لحظة عربية منحت قطر فرصة فريدة

تحير مواقف قطر السياسية تجاه الأحداث في المنطقة العربية المسؤولين العرب، فهي احتضنت أولاً الثورة في مصر ثم فرضت نفسها على التدخل الغربي في ليبيا.

لندن: ما الذي تريده قطر؟ سؤال يدور في اذهان مسؤولين عرب يتابعون دعم الامارة الخليجية الصغيرة للثورات الشعبية التي شهدتها المنطقة العربية منذ بداية العام، بدءً باحتضان ثوار ميدان التحرير في مصر ثم فرض نفسها على التدخل الغربي في ليبيا وها هي الآن تقود الحملة ضد النظام السوري المحاصر.

وفي حين أن حكاما آخرين في المنطقة يتوجسون من انبثاق نظام عربي جديد فان قطر تهلل للتغيير وتجد ارتياحا في صحبة الاسلاميين الذين ظهورا بوصفهم قوة صاعدة، محتفية بسقوط الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي استهان بمطامح الدوحة، كما تقول صحيفة فايننشيال تايمز في تقرير من الدوحة.

برزت قطر التي تعتبر من أغنى بلدان العالم، دولة مشاكسة منذ إقدام الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني على تنحية والده قبل نحو 16 سنة.

وأنشأت قطر ذات التفكير المستقل، التي يعجبها اللعب مع الكبار، قناة الجزيرة التلفزيونية قبل ما يربو على عقد وراحت تعرض مساعيها الحميدة متوسطة في المناطق الساخنة في الشرق الأوسط منذ سنوات. وكما يقول محلل سياسي عربي معروف فإن يقظة الجماهير العربية هذا العام قدمت إلى قطر فرصة فريدة. وتنقل صحيفة فايننشيال تايمز عن المحلل ان "لحظة عربية" أتاحت لقطر ان تمارس نفوذا يتعدى المال والاعلام إلى ما هو أهم بكثيرـ السياسة.

ويتولى حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئاسة الحكومة وحقيبة الخارجية معاً، وقام بدور أساسي في رسم سياسة قطر الخارجية. وقال الشيخ حمد في حديث لصحيفة فايننشيال تايمز أن قطر لم تتمكن من الوقوف موقف المتفرج على أنظمة انقلبت على شعوبها بقوة غاشمة. وأضاف الشيخ حمد "نحن في قطر لدينا مشكلة، لعلها أفضلية، لكننا نقول ما يجول في ذهننا".

ويرى محللون أن قطر ملأت فراغا في وقت تخلفت مصر، أكبر الدول العربية وزعيمتها تقليديا، عن ممارسة ثقلها في ظل مبارك، في حين تفضل العربية السعودية ممارسة دبلوماسية هادئة بعيدة عن المخاطر، بحسب فايننشيال تايمز. وفي أعقاب الثورة المصرية ستعود مصر إلى قيادة المنطقة من جديد، كما يتوقع الشيخ حمد، مؤكدا أن قطر ستدعم هذه العودة.

وأضاف الشيخ حمد في حديثه لصحيفة فايننشيال تايمز ان العلاقات مع العربية السعودية التي اعترتها منافسة مريرة طيلة سنوات، تطورت إلى تعاون متين معترفا بأن الرياض "هي الركن ، وهي البلد الكبير" في منطقة الخليج. وتقول صحيفة فايننشيال تايمز ان الانتفاضة الوحيدة التي ظلت قطر بعيدة عنها وقللت قناة الجزيرة من شأنها هي انتفاضة الشيعة ضد الأسرة السنية الحاكمة في البحرين، التي عقدت العربية السعودية العزم على إسنادها.

كما تبدى التعاون الخليجي في البحث المضني عن توافق عربي بشأن سوريا التي عُلقت عضويتها في الجامعة العربية. وحتى وقت قريب كانت قطر من أقرب حلفاء سوريا لكنها كانت ايضا أول المنقلبين على نظام بشار الأسد حين تصاعد قتل المدنيين. ورفض الشيخ حمد في حديثه لصحيفة فايننشيال تايمز الادعاءات السورية القائلة أن بعض الدول العربية تتعمد الدفع باتجاه تدخل عسكري دولي ضد دمشق قائلا أن رفض دمشق التعاون مع خطة السلام العربية هو الذي من المحتم أن يؤدي إلى "حل دولي للأزمة".

وقال الشيخ حمد "أن الضغط على سوريا هو لمصلحة سوريا لأننا نريد ان نتجنب التدخل العسكري الدولي ولكنه عليهم ان يساعدونا".

كانت مغامرة قطر الأكبر حتى الآن في ليبيا حيث شاركت بالمال والسلاح ودفعت بقاذفات ومستشارين عسكريين وأضفت وجها عربيا ضروريا على المهمة التي قادها حلف شمالي الأطلسي لحماية المدنيين، بحسب فايننشيال تايمز. ولكن في حين أن علم قطر رُفع في طرابلس حين أُقصي معمر القذافي من العاصمة فإن الدوحة تعرضت إلى انتقادات لما قال مسؤولون في المجلس الانتقالي الوطني انه دعم قطري منحاز للاسلاميين.

يقول الشيخ حمد ان دور قطر في الربيع العربي "خلق لنا من المشاكل بقدر ما حقق من نتائج ايجابية". ولكن الدوحة لا تريد التدخل في الشؤون الليبية. وأضاف "انه لم يكن استثمارا لكي نجني منه مردودا. فنحن بلد غني ولسنا بحاجة إلى مصالح".

وفي مصر ايضا هوجمت قطر بدعوى تمويلها جماعات اسلامية. وقال الشيخ حمد انه ليس هناك دعم حكومي يذهب إلى أي تنظيم ولكن إذا كانت جمعيات خيرية توفر المال ـ وهي قضية قديمة اثارتها الولايات المتحدةـ فان الحكومة ستحقق في الادعاءات التفصيلية. وبخلاف العديد من جاراتها فان قطر اتخذت منذ زمن بعيد موقفا برغماتيا من حركات المعارضة الاسلامية مسترشدة بالشيخ يوسف القرضاوي رجل الدين المصري المقيم في الدوحة ويعتبر من أقوى الأصوات نفوذا في الاسلام السني، على حد وصف فايننشيال تايمز.

وأكبر لغز تمثله قطر بنظر كثيرين هو قدرتها على القيام بدور الداعية إلى ديمقراطية تفتقد اليها في الداخل. فان رياح التغيير لم تلامس سكان قطر المدللين. ولكن حتى هناك سرت عبر تويتر في الأشهر الأخيرة دعوات إلى اجراء انتخابات مجلس الشورى التي تأخرت طويلاً، وحدد الأمير عام 2013 موعدا لإجرائها.

وقال الشيخ حمد في حديثه لصحيفة فايننشيال تايمز ان قطر بلد ديمقراطي أكثر من سواه. و"نحن نهتم بشعبنا وهناك اتفاق بيننا وبينه". وأضاف "على أية حال، ان قطر لاتنقاتل من أجل الديمقراطية بل نحن نكافح إذا بدأتَ تقتل شعبَك".