أخبار

الناخب التونسي يقطع مع الماضي ويرسم مشهدا سياسيا جديدا

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تونس:قطع الناخب التونسي الاحد الماضي نهائيا مع اداة النظام السابق بمعاقبة معظم الاحزاب المحسوبة عليه واعاد في اول انتخابات حرة رسم الخارطة السياسية من اجل صياغة دستور "الجمهورية الثانية"، باختياره قوى نجحت في مخاطبته، من اليمين ويسار الوسط.
واصبح من الواضح الثلاثاء ان الغالبية الساحقة من الاحزاب المحسوبة على الحزب الحاكم سابقا سواء في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة (1956-1987) او الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي (1987-2011) هزمت في انتخابات الاحد باستثناء "حزب المبادرة" بزعامة آخر وزير خارجية في عهد بن علي كمال مرجان الذي يتوقع ان يحصل على بعض المقاعد.

ويبدو ان الناخبين خصوصا في المنستير وسوسة (الساحل) اللتين انجبتا الرئيسين الوحيدين اللذين عرفتهما تونس منذ استقلالها في 1956، نظر الى مرجان على انه شخصية دولية مرموقة اكثر منه وزيرا لبن علي خصوصا وانه لم يدخل حكومته الا في 2005.
اما باقي التشكيلات الكثيرة المنبثقة عن الحزب الذي قاد معركة استقلال تونس، التي تبارت على استقطاب قاعدة هذا الحزب هبر محاولة اعادة الحياة "لارث بورقيبة الذي انقلب عليه بن علي"، فقد حاسبها الشعب حسابا عسيرا قاطعا مع منظومة الاستبداد في تاكيد شعبي لحكم القضاء في آذار/مارس الماضي بعيد الثورة حل حزب بن علي.

ويمضي بعض المحللين في تونس الى حد اعتبار ان الناخب التونسي عبر عن رغبة في اعادة النظر بشكل جذري في الخيارات المجتمعية غير ان ذلك لا يبدو صحيحا اذ ان الشعب لم يمنح اغلبية مطلقة لاي قوة سياسية تترجم انقلابا تاما على خيارات دولة الاستقلال.
كما ان هناك شبه اجماع بين مختلف العائلات السياسية في تونس على عدم المساس بالمكاسب الحداثية في الدستور الجديد وبالفصل الاول من دستور 1959 الذي ينص على ان "تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، الاسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها".

وعاقب الشعب ايضا احزاب "المقاولات السياسية" التي ظهرت مؤخرا معتمدة على المال اذ يبدو بحسب احد المحللين انه "ضحك عليها فاخذ مالها ولم يصوت لها".
في المقابل منح الناخب التونسي بوضوح ثقته لاسلاميي حزب النهضة بالدرجة الاولى ثم لحزبي المؤتمر من اجل الجمهورية (يسار عروبي) بزعامة المعارض التاريخي منصف المرزوقي والتكتل من اجل العمل والحريات (يسار وسط) بزعامة مصطفى بن جعفر وهي القوى التي تبين انها تشبهه اكثر من غيرها والتي اتقنت مخاطبته بخلاف قوى اخرى لم تنجح في ذلك لاسباب متنوعة.

واستفاد حزب النهضة من انه مثل آخر قوة يقمعها النظام السابق خلال العقدين السابقين اذ بقي رصيده في ذاكرة الناخبين خصوصا الشباب الذين لم يعاصروا فترات قمع القوى اليسارية والقومية العربية خصوصا في عهد بورقيبة.
كما استفاد من انتشار مناضليه في الاحياء الشعبية التي تمثل خزانات انتخابية وافضلية وجودهم في منابر العديد من المساجد الشديدة التاثير على البسطاء خصوصا من محدودي التعليم علاوة على ما خلفه بث قناة خاصة تونسية فيلما فرنسيا ايرانيا تضمن لقطة اعتبرت تجسيدا للذات الالهية المحرم في الاسلام في اوج الحملة الانتخابية.

وقد اشعل ذلك جدلا حاميا بين متطرفي العلمانيين والاسلاميين (السلفيين) وصل الى الشارع واستفادت منه بذكاء حركة النهضة في كسب المواطن البسيط الغيور على دينه.
اما حزب المرزوقي فقد استفاد من قوة شخصية هذا المعارض الحقوقي والسياسي المبدئي لنظام بن علي الذي كلفته مواقفه الصلبة المنفى لسنوات في فرنسا حيث لم يتمكن من العودة الى بلاده الا بعد الاطاحة ببن علي.

كما استفاد من تاكيده المبدئي ايضا على هوية تونس. وقال "لو كنت فرنسيا لكنت لائكيا (علمانيا) لكن بما اني مسلم تونسي لن ارضى باللائكية (العلمانية) في بلدي".
واضاف ان "الدولة التي نريد ان نبنيها هي الدولة المدنية. لا نريد دولة لائكية متطرفة مثل فرنسا ولا نريد دكتاتورية اسلامية متطرفة ايرانية. تونس نريدها مدنية تحمي حقوق المحجبة وغير المحجبة ومن يصلي ومن لا يصلي".

وعلى يسار المرزوقي، حقق حزب بن جعفر (القريب من الحزب الاشتراكي الفرنسي) مكاسب مستفيدا من شخصية زعيمه الرصينة والمبدئية حيث عرف بنضاليته في عهد بن علي ورفض التحول الى معارضة "كرتونية" ثم وخصوصا رفضه المشاركة في الحكومة التي شكلها محمد الغنوشي بعيد الاطاحة ببن علي وانحيازه لخيار المجلس التاسيسي لاحقا.
وهو عكس ما فعله نجيب الشابي زعيم الحزب الديموقراطي التقدمي ابرز الخاسرين في هذه الانتخابات وكذلك احمد ابراهيم زعيم حزب التجديد (الشيوعي سابقا) اللذين توليا منصبين وزاريين في حكومة الغنوشي وبدا حزباهما اقرب الى النخبة منهما الى الجماهير الشعبية التي فشلا في اختراقها اجمالا.

اما باقي الاحزاب اليسارية والعروبية المعروفة برصيدها النضالي على غرار حزب العمال الشيوعي التونسي بزعامة حمة الهمامي، فهي ايضا في خانة الخاسرين في هذا الاقتراع بسبب عدم قدرتها في الاشهر التسعة التي تلت الاطاحة ببن علي على التاقلم مع متطلبات العمل السياسي في مناخ حر بعد عقود من تقاليد العمل شبه السري بسبب القمع.
وظهرت هذه الاحزاب مشتتة خصوصا بالتزام المركزية النقابية الحياد وهي التي كانت تجمع هذه القوى.

ومن الدلالات الاولية ايضا لهذا الاقتراع التاريخي تاكيد ان الانتخابات هي شان حزبي بامتياز اذ يبدو ان نصيب القوائم المستقلة الكثيرة (40 بالمئة من اجمالي القوائم المترشحة) سيكون قليلا وقد لا يزيد حضورها عن 10 بالمئة في المجلس التاسيسي.
اما الظاهرة التي حيرت المحللين فهي النتيجة الجيدة التي يتوقع ان تحرزها قائمة "العريضة الشعبية" المستقلة بقيادة "الاسلامي" محمد الهاشمي حامدي صاحب قناة المستقلة التي تبث من لندن.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف