فلسطيني يعيد "للسراج" تاريخه ويحترف صناعة الفسيفساء
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يسعى الفلسطيني نافذ ابراهيم عابد وهو مدير دائرة بوزارة السياحة والآثار إلى الحفاظ على تراث فلسطين وحضارتها وهويتها، بالنقش والرسم والنحت على الفخار.
غزة: على سطح منزله البسيط في غرفة صغيرة من الأسبست لا يتجاوز عرضها 3 أمتار، يجلس نافذ طوال الوقت مع أقربائه وأصدقائه في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، متأملا كل ما صنعت يداه، وممعنا ً النظر في لوحات الفسيفساء والأسرجة الفلسطينية التي صنعها في محاولة منه للحفاظ على تراث فلسطين وحضارتها وهويتها.
نافذ ابراهيم عابد، يبلغ من العمر 50 عاما، مدير دائرة بوزارة السياحة والآثار، دفعته الهواية للعمل في الفسيفساء والرسم والنقش والنحت على الفخار، فهو في هذا المجال منذ ثلاثين سنة، يقول في حديث "لإيلاف": "أعمل على أربعة أشياء وهي ترميم الفخار والصناعات التقليدية لجميع الأسرجة الفخارية المعتقة للحفاظ على تراثنا وحضارتنا الفلسطينية، وكذلك أعمل في جميع أرضيات الفسيفساء سواء الموجودة في الضفة أو غزة أو حتى في العالم".
وقد عمل عابد مع فريق إيطالي لترميم قطع الفسيفساء في قصر هشام بأريحا في عام 1997، وكان الوحيد الذي خرج من قطاع غزة للعمل هناك.
ويتحدث عن طبيعة عمله الخاص في صناعة لوحات الفسيفساء فيقول: "قمت بعمل بوبات نابلس وغزة وقيساريا والقدس من الفسيفساء، وهذه لوحات موجودة في الأردن، بالإضافة إلى لوحات الفسيفساء الصغيرة كالموجودة في بلدة جباليا بغزة، وهي عبارة عن تصوير للحياة اليومية الخاصة بهم كالمأكل والمشرب، بالإضافة للوحات أخرى من اللوفر الموجودة في متحف باريس وهي فسيفساء فرنسية الأصل".
ويضيف: "في غزة هناك أرضية الكنيسة البيزنطية في جباليا للوحات الفسيفساء الصغيرة، وهناك فسيفساء موجودة في مستوطنة كوسوفيم شرق دير البلح، وهي التي أحضروا لي صورها وقمت بتكبيرها ونفذتها على الطبيعة، وهناك الكثير من لوحات الفسيفساء الموجودة في أماكن كثيرة بغزة".
ويبين عابد أن اهتمام الشعب الفلسطيني بالفسيفساء قليل، وكذلك من يعملون في هذا المجال، خاصة من يتعاملوا مع الحجر الطبيعي في صناعة لوحات الفسيفساء، ويضيف: "إذا لم أجد الحجر الطبيعي فأعمل قطع الفسيفساء بالأسمنت من 2 لـ 1 بحيث تكون حبيبات الفسيفساء قوية ومتينة وطبعا أمزج الألوان حتى يكون اللون معتق ونسخة من الأصل، ثم أدخل له شبك رفيع وليس أكياس من الخيش حتى لا ينثني أو يكون قابل للكسر".
ويتابع: "الفن في الفسيفساء أيضا هو مزج الألوان على أصولها بحيث يكون اللون معتقـ وقد قمت بذلك من خلال طحن الفخار وإعادة تشكيله وحرقه مرة ثانية".
ويؤكد عابد أن كافة اللوحات من مجهوده الشخصي وماله وتعبه، ويضيف: "العمل في الفسيفساء والفخار مكلف لأنني يجب أن أصور وأشتري المعدات وأقص وأرسم، فمثلا سعر علبة الألوان تتعدى الـ 100 شيقل، علاوة على بذل جهد ووقت كبير في كل لوحة فسيفساء".
ويبين بأن سعر متر الفسيفساء لا يقل عن 500 أو 600 شيكل، بالإضافة إلى أن متر الفسيفساء يحتاج من 10 إلى 12 يوم لمدة 6 ساعات من العمل يوميا.
وإلى جانب عمله في صناعة لوحات الفسيفساء يعمل أيضا على حفظ جزء من التراث ألا وهو السراج الفلسطيني القديم، حيث يقول عابد أنه عثر على كتاب قديم في أحد أسواق "البالة" بغزة واسمه Monographs of the Institute of Archaeology وهو يعود إلى عام 1978 ويتضمن فصلا كاملا عن السراج الفلسطيني (ضوء الكاز)، ويبين: "عثرت على طبعة قديمة تحتوي على 697 سراج وتبدأ هذه الأسرجة من العصر اليوناني وحتى نهاية العصر الإسلامي، وأنا أتصفح هذا الكتاب وجدت به ما يقارب الـ 250 سراج فخاري فلسطيني على مر العصور وقمت بعملها أكثر من مرة بأشكالها وزخرفتها المختلفة، وذلك وفق مواصفاتها الموجودة في الكتاب بالطول والعرض والإرتفاع".
ويوضح: "هذه الأسرجة كانت تستخدم في السابق لإضاءة الكنس والبيوت والمساحات الواسعه التي تحتاج لأسرجة بحجم كبير، وهذه الأسرجة غير موجودة في غزة، وهي تراث صناعات تقليديه طبق الأصل، وقد صنعتها حفاظاً على تراثنا وحضارتنا وانتماءا للهوية الفلسطينية لأن الإسرائيلين غير معترفين بنا أصلا ويعتبرون الآثار الموجودة لدينا كلها آثار إسرائيلية، ولكن هذا الكتاب القيم الموجود عندي وهو من الجامعات الإسرائيلية أو المعهد العالي التابع لهم يدلل على حقيقة تراثنا وهويتنا".
ويعتبر عابد أن هذا الكتاب كنز ثمين جدا، وأنه ليس للبيع أو الطباعة، ويشير إلى أن الإسرائيليين يحاولون إخفاء الحقائق من خلال تلوين الأسرجة في الكتاب باللون الأبيض والأسود حتى لا يتم التعرف على تفاصيلها، ولكنهم يؤكد أنهم يضعوا مواصفات الأسرجة داخل الكتاب وهو ما دفعه لصناعتها وإعادة تشكيلها وفق المواصفات.
وعندما سألته "إيلاف" عن تكلفة مشروعه الصغير على سطح منزله، أجاب: "بدأت المشروع عندما كنت موظفاً في وزارة السياحة والآثار، ولكن راتبي قطعته السلطة منذ ثلاث سنوات وحتى اللحظة، ولا أعرف ما هي الأسباب، مع العلم أن ليس لي علاقة بحماس ولا الجهاد، مع العلم أني أنتمي لحركة فتح، أما أولادي فقد توظفوا في حكومة الوحدة الوطنية وبقوا على رأس عملهم، فأنا أولا وأخيرا فلسطيني وأعتز ببلدي ولا أعرف لماذا يفعلوا بي هكذا، حيث أنني لم أجد أي رد منهم".
ويأمل عابد في أن يتطور مشروعه وتتبناه مؤسسة ما، أو أن يشارك في معارض داخلية وخارجية للحفاظ على التراث والحضارة الفلسطينية، ويشير: "هذه الآثار بحاجة إلى شخص يحافظ عليها ويقوم بعمل نسخة طبق الأصل منها، فمثلا ليس هناك أحد يعمل في صناعة الأسرجة على مستوى غزة، وكذلك فإن من يعملون في صناعة الفسيفساء هم أقلة وليسوا مهرة".
ويوجه عابد رسالته إلى وزارة السياحة والآثار قائلا: "لابد أن يقوموا بعمل كتيب صغير خاص بالجيل الشاب يشرحوا فيه عن الحضارة والتراث الفلسطيني، ولا بد أن يحافظوا على ما تبقى من التراث لأن المواقع الأثرية انتهت حاليا في غزة، فقد أقاموا عليها مباني وفنادق وشليهات شمال منطقة السودانية بغزة وما حولها من المنطقة الشمالية.