أخبار

الربيع العربي والخريف الأوروبي ينتجان أزمة متوسطيّة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
مؤيدون لـ "الربيع العربي" يحملون لفتات مناصرة للتظاهرات في مختلف البلدان العربية خارج مقر الأمم المتحدة في نيويورك. أ ف ب

تعيش جميع بلدان منطقة البحر المتوسط حالة من عدم الإستقرار، من الأزمة الإقتصادية التي تمر بها حالياً إيطاليا واليونان إلى تركيا التي تحقق نمواً اقتصادياً مثيراً لكن حكومتها تثير قلق العلمانيين مروراً ببلدان عربية هز الربيع العربي أركان حكمها من الأساس.

لندن: يجري الحديث هذه الأيام عن أزمة إقتصادية عالمية رغم أن الآسيويين يفضلون تسميتها أزمة شمال أطلسية وبعض البريطانيين يقولون إنها أزمة منطقة اليورو. وهي في الواقع هذه وتلك ولكن محللين يرون انها أيضا أزمة متوسطية في إشارة الى منطقة البحر المتوسط التي كانت تاريخياً من اقدم مواطن التقدم الحضاري في التاريخ.

لا تقتصر الأزمة المتوسطية على إيطاليا واليونان بل تهدد بإحلال ركود جديد أو حتى ما هو اسوأ منه في دول الإتحاد الأوروبي عامة.

فالى الشرق من اليونان تركيا التي تديرها حكومة إسلامية معتدلة بقيادة حزب العدالة والتنمية وتحقق نمواً اقتصادياً مثيراً لكنها حكومة تثير قلق العلمانيين بملاحقات واصلاحات ومواقف سياسية تضع مستقبل تركيا موضع تساؤل، بحسب هؤلاء المحللين.

وتعيد تركيا التي تشكل جسراً بين أوروبا وآسيا تأكيد دورها في العالم العربي المجاور الذي حكمه العثمانيون والسلاجقة طيلة قرون.

وجار تركيا المباشر سوريا التي كانت دكتاتورية راسخة حتى مجيء الربيع العربي فهز اركانها من الأساس. والسؤال الآن هو ما سيحدث لنظام الرئيس بشار الأسد وشكل الحكم الذي يرثه، هل سيكون علمانيا، قوميا، أم اسلاميا؟

ولبنان الجميل لكنه هشّ محاصر بجيران اقوياء، لا سيما سوريا وإسرائيل رغم ان إيران الأبعد تتمتع بنفوذ فيه ايضا. وإسرائيل هي الاستثناء بمواطن قوتها وضعفها التي تموهها سطوتها العسكرية والدعم الأميركي.

ومصر؟ مَنْ يستطيع أن يحكم على ما يجري فيها؟ فالانقلاب العسكري الذي أطاح بنظام مبارك استجابة لانتفاضة شباط/فبراير لم يرتق الى مستوى الآمال التي عُقدت على ربيعها العربي، كما تقول صحيفة الغارديان.

أما ليبيا جارة مصر من جهة الغرب على ساحل شمال افريقيا فعلينا ان ننتظر لنرى ما سيحدث بعد عودة حلف شمالي الأطلسي الى قواعده في ايطاليا وتبدد وعود الغرب ببناء الديمقراطية فيها.

وفي تونس المجاورة، فاز حزب النهضة الاسلامي بأغلبية المقاعد في الانتخابات الأخيرة واعدا بالتعددية والحداثة والعديد من النساء الأعضاء في البرلمان. ويتطلع الجميع الى التزام الحزب بوعده.

وفي الجزائر عندما فاز الاسلاميون في الجولة الأولى من الانتخابات عام 1991 على حساب الوطنيين الذين قاتلوا الفرنسين من اجل الاستقلال، تدخل الجيش ليشعل نزاعا اهليا دمويا، وهو يتولى اختيار الرئيس منذ ذلك الحين.

وكانت الجزائر الغت حالة الطوارئ في الربيع الماضي بتأثير الأحداث الجارية في المنطقة ويواصل البلد مسيرته بفضل ارتفاع اسعار النفط والغاز اساسا ولكن الجزائر ليست نموذجا يعتد به للتقدم، على حد قول الغارديان.

ويعيش المغرب المتحرر من لعنة النفط حياة أهدأ في ظل نظام ملكي قوي أعلن دستورا جديدا ويسمح بمشاركة المعارضة في الحكم بين حين وآخر. ورغم اعتدال المغرب فان منفذي تفجيرات القطارات في مدريد التي حسم توقيتها نتيجة الانتخابات الاسبانية عام 2004، جاؤوا من المغرب مثلما جاء فرانكو عام 1936.

