"الجزيرة" القطرية متهمة بالإساءة إلى الثورة في تونس

وجه تونسيون انتقادات حادة إلى "الجزيرة" أو قناة قطر كما يسمونها، على خلفية تعاطيها مع ثورة تونس. في وقت لجأ التونسيون إلى قنواتهم المحلية للتعبير بحرية لم يسبق لها مثيل في العالم العربي.

تونس: "يا خويا إنت صحافي" بعد الرد بالإيجاب قال بغضب "انتوما كذابة وتنشرو أخبار مغلوطة عن تونس" بعد استفسار عما يريد قوله بدأ يشرح "الجزيرة" تكذب على التونسيين" ثم أضاف "لو التقيت صحافيا من تلك القناة، أخبرني سأريه ماذا يعني الكذب واختلاق الأخبار، سأريه ما يمكن للتونسيين فعله". هذا التونسي يعمل نادلا في فندق "الهناء" وسط العاصمة التونسية، يعتبر أن "الجزيرة" ضد الثورة التونسية.

"الجزيرة" ضد "الياسمين"

هذا ليس موقف هذا النادل فقط، بل يتقاسمه عدد من التونسيين، شباب وشيوخ متعلمون وغير متعلمين. فرمزي، 21 سنة، يؤكد أنه لا يشاهد "الجزيرة" القطرية، وفسر ذلك بكونها "القناة الوحيدة في العالم التي تعرف النتيجة مسبقا، تعرف النقاش أين سيوجه. في الحالة التونسية أعتبرها قد ساءت إلى الثورة بتسريبها أخبار خاطئة، لقد بثت القناة خبر اعتقال رموز النظام السابق وأقارب بنعلي بلحسن الطرابلسي وصخر الماطري وأضافوا إليه سليم شيبوب، واكتشف التونسيون أنه خبر لا أساس له من الصحة، فالشخصين الأولين الذين نهبوا ثورات البلاد غادروها أما سليم شيبوب فقد كذب بنفسه الخبر. تونسيون انتقدوا قناة لا تهتم بالشأن القطري، فمزغي عبد الحميد، محامي تونسي، قال إنه لا يبحث عن الأخبار من قطر، فذكر أنه لم يكن يتابع القنوات الوطنية ولا "الجزيرة" لأنها "بوق دعاية، لكل نظامه، الأولى كانت للنظام التونسي الديكتاتوري والثانية للحركات الإسلامية. وأوضح أنه امتنع عن مشاهدة قناة "تجرم العقل".

هذا المحامي الذي شارك، حسب قوله، في كل المسيرات التي شهدتها تونس، أضاف أن "الجزيرة" تدل بوضوح على وجود فكر عربي يوظف سلاح الإعلام لتوجيه العقل العربي"، وأنها قد "تلوث على الثورة التونسية". ودعا أصحاب "الجزيرة" إلى الاهتمام بالشأن القطري الداخلي وبالشأن الخليجي لأن هناك إصلاحات على جميع المستويات تحتاجها تلك الأقطار، وترك تونس والمغرب العربي لأناسه ينهون ما بدأوه".

انقلاب في الصورة

أستاذة جامعية التقتها "إيلاف" في إحدى مسيرات المطالبة بإسقاط الحكومة، أوضحت أنها كانت تتابع، أحيانا، "الجزيرة" قبل 14 يناير كانون الثاني، لكنها تخلت عنها لصالح القنوات المحلية بالإضافة إلى استمرار متابعة قناة "العربية"، لأنها حسب الأستاذة الجامعية، "لا تتدخل في شؤوننا ولا تنتصر لتوجه إسلامي متطرف شعبوي على توجه عقلاني"، أما أحمد، رجل تعليم، فحذر "الجزيرة" وأمثالها من استغلال الثورة التونسية لتصفية حساباتها والدفاع عن أصدقائها (في إشارة إلى الإسلاميين). طبعا لا يتفق التونسيون على موقف واحد من القناة، فهناك تونسيون يتابعونها ويدافعون عنها، كياسر، شاب يبلغ 19 سنة، الذي يرى في "الجزيرة" قناة حرة ساعدت التونسيين ولم يسئ لهم. ياسر الذي قال إنه سيصوت عندما يحق له ذلك على الإسلاميين، أوضح أن "القناة دافعت عن مطالب الشعب. وحاولت "إيلاف" ليلة الأربعاء 19 يناير كانون الثاني، معرفة موقف "الجزيرة" من هذه الاتهامات أثناء تصوير فريقها لوفقة نظمت تلك الليلة، لكن صحافيها الموريتاني محمد بابا ولد شفاعة، قال "أنا من يطرح الأسئلة، أنا صحافي، إذا أردت أن تعرف موقف "القناة" اتصل بمسؤوليها"، ثم انصرف.

بوح جماعي على التلفزيون

التونسيون نفروا من قناة "الجزيرة" وجدوا ضالتهم في إعلام تونسي لم يعش يوما تحررا كما يعيشه بعد طرد الديكتاتور زين العابدين بن علي يوم 14 يناير كانون الثاني. قنوات مثل "التلفزة الوطنية التونسية" التي غيرت اسمها. كانت تحمل اسم "7" (فرضها النظام السابق تخليدا لانقلابه يوم سابع نوفمبر 1987 على لحبيب بورقيبة) و"نسمة" أو "هنيبعل". قنوات تتابع طيلة اليوم نبض الشارع التونسي تنقل احتجاجاته. مقاهي العاصمة وحاناتها وفنادقها أصبحت تجد متنفسا لها في هذه القنوات "منذ أن بدأت الأحداث تحرر قطاع السمعي البصري، نعيش حرية غير مسبوقة في تاريخ العالم العربي، كل ما له رأي يعبر عنه، لذا يطلب منا الزبائن القنوات الوطنية" يقول أحمد، مسؤول مقهى وسط العاصمة التونسية. الزبائن يتابعون باهتمام ما تبثه القنوات، أصبحت بمثابة فضاء للقطع مع المرحلة الديكتاتورية، لكن الانتقال إلى تلك المرحلة يمر عبر "صيد الساحرات".

ما يميز القنوات التونسية التي دفع صحافيوها إلى حرية بين عشية وضحاها هو تلك العفوية في تقديم البرامج ومشاكل المواطنين وطلباتهم. في شارع محمد الخامس، وسط العاصمة تونس، التقت "إيلاف" بفريق تصوير من "التلفزيون الوطني"، كانت الصحافية المحجبة على الطريقة التونسية، تسأل مواطنا عن انتظاراته وموقفه مما يحدث خاصة من الحكومة، بعد أن أنهت أخذ التصريح، حملت الميكروفون عاليا وخاطبت المحيطين بها "من يريد أن يتحدث أن يشتكي؟"، تقدم مواطن وبدأ يخرج ما في جعبته من بقايا نظام ديكاتوري. ميكروفون التلفزيون مفتوح للجميع للمعارضين من الإعلاميين والأكاديميين ورجال الأعمال إلى الوزراء والمواطنين والراغبين في تقديم شكوى، فقد اتفقت القنوات مع الجيش والشرطة على تمرير اتصالات هاتفية حول المناطق التي مازالت تعرف تدهورا أمنيا، وفور نشر شكوى المواطنين تنتقل دوريات الشرطة أو الجيش إلى عين المكان. هذه البرامج لا تراعي الجانب المهني بشكل كبير، يحدث أن يأخذ صحافي تصريحا من مسؤول أو مواطن ويرن هاتف المستجوب ثم يبدأ الصحافي في حديث جانبي عن المكالمة، دون أن يتدخل المونتاج لتقطيع هذا الجزء رغم أن التصريح غير مباشر.

نقطة أخرى جعلت التونسيون يقبلون على مشاهدة قنواتهم هو مشاهد صيد تونسيين لمسؤولين في إدارات كبيرة كان عينهم الرئيس المطرود، تنقل القنوات أحيانا مشاهد لعمليات طرد لكبار المسؤولين وتنقل تصريحات موظفين وعمال عانوا مشاكل كبيرة. حدث هذا حتى في الصحافة، إذ طرد صحافيون مسؤولو إدارة وتحرير بعض الصحف لأنهم كانوا على ارتباط مباشر ببن علي.

تنقل القنوات نقاشات ساخنة تستضيف أكاديميين وفنانين وسياسيين تخرجهم بأسئلة حول علاقاتهم بالنظام السابق، بعضهم يعتذر عما بدا منه والبعض الآخر يدافع عن نفسه. هذه الحركية في الإعلام السمعي البصري تتسم بالعفوية تساهم في تصالح التونسيين مع ماضيهم تسمح لهم باستشراف مستقبل جديد. مستقبل "لا وجود لقنوات شعبوية مثل "الجزيرة" فيه" كما يصرح إعلامي تونسي ل"إيلاف" فضل عدم ذكر اسمه.