كنوز الصحراء الليبية تفتح شهية علماء الآثار
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بدأ علماء الآثار في العالم، بالتسابق لاكتشاف الصحراء الليبية بعد سقوط النظام. فالصحراء الليبية قبل 500 سنة قبل الميلاد شهدت ميلاد مملكة الجرامنت.
بعد سقوط نظام الحكم السابق في ليبيا، وتوقع بداية انفتاح كبير على العالم الخارجي، بدأ علماء الآثار في جامعات العالم المختلفة الإستعداد للتسابق من أجل استكشاف الصحراء الليبية الشاسعة المليئة بكنوز أثرية لا حدود لها، والتي لم تصلها يد الكشف حتى الآن، فالصحراء الليبية قبل 500 سنة قبل الميلاد وبالتحديد في منطقة الجنوب شهدت ميلاد مملكة الجرامنت التي شكلتها مزيج من حضارة أفريقيا الوسطى وحضارة حوض البحر الأبيض المتوسط التي كان يسيطر عليها الرومان في ذلك الوقت.
حضارة ألف عام
هذه الحضارة التي إستمرت 500 سنة بعد الميلاد ما زالت شواهدها باقية في الصحراء حتى الآن تتحدى الزمن وتنتظر من يفك طلاسمها.
يقول عالم الآثار "ديفيد ماتنجلي" من جامعة ليستر أن الصحراء الليبية ما زالت مليئة بالغموض والأسرار وقد عملنا فيها قبل بداية الثورة الليبية ضمن فريق عمل يتكون من 15 فرد، والآن توقفت إكتشافاتنا فيها بعد اشتداد العنف وعودتنا الى بلادنا ونحن بانتظار العودة مرة اخري لاستكمال الإكتشافات، التي مازال امامنا طريق طويل لإتمامها، فقد كنا في كل يوم نكتشف الجديد حيث إكتشفنا مزارع محصنة في قلب الصحراء وقرى وقلاع وبقايا معابد وأطلال مدن خاصة تلك التي ترجع الى الخمسة قرون الأولى من التاريخ البشري عندما كانت اوروبا وشمال افريقيا تخضع لحكم الرومان.
إكتشافات عالم الآثار ماتنجلي لم تكن فقط آثاراً رومانية، إنما كانت ايضا آثار من الحضارة الإفريقية بكل ألوانها وتنوعاتها فقد كانت مملكة جرامنت القديمة في قلب الصحراء مركزاً لتجارة القوافل التي انتقلت معها الى جرامنت الكثير من ثقافة وحضارة الآخرين .
من هم الجرمانتيون؟
لكن ماهي حضارة جرامنت؟ أو الجرمانتيون؟ الذين استوطنوا الصحراء قبل التاريخ وماذا تقول عنهم كتب التاريخ ؟ إن جرامنت تنتمي الى شعب "أمازيجي" وهوشعب ليبي قديم عاش في الصحراء الكبرى في القرن الثالث قبل الميلاد وكانت جرامنت مملكة قوية ومكانها تحديداً في منطقة فزان الحإلىة في الصحراء الكبرى، ويقال ان قبائل زناته الليبية تعود الى أصول الجرامنت وكانت لهم قوة شديدة البأس في منطقة الصحراء الكبرى في الفترة بين 500 قبل الميلاد و500 بعدها .
لا يعرف العلماء الإسم الأصلي للجرامنت أو الجرمانتيون، وتسمية جرامنت هي تسمية أمازيجية أو يونانية استخدمها لاحقاً الرومان إبان سيطرتهم على شمال افريقيا، ولاتوجد مصادر أخرى متوفرة حول الجرامنت سوى من المصادر إلىونانية والرومانية. ولا تزال مساحات واسعة من المنطقة الأثرية لم تكتشف بعد وفي هذا الإطار يقول الأثريون إن الصحراء الليبية لازالت بكر أمام اكتشافاتهم وينتظرها المزيد من الإكتشافات.
كان علماء الآثار قد عثروا في فترات متعاقبة على الكثير من اللوحات الملونة المرسومة على الصخور في مناطق تواجد الجرمانتيين والتي تصور حياتهم اليومية وهي في غاية الأهمية لأنها تكشف الكثير من أسس تلك الحضارة التي استمرت إلى وقت طويل في قلب الصحراء، فقد كانت امبراطورية الجرامنت امبراطورية قوية في الصحراء وقفت على قدم المساواة مع الإمبراطورية الرومانية والإثيوبية، وبفضل حسن تنظيمهم واستخدامهم للعبيد السود وعلاقاتهم التجارية مع الأجانب كالرومان والفينيقيين، تمكنوا من ضمان مستوى معيشة مرتفع بالمقارنة مع المجموعات الأمازيجية الأخرى في بقية مناطق شمال أفريقيا.
هيردوت يصف أهل الصحراء
ذكر هيرودوت في كتاباته حول شعب الجرامنت بأنهم يسكنون داخل ليبيا، وتقع أماكن سكنهم على بعد ثلاثين يوما من شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وكانوا على علاقة قوية مع دول الجوار كالسودان والنيجر، وتاجروا بالعاج والمعادن النفيسة. والعبيد وكان لديهم جيشا منظماً مكّنهم من توسيع نفوذهم ومواجهة القوى المجاورة لهم. ويذكر هيرودوت أنه شاهد لديهم عربات تجرها الخيول يستخدمونها في الحرب ضد الأثيوبيين ونظام هندسي للماء غير مسبوق.
السؤال المنطقي هنا كيف يمكن تشييد حضارة في قلب الصحراء حيث يندر وجود الماء الذي هو عماد الحياة ؟ تدل الشواهد الآثرية إلى أن الجرامنت استخدموا نظاما مائياً عبقريا وهو نظام يطلق عليه الفقارة، استخدم لتوزيع الماء وهو نظام مشابه لنظام توزيع الماء في العهد الروماني، والفقارة هي إحدى وسائل الري القديمة، تعتمد نظام القنوات كمصدر أساسي للمياه في الصحراء وهي عبارة عن مجموعة من الآبار موصولة فيما بينها بأنفاق وأخاديد، تشق لتوصيل المياه فيما بينها. والبعد بين الآبار يتراوح ما بين 15م - 18م على عمق يتراوح ما بين08 م-15م وتسير بطريقة الإنحدار الطوبوغرافي الذي يسمح بتسرب الماء ليتم وصوله إلى المخرج بواسطة ساقية ثم يتوجه إلى الحقول لتمرالمياه قبل ذلك بالقرية السكنية حنى يتزود الناس بالماء الصالح للشرب منها. ويقول ماتنجلي ان نظام الفقارة في جرامنت كان يضم 600 بئر ونفق وكان يعمل به ويستفيد منه 77 الف شخص، ووفر هذا النظام زراعات عديدة ضمت نباتات البحر الأبيض المتوسط كالعنب والتين والقمح والشعير ونباتات افريقيا الوسطي كالذرة الرفيعة والقطن وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى أن الجرمانتيون عرفوا الكثير من الزراعات قبل الرومان .
في وادي الحاجة في الصحراء الجنوبية، ما زالت آثار العاصمة جرامنت ومقابرها بادية للزائرين حيث بنى الجرامنتيون أول البيوت في الصحراء قبل 2500 سنة فهناك معبد ضخم مع درج حجري واسع واعمدة ضخمة في المقدمة وربما بني ذلك المعبد من أجل إله الصحراء أمون، ويقول مانتجلي ان لديه الكثير من العمل لكشف آثار جرامنت ولا يزال هناك الكثير من الدراسات المستقبلية لكشف طرق إختفاء حضارة جرامنت التي تميزت بالعمال المهرة والتجار والمحاربين الأشداء.