وبعد عقود على هامش أوروبا في عهد فرانكو عادت اسبانيا الى الانخراط في الاتجاه الاوروبي العام إثر وفاته. واقترن انضمام اسبانيا الى منطقة اليورو عام 2002 بانتعاش كبير في القطاعين العقاري والائتماني مثلها مثل دول اوروبية أخرى، لكنها الآن تواجه متاعب اقتصادية رغم ان ديونها أقل من ديون ايطاليا واقتصادها امتن من اقتصاد بريطانيا، كما ترى صحيفة الغارديان.

وخفضت وكالات التصنيف الائتماني مؤخرا جدارتها الائتمانية من AAA الى AA- بسبب تعثر نموها وارتفاع مستوى مديونتها العامة ومعدلات البطالة فيها. وإزاء هذه المؤشرات ومشاكل أخرى تتجه حكومة ثباتيرو الاشتراكية نحو الهزيمة في انتخابات 20 تشرين الثاني/نوفمبر.

ويعني هذا سقوط حكومة أخرى من حكومات الإتحاد الأوروبي منذ اندلاع الأزمة المصرفية الأولى. وتتساءل صحيفة الغارديان عما إذا كان الدور جاء على الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي يواجه معركة انتخابية للفوز بولاية ثانية العام المقبل. ولعل ساركوزي محظوظ ان يكون غريمه الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند الذي يبدو مهزوما من الآن، على غرار خصوم اوباما الجمهوريين في الولايات المتحدة.

وكانت الجبهة الوطنية اليمينية تقدمت على اليسار الفرنسي لخوض الجولة الثانية من الانتخابات ضد جاك شيراك قبل عامين وتبدو مارين لو بان أذكى من والدها المظلي السابق جان ماري. وفي الأوقات العصيبة يكون كل شيء جائزا.

فما الذي يجمع بين هذه المجموعة المختلفة من الدول عدا تشاطئها على واحد من أجمل بحار العالم والكثير من التاريخ المشترك؟

لأول مرة منذ تراجع سلطان الامبراطورية العثمانية في اواخر القرن السادس عشر بدأت حركة الثورة والأفراد تعود من جديد الى الجنوب والشرق مع عودة العالم الاسلامي الى أوروبا، هذه المرة عن طريق الهجرة السلمية.

والفضل كله يعود الى الشاب طارق محمد البوعزيزي بائع الفواكه والخضروات التونسي الذي احرق نفسه احتجاجا بعد حرمانه من مصدر رزقه باجراء اعتباطي اتخذته السلطات البلدية. ففقد البوعزيزي تفاحا وكمثرى وموزا بقيمة 44 دولارا وميزانا مستهلكا بقيمة 179 دولارا لكنها كانت كل ما يملك لإعالة أسرته.

وتناول الاقتصادي البيروفي والتكنوقراطي العالمي ارناندو دي سوتو بولار في صحيفة فايننشيال تايمز رأسمال البوعزيزي بالتفصيل قائلا انه اشترى بضاعته بقرض لم يتمكن من تسديده بعد مصادرتها. وكان ميزانه يمثل رأسمال ضائعا. وأُلغي حقه في عرض بضاعته وبيعها في مكان عام، ولم يكن لديه دخل ثابت ولا وثيقة تثبت ملكية داره أو تجارته. فان ذلك كان يتطلب معاملات بيروقراطية مكلفة.

وكثيرا ما يُقال اليوم ان ملايين العرب يرون أنفسهم في البوعزيزي. وقال شقيقه للاقتصادي البيروفي دي سوتو ان امنية البوعزيزي لأخوته العرب بحياة أفضل تبرر تضحيته يمكن تلخيصها في عبارة مؤداها "ان للفقراء ايضا حق الشراء والبيع".

وتتردد عبارات بهذا المعنى في مجتمعات من حوض المتوسط اعتادت على مستوى معيشي ليس مترفا للكل لكنه اتاح قدرا من الأمان والاكتفاء المادي خلال السنوات الخمسين الماضية بدعم من مؤسسات متطورة ما زال العالم العربي يفتقر اليها.

والائتمان، بالمناسبة، واحد من هذه المؤسسات. ولكن الجميع في منطقة المتوسط يريدون فرص عمل ومساكن وأمنا يتيح لهم العيش في ظله بكرامة. وكان مصيبا من قال "انه الاقتصاد ايها المغفل"، ولكن ليس الاقتصاد وحده. ومن يغفل مبادئ الحياة الأساسية الأخرى يتحمل تبعات غفلته.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف