27 أيلول يُنذر بفشل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المباشرة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
خيمت على العاصمة الاميركية واشنطن أجواء من القلق السياسي المشوب بالحذر، تزامنًا مع انطلاق المفاوضات السياسيّة المباشرة بين الفلسطينيّين وإسرائيل، إذ طرحت العديد من علامات الاستفهام نفسها حول إطار تلك المفاوضات، المرجو منها، جدول أعمالها،والدوائر التفاوضية المشاركة فيها،وموقع المفاوض الاميركي، فضلًا عن النتائج الايجابية وربما السلبية المترتبة عليها، حال اصطدام الاتفاق الذي يتمخض عنها بأرض الواقع.
قبل أيام من بدء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المباشرة، توجهت أنظار المراقبين السياسيين إلى باحة البيت الأبيض، حيث انطلقت تصريحات علنية، أشارت إلى إنهاء محادثات التقارب الفلسطينية الإسرائيلية، والبدء في مفاوضات مباشرة بين الطرفين، قد تُفضي في نهاية المطاف إلى تسوية سلمية، وإعلان قيام دولة فلسطينية مستقلة. تلى تلك التصريحات تأكيد اميركي آخر، يشير مضمونه إلى مشاركة القيادتين السياسية المصرية والأردنية في الجلسة الافتتاحية للمفاوضات المزمعة، غير أن الايجازات الصحافية المقتضبة الصادرة عن واشنطن، وبعض العواصم العربية ذات الصلة، لم تجب عن الأسئلة المتعلقة بالمسار التفاوضي، وما يترتب عليه من انعطافات تنعكس آثارها بشكل مباشر على مستقبل القضية الفلسطينية، وربما كانت هذه الأجواء الضبابية دليلًا دامغًا على تبني سياسة السرية والتعتيم الإعلامي، لتوفير مناخ جيد للتفاوض.
أسباب المشاركة المصرية والأردنية في الجلسة الافتتاحية
وزير الخارجية المصري السابق احمد ماهر، حاول إزالة بعض الغموض الذي يكتنف سريان أو على الأقل التمهيد للعملية التفاوضية، عندما قال في حديثه الخاص لـ (إيلاف) ": إن مشاركة القيادتين المصرية والأردنية على وجه التحديد دون غيرهما من قادة الدول العربية في مراسم الجلسة الافتتاحية للمفاوضات، يحمل مؤشرًا رمزيًا يدفع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى إحراز التقدم المأمول من المحادثات، لاسيما أن مصر والأردن هما الدولتان العربيتان اللتان أبرمتا اتفاقية سلام مع إسرائيل، إضافة إلى أن الجانب الفلسطيني يفتقر إلى وجود ركيزة عربية قوية، تعزز مواقفه عند الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الإسرائيليين. صحيح أن الرئيس المصري حسني مبارك، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، لن يشاركا بشكل مباشر في التفاوض، إلا انه من المقرر استعانة الفلسطينيين بدوائر تفاوضية من القاهرة وعمّان، وربما عواصم عربية أخرى في مقدمتها تونس، وذلك لتعريب التفاوض حول القضايا العالقة بين الفلسطينيين وإسرائيل وفي صدارتها الحدود والاستيطان والأمن واللاجئين والقدس والسجناء، فضلًا عن أن التواجد المصري الأردني سيكون له حيثية مستقبلية عند تطبيق الاتفاق الذي ستتمخض عنه المفاوضات. وتتمثل هذه الحيثية في التزام الطرفين المصري والأردني بتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، فالقاهرة ستلتزم بتنفيذ بعض النقاط الخاصة بالوضع في قطاع غزة، بينما سيلتزم الأردن بتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه في الضفة الغربية ومدينة القدس".
المشاركة العربية في المفاوضات ضرورة ملحّة
يعتبر السفير المصري وقنصل مصر الأسبق في إسرائيل حسن عيسى في حديثه الخاص مع إيلاف أن المشاركة العربية في المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل ضرورة ملحّة تفرض نفسها على ارض الواقع، خصوصًا أنها تهدف إلى توفير عنصر الضمان، وطمأنة المفاوض الفلسطيني حتى لا يكون ظهره مكشوفًا، وتحديدًا عند تطبيق المرحلة الأولى من المفاوضات.
أما في ما يتعلق بإشكالية قطاع غزة وإدراجه في المفاوضات المباشرة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، فيرى عيسى أن المفاوض الاميركي ربما يتعامل مع القطاع على انه إقليم متمرّد، ويرفع قضيته إلى الأمم المتحدة، ولن يجد أقطاب حماس أمامهم في نهاية المطاف سوى القبول بالتوقيع على الورقة المصرية.
وتوقع السفير حسن عيسى أن تقوم حماس والحركات الفلسطينية في قطاع غزة بعمليات مسلحة ضد إسرائيل بهدف عرقلة مسار العملية التفاوضية، إلا انه أوصى في الوقت ذاته الطرفين المتفاوضين بعدم الالتفات إليها وإدراك أبعادها. أما عن المشاركة الفلسطينية في المفاوضات بحسب السفير حسن عيسى فسيديرها وفق كافة التقديرات من 18 إلى 25 مفاوضا فلسطينيا، بمن في ذلك مفاوضون عرب وفلسطينيون يقيمون في الولايات المتحدة، بينما يدير المفاوضات من الجانب الإسرائيلي 6 لجان بقيادة مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي (عوزي أراد)، وبإشراف المحامي (يتسحاق مولخو)، أما عن تخصّصات المفاوضين الإسرائيليين، فمعظمهم خبراء في ملفات محددة، منها ملف ما يُعرف بـ"ثقافة السلام"، والجيوبولوتيكا وغيرها.
المفاوض الاميركي ليس له دور مباشر
من جانبه، يؤكد الدكتور طارق فهمي رئيس وحدة إسرائيل في المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، إن الإطار العام للتفاوض المباشر بين الفلسطينيين وإسرائيل، سينضوي حول قضايا محددة خاصة بالملفات المعنية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، ولن يكون هناك دور تفاوضي مباشر بالمعنى المفهوم للمفاوض الاميركي، وإنما يمكن وصف دوره بـ"المُيسّر أو المُسهّل" فقط، حيث ستُطرح من خلاله بعض الأفكار والرؤى، التي يمكن على أساسها صياغة جدول الأعمال والأجندة الأولية للمفاوضات.
جدير بالذكر أن الأجندة الاميركية الأولية المطروحة على جدول الأعمال التفاوضي، تدخّل في صياغتها السفير الاميركي الأسبق في إسرائيل (مارتن انديك)، و (دنيس روس) الشخصية المقربة جدًا من الرئيس الاميركي باراك اوباما، وهي الشخصية ذاتها التي زارت إسرائيل أخيرًا للحصول على ما يوصف بتنازلات إسرائيلية بهدف بناء الثقة مع الفلسطينيين قبيل عملية التفاوض المباشر، فضلًا عن تدخل عدد ليس بالقليل من المراكز البحثية الكبيرة في الولايات المتحدة في صياغة الأجندة الاميركية، ومنها مراكز "بيكر"، والأمن القومي، و"بروكنر"، وأفكار أخرى يطرحها مركز دراسات الشرق الأدنى.
الأجندة الاميركية لا تتضمن تسوية محددة
وبحسب الدكتور فهمي لا تتضمن الأجندة الاميركية مشروع سلام أو تسوية سلمية محددة، في الوقت الذي يشير فيه تصور آخر إلى احتمال عرض خطة سلام كاملة من قبل مركزي "بروكين" و"بيكر" الاميركيين. أما في ما يتعلق بسير المفاوضات المباشرة بعد الجلسة الافتتاحية، فستجرى في صيغة ما يسمى بالجلسات أو اللجان، للتباحث حول سبع قضايا رئيسة هي الأمن والحدود والمستوطنات واللاجئين والسجناء والقدس وقيام الدولة الفلسطينية. ولن تخرج الأفكار المطروحة للتفاوض في مضمونها العام عن صيغة اتفاق "جنيف" و"كامب ديفيد 2"، وبالتالي لن يخرج مشروع السلام المقترح عن هذه الصيغة، ولن يتجاوز السقف الزمني لتنفيذ الاتفاق، الذي ستتمخض عنه المفاوضات المباشرة بين الطرفين عن 36 شهرًا، مع مراعاة انه سيتم تعطيل هذه المفاوضات لفترة معينة تجري خلالها الولايات المتحدة انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، ما يعطي انطباعًا بأن الإدارة الاميركية لا ترغب في إنهاء المفاوضات خلال فترتها الحالية، وإنما تريد استكمالها في فترة الولاية الثانية لتكون بالنسبة لها ورقة رابحة عند عرضها على جمهور الناخبين الاميركيين، ما يعني أن التسوية الأولية بين الفلسطينيين وإسرائيل لن تتم إلا بعد 24 شهرًا.
الترتيبات الاستراتيجية تتقدم المطالب الإسرائيلية
ويتوقع الدكتور طارق فهمي أن تكون هناك معوقات للعملية التفاوضية من الجانب الإسرائيلي، فإلى جانب المطالب التي سيطرحها المفاوض الإسرائيلي، وستدور في مضمونها العام حول ما يوصف بالترتيبات الاستراتيجية ومنها، إقامة محطات إنذار مبكر في منطقة شرق الأردن، وان تكون الدولة الفلسطينية المستقبلية منزوعة السلاح، وحصول إسرائيل على عضوية مراقبة في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وان يضمن اتفاق التسوية تعاونًا هيكليًا وشراكة سياسية بين الدولة العبرية والأمة الاميركية، استنادًا إلى ما تم الحصول عليه بعد إبرام اتفاقات التسوية السلمية مع مصر والأردن من تأمين للدولة العبرية، خصوصًا تأمينها من مخاطر التنظيمات الشاردة وبعض الدول العربية.
يرى الدكتور فهمي أن القنبلة الموقوتة، التي قد تقف أمام مسار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المباشرة، ستنفجر بعد يوم واحد من 27 أيلول/ سبتمبر المقبل، وهو التوقيت الذي تنتهي فيه مهلة تجميد بناء المستوطنات الإسرائيلية، وفقًا للجدول الزمني الذي وضعه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ففي هذا التوقيت سيخرج المارد الإسرائيلي وزير الخارجية، رئيس حزب إسرائيل بيتنا (افيغدور ليبرمان) من صندوقه، مناديًا باستئناف البناء في المستوطنات، ولعل ما يمهد لذلك دعوة الحاخام الإسرائيلي (عوفديا يوسيف) الزعيم الروحي لحركة "شاس" لإعادة البناء في ما وصفه بجميع الأراضي الإسرائيلية بما في ذلك القدس الشرقية.
تعطيل المفاوضات من 6 إلى 9 اشهر
ورقة البناء في المستوطنات التي سيستخدمها ليبرمان لهدفين اولهما إحباط المسار التفاوضي بين الفلسطينيين وإسرائيل، ثانيًا تحقيق مكاسب سياسية ائتلافية، قد تعجّل من صعوده لمقعد رئاسة الوزراء، إذا ما جرى حل للكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، وتم إجراء انتخابات مبكرة على رئاسة الوزراء، الأمر الذي سيعطل تفاوض حكومة الليكود مع الفلسطينيين من 6 إلى 9 اشهر، ومن المرجح أن يحظى ليبرمان حينها بأكبر قدر من الأصوات، باعتباره زعيمًا قوميًا للدولة العبرية، ولن يكون هناك مكان لحزبي العمل أو كاديما (تسيبي ليفني، وايهود باراك).
إذ تشير كافة معطيات استطلاعات الرأي في إسرائيل إلى أن الإسرائيليين لا يرغبون في تغيير الأمر الواقع، سواء على صعيد العمليات الاستيطانية أو الأمن أو غيرها من ملفات عالقة مع الفلسطينيين، فضلًا عن إيمانهم بأن ليبرمان هو الشخصية المرغوب فيها، عندئذ، بحسب الدكتور طارق فهمي، سيكون من الصعب وربما من المستحيل التعويل على نتائج ايجابية للمفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، فضلًا عن أن مفاوضات الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تتحدث عن مرجعيات تفاوضية سابقة مثل ما يُعرف بوديعة اولمرت أو رابين.
ويضيف الدكتور فهمي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لن يجد أمام ضغوط ليبرمان المتعلقة باستئناف عملية البناء في المستوطنات، سوى السماح بالبناء في مناطق خط التماس، ووقف بناء البؤر الاستيطانية، كما سيطلب من مجلس المستوطنات الإسرائيلي إخلاء بعض المستوطنات، ليستمر البناء في المستوطنات المتفق عليها من البداية، لإقناع الجانب الفلسطيني والرأي العام العالمي خصوصًا الولايات المتحدة، بان هناك خطوات ايجابية تجري على ارض الواقع لصالح العملية التفاوضية، غير أن منهج الحكومة الليكودية لن يحظى وفق كافة التقديرات بإعجاب اليمين الإسرائيلي، ما يُنذر بسحب البساط من تحت أقدام نتنياهو لصالح حكومة يمينية أكثر تشددًا، أما على الجانب الفلسطيني فهناك تصور اقرب إلى الواقع عند تعثر أو فشل المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، وهو أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قد يضطر إلى حل السلطة الفلسطينية، لتعود حركة حماس إلى الداخل الفلسطيني، وتبدأ حلقة مفرغة جديدة من النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.