"الشريعة إيبدو" عدد خاص لصحيفة ساخرة فجّر جدلاً وحرق مقرها

"الشريعة إيبدو" العنوان الذي اختارته إدارة تحرير صحيفة "شارلي إيبدو" لعددها القنبلة للتعليق على نتائج الانتخابات التونسية، والمحمل برسومات اعتبرت مسيئة للنبي واستفزت البعض في حين تعاطى معها البعض الآخر بهدوء، فجرت جدلاً جديداً حول حرية التعبير في فرنسا عندما يتعلق الأمر بالرموز الدينية للمسلمين، وزاد تأججاً مع تعرض مقر الصحيفة لهجوم.

اختارت الصحيفة الفرنسية الساخرة "شارلي إيبدو" أن "تقيّم" على طريقتها فوز الإسلاميين في الانتخابات التونسية، واستعملت نوعية من السلاح الإبداعي الثقيل، أشعل نار جدل لم تخمد بعد، لاسيما بعد أن أتت هذه النار على الجزء الأكبر من مقرها بعد هجوم عليها.

"تشارلي إيبدو" لم تنجح فقط في استفزاز جهات متطرفة ربما كانت وراء إضرام النار في مقرها، بل إنها نالت تعاطفاً كبيراً سواء من قبل السياسيين أو المسؤولين الحكوميين، من خلال تصريح واضح لوزير الداخلية الفرنسي، الذي اعتبرها قضية تهمّ كل الفرنسيين، واصفا حرية التعبير في فرنسا "بالمقدسة".

مسؤولو المؤسسات الإسلامية في فرنسا، وعلى رأسها المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، أدان بموجب تصريح لرئيسه محمد الموساوي، عملية الحرق التي تعرض لها مقر هذه الصحيفة، لكنه في الوقت نفسه، ذكّر بمكانة الرسول (ص) لدى المسلمين، مفيداً أن هؤلاء "غير مستعدين لقبول رسومات من هذا النوع".

مدير الصحيفة ورئيس تحريرها نفى أن يكون الغرض من هذه الرسومات استهداف للمسلمين، موضحا أنه "خلال 19 سنة من عمرها عرفت الصحيفة صراعا مع المتطرفين المسيحيين الذين جروها للقضاء 13 مرة، فيما رفعت ضدها قضية واحدة من طرف المسلمين"، كما أضاف "لا نستيقظ كل صباح لنفكر في ما سننشره حول الإسلام".

وكان المسجد الأكبر لباريس واتحاد المنظمات الإسلامية الفرنسية رفعا ضد الصحيفة دعوى قضائية سنة 2008 بعد أن أعادت نشر الرسومات الدنماركية الشهيرة حول الرسول.

تهجمات خطيرة

الكتابات التي وقفت عند هذا الحدث سواء على المواقع الاجتماعية أو الصحف الإلكترونية، أغرقت بالتعليقات بل إن مسؤولي الصحيفة تحدثوا عن تهجمات خطيرة استهدفت الصحيفة ورساميها، وآخر الأنباء تفيد أن مدير الصحيفة وصاحب رسم الصفحة الأولى، خصّصت لهما الدولة حراسة أمنية.

لكن لا يعرف من يقف وراء كل هذه التصريحات، أو حتى منفذ الهجوم الذي أدى إلى حرق مقر هذه الصحيفة، ولم يكشف بعد عن المتورطين فيه، وإن كانت الأنظار تتجه نحو إسلاميين متطرفين.

وهناك أصوات ارتفعت داعية للتريث في إلصاق هذه التهمة لأي طرف حتى تظهر نتائج التحقيقات الأمنية، فيما قال قراصنة أتراك إنهم وراء قرصنة موقع الصحيفة على الشبكة العنكبوتية، ولم يبد محتضن الموقع البلجيكي حماسه لفتح بابه من جديد للصحيفة بعد تلقيه تهديدات.

وتعتبر الإعلامية حنان حراث أن "إحراق مقر شارلي إيبدو مسألة فيها ضرر كبير لجميع المسلمين، خصوصا و أنه لا تفصلنا إلا أشهرا قليلة فقط عن الانتخابات المقبلة".

وقالت حراث، في حديث لـ "إيلاف"، "هذا سيساهم في إعطاء صورة عن المسلمين كطائفة لا تقبل بالنقد وعنيفة"، مضيفة "أعتقد أن دور صحيفة ساخرة هو دفع الحدود، و إلا لا يمكن اعتبارها كذلك".

لكن هذه الإعلامية ترى أن "شارلي إيبدو كانت غير مسؤولة"، موضحة "لا أنتقد حرية التعبير، التي من أجلها الكثير يناضل اليوم في العديد من البلدان بما فيها البلدان الإسلامية، و لا الحق في السخرية من الدين في بلد كفرنسا التي "أكلت القس" كما يقال منذ مدة".

وأضافت "لكن بالنسبة لي هناك قيمة تبقى فوق كل ذلك وهي العيش المشترك، و لذلك أعتبر أن تشارلي إيبدو كانت غير مسؤولة، معتبرة "أننا نوجد في مرحلة حساسة نحتاج فيها للكثير من البيداغوجيا والإجراءات وشارلي إيبدو تفتقر إلى ذلك" على حد تعبيرها.

خالد كدار: لا وجود للخطوط الحمراء

وإن كانت هناك خطوط حمراء يجب على رسام الكاركاتير احترامها، يجيب الرسام خالد كدار، "حسب رأيي الشخصي الخطوط الحمراء لا يمكن أن نعترف بها، و هي غير موجودة أصلا، فهي تستعمل للحد من حرية التعبير ولحماية محرمات لا توجد في الدين فقط، بل حتى في السياسة. رسام الكاركاتير يجب أن يكون أول من يتجاوز هذه الخطوط الوهمية"، بحسب رأيه.

وأوضح كدار في تصريح خاص لـ "إيلاف" "الكاركاتير فيه استفزاز وأحيانا اصطدام مع المتلقي، و هذا شيء عادي"، لأنه برأيه "هذه هي نقطة قوته، لكن يجب أن يكون بناء" يفسر كدار.

ويضيف الرسام المغربي المعروف، والذي سبق أن كان له مشاكل مع القضاء المغربي بسبب رسوماته، أن "الرسالة هي أهم شيء في الكاريكاتير"، فيما يكون الاختلاف في طريقة كل رسام في تبليغها.

والشجاعة في تناول "التابوهات" عنصر مهم بالنسبة لرسام الكاريكاتير، لأنه، بحسب كدار، يوجد "الرسام الجريء والذي ليست لديه الشجاعة للدخول في اصطدام مع أين كان"، وهو من يصفه (بالمهادن)، ليخلص إلى أن "رسام الكاريكاتير ليس له قيود و لا حدود بل يجب أن تكون رسالته بناءة".