إسلاميو تونس أمام اختبار لإظهار قدرتهم على استيعاب الرهانات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
السؤال العريض الذي يطرحه البعض إزاء العملية السياسية التونسية، اليوم، هو مدى قدرة حزب النهضة الإسلامي الحاكم على استيعاب كل رهانات الغد، والتعاطي معها ببراغاماتية كبيرة، أو السقوط في الشوفينية الدينية لفائدة فئة معينة على حساب مصلحة وطن برمته.
بوعلام غبشي من باريس: يسجل مراقبون نوعًا من التحالف غير المعلن بين جزء من قواعد حزب النهضة وأقلية سلفية، تحاول أن تستثمر هوامش حرية التعبير المتاحة اليوم في تونس، لجرّ أكبر نسبة ممكنة من التونسيين نحوها، انطلاقًا من وجود يُنظر إليه بعين القلق في المجتمع المدني التونسي.
تختلف القراءات حول تفسير وضع تونس من هذا المستوى نظرًا إلى حداثة تحركات الإسلاميين مجتمعيًا بهذا الشكل وبهذه القوة، والتي كانت إلى وقت قريب غريبة عن المجتمع التونسي، إذ لم تخرج إلى النور إلا بعد ثورة الياسمين.
يعتقد ملاحظون أن السلوكيات المتطرّفة لبعض الإسلاميين في الشارع التونسي تعكس الوجه الآخر أو الوجه الحقيقي لقيادة حزب النهضة، ويرون أن كل ما يصدر منها من تطمينات تجاه الحركة التقدمية في الداخل أو تجاه الغرب يترجم التهمة الموجّهة عادة إلى الإسلاميين، أي "ازدواحية الخطاب".
فيما يقدم مراقبون آخرون قراءة ثانية لهذا الوضع، تفيد أن النهضة في صدد اختبار ردود الفعل المجتمع التونسي بخصوص قضايا معينة، من خلال أذرعه المدنية، ومعه السلفيون، بينما ترى فئة ثالثة أن حمادي الجبالي و"إخوانه" أصبحوا مجبرين على تقديم تنازلات لهؤلاء، أي السلفيين، مقابل الدعم السياسي والانتخابي الذي قدموه لهم.
وإن كان هناك من ينظر إلى هذا الواقع بالكثير من القلق، ويدعو إلى المزيد من الحذر، بالرغم من استبعادهم إمكانية نجاح أي مشروع سياسي في تونس، يهدف إلى "أسلمة الحياة العامة التونسية"، نجد كذلك من يثق في مستقبل العملية السياسية التونسية، ويعتبرها قادرة على إعادة إنتاج الديمقراطية في كل الأحوال.
فريدة عياري: "مؤشرات مقلقة جدًا
يفضّل مراقبون الحديث عن تخوف مؤداه أن يكون حزب النهضة دخل في صفقات سياسية غامضة مع السلفيين، يمكنها أن تجرّ بلد كامل إلى متاهات أخرى، خصوصًا في حال فشل النهضة في الإجابة عن الأسئلة الحقيقة للمجتمع التونسي.
الإعلامية فريدة عياري المتخصصة في الشأن العربي، تقول عن حزب راشد الغنوشي، إنه "يمارس خطابًا مزدوجًا، حيث إنه يوظف السلفيين للرفع من قيمة المزايدات. فراشد الغنوشي، بالنسبة إليها، "يتصرف كمرشد أعلى على شاكلة آية الله في إيران، وعندما يصرّح أنه يمكن الترخيص لحزب التحرير السلفي، فالأمر مقلق جدًا".
تنظر عياري إلى تصريح حمادي الجبالي، الوزير الأول المقبل حول حلول "الخلافة السادسة"، وتصريح راشد الغنوشي حول "اللغة الفرنسية التي تلوّث اللغة العربية"، بحسب قوله، و"تصرفات منتخبي حزب النهضة، الذين حاولوا جمع كل السلطات بين أيديهم بمشاركة أتباعهم، المؤتمر من أجل الجمهورية لصاحبه منصف المرزوقي، والتكتل لمصطفى بن جعفر..."، تنظر إليها على كونها عوامل "تساهم في تقسيم المجتمع التونسي"، بحسب عياري.
في الإطار نفسه، تتابع هذه الإعلامية في تصريح لـ"إيلاