الزائرين والمصطافين من داخل السعودية وخارجها وتحديدًا من دول الخليج العربي، وذلك هربًا من الحر وبحثًا عن فعاليات ومهرجانات صيف الطائف 2010، وهي المدينة التي يتوقع لها أن تشهد حراكًا ثقافيًا على مدار العام بحسب قول مدير جمعية الثقافة في الطائف.
فالداخل لمدينة "ماء الورد" كما يلقبها أغلبية السعوديين سيشتم رائحة وردها الطائفي، وستجذبه تلك الطبيعة الخلابة التي تصطك مع طقس بارد معتدل صيفًا وهو الذي جعل منها العاصمة الصيفية الرسمية في السعودية.
أمور كثيرة تحتم علي السائح البقاء في الطائف ليس أولها الطقس المعتدل الذي لا يمكن مقاومته في هذا الصيف القائظ، إضافة إلى الأشجار الوافرة ورائحة الزهور التي تتصيدك وتدعوك للمكوث فيها وتعجزك عن مقاومة سحر هدوئها.
تراحيب المطر
وعند دخول المسافر لمدينة الطائف سيجد أمامه جملة شهيرة في استقباله منقوشة على جبال الطائف مفادها: "مرحبًا تراحيب المطر" لتنبئنا أننا في "الهدا"، كناية عن غزارة الإمطار التي تسقط على المنطقة طوال فصول الربيع والشتاء.
وقبل دخول الزائر لمدينة الطائف وتحديدًا القادم من مكة المكرمة لا بد من أن يختار أحد الطرق الثلاثة وهي: "الكر - السيل - التلفريك".
أما الطريق من مكة للطائف عبر طريق "الكر" 68 كم وهو الأكثر استخدام من قبل جميع المصطافين خصوصًا الباحثين عن "قرود الطائف" الذين يستقبلون الضيوف في أخر طريق "الكر"، حيث سيجد الزائر تجمعات كبيرة من العوائل تعمل على حدوث ازدحام لعدد كبير من المركبات، حيث المتعة لرؤية تلك "القردة" تلتم حول السيارات وتتناول وجبات الزائرين لا تضاهي، ومن يستطيع أن يلتقط صورة له فهو محظوظ وتحديدًا في حظوة الأطفال الصغار الذين يجدون متعة كبيرة في ملاطفة تلك القرود.

أما افتتاح مشروع "تلفريك الهدا" فكان أحد عوامل جذب السياح للمدينة، إذ أنه أول تلفريك في المنطقة وهنالك من لم يركبه في حياته بينما هنالك من جربه في أحد رحلاته إلى تركيا أو أي دولة أخرى.
وتتربع محطة التلفريك العلوية أعلى جبل "الهدا" وتقع المحطة السفلية في قرية الكر السياحية حيث توفر العربات المعلقة نزولاً وصعودًا رؤية شاملة لمعالمها السياحية البارزة التي يحرص المصطاف والزائر على الاستمتاع من خلالها بالمناظر الجميلة من علو شاهق.
كما سيستفيد الزائر أيضا بالمرافق السياحية التي تشتمل عليها قرية الكر السياحية في المحطة السفلية للتفريك حيث هناك الكثير من الألعاب المائية والجلسات العائلية والمطاعم.
أما طريق "السيل الكبير" فهو الأقدم والأطول مسافة إذ يبلغ طوله 90كم تقريبًا، وكان يستخدم لفترة طويلة إلى أن تم افتتاح طريق "الكر".
الهدا والورد المميز
تستقبل "منطقة الهدا" الزائر الذي سلك طريق الكر، وهي منطقة تحدها محافظة الطائف من الشرق وجبال السروات والكر من الغرب والسيل الكبير ومكة من الشمال ومن الجنوب منطقة الشفا، وتشتهر بفواكهها ووردها الطائفي المميز.
"الهدا" التي تشهد هذه الأيام كثافة عالية من قبل أهالي المحافظة ومصطافيها وزوارها حيث تتمتع بمجموعة من الخصائص السياحية المميزة والمنافسة، فهي تقع على الحافة الغربية لمرتفعات الحجاز وتطل بصورة مباشرة على سهول تهامة بارتفاع يزيد عن ألفي متر فوق سطح البحر، وهو ما يجعلها تتحف الزائرين وتمتعهم بمناخها المعتدل وطبيعتها الجبلية الخلابة.
يكثر في منطقة الهدا المنتزهات والألعاب والمطاعم والشقق السكنية التي يستأجرها المصطافين وفيها تقام أغلبية المهرجانات السياحية والفنية، وهي خدمات تمت مضاعفتها بفعل خطط التنمية السياحية من خلال إقامة المنتجعات السياحية والفنادق والشقق المفروشة.
إحياء سوق عكاظ
أوضح مدير جمعية الثقافة بالطائف فيصل الخديدي لـ"إيلاف" أنه تم تأجيل افتتاح سوق عكاظ لرؤية من الجهات العليا، مؤكدًا أن كل التوقعات تنبئ بأن الأعوام القادمة ستجعل الطائف في حراك ثقافي وسياحي على مدار السنة.
ويذكر أن سوق عكاظ كان معرضًا تجاريًا ومنتدًى اجتماعيًا حافلاً بكل أنواع النشاط، ومنبرًا يبلغ الحاضرُ الغائب بما أُعلن فيها، وما عُقد من معاهدات بين القبائل، وتُذاع أسماء من يُخلعون من قبائلهم فتسقط بذلك حقوق الواحد منهم على قبيلته فلا تحمل له جريرة.
وتشير المصادر التاريخية إلى أن بعض الأشراف كانوا يتقنعون في السوق كي لا يُعرفوا، فلا ينال منهم عدو لهم، أو يأسرهم طامع، ثم يغالي بطلب فديتهم.
وكانت السوق تاريخيا مجالاً لإطلاق الألقاب والأوصاف على الأفراد والقبائل، كما كانت الأحداث التي تجري فيها مصدراً للأمثال. وكانت تُرفع في السوق رايات الحزن إذا نُكبت قبيلة، كما فعلت قريش بعد موقعة بدر. وتُقام فيها مباريات الفروسية والسباق وغيرها.
ويرى مراقبون أن قيام الحكومة السعودية بإعادته وأحياء نشاطه الثقافي والأدبي نابع من وعيها بأهمية السوق ومن أجل استقطاب السياح السعوديين والدول الخليجية المجاورة، وهي محاولة تهدف إلى الاقتراب الاقتراب من صورة التاريخ القديم، وإعادة أهم الفعاليات التي كانت تقام آنذاك في السوق التاريخي.
روقان وحلاوة الايمان
وتشير المعلومات التاريخية عن مدينة الطائف إلى أنها تعود إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى بن مريم علية السلام، ويختلف المؤرخون منهم من يقول أن تاريخها يعود إلى عصر النبي إبراهيم علية السلام، وتعد الطائف واحدة من أقدم مدن العالم، و يندر أن يخلو كتاب في تاريخ جزيرة العرب بدون الإشارة إليها.
وتقع على المنحدرات الشرقية لجبال السروات على ارتفاع 1700 فوق سطح البحر، ويزداد الارتفاع كلما اتجهنا إلى الغرب والجنوب ليصل إلى 2500.
أما الروايات حول تسمية الطائف فاختلفت وتنوعت، فهنالك من قال إنها سميت تيمّنًا بسورها الذي يطوف على الطائف بشكل دائرة وله أربعة أبواب محتضنًا عددًا من الحارات القديمة، ومنهم من قال إن سبب تسميتها هو الملك جبريل عليه السلام الذي طاف منها حول الكعبة المشرفة.
أما الفن العمراني في الطائف فقد استمد من فنون العمارة الحجازية القديمة وفن العمارة الروماني القديم أهم مميزاتهما، وبها عدد من المتاحف والقصور كقصر شبرا التاريخي الذي بنى العام 1907 ميلادي وسكنه الملك عبدالعزيز مؤسس الدولة السعودية واتخذه الملك فيصل مقرًا لرئاسة مجلس الوزراء، كما استخدم مقرًا لوزارة الدفاع والطيران، وقد تم ترميمه ليتحول أخيرًا إلى واحد من أهم المتاحف في السعودية.
أخيرا بقي أن نقول للراغبين بالزيارة ما يتردد على ألسنة الطائفين والزائرين المواظبين حيث يتردد أن "الذاهب للطائف لابد أن يكون صاحب مزاج رائق".. فكل ما فيها يدعوك لأن تكون بهذه الحالة الرائعة، ويبدو أن الصائمين / السائحين وجدوا ضالتهم هذا العام في مدينة عطر الورد، فعاشوا حالة الروقان مع حلاوة الايمان والتقرب إلى الله في شهره الكريم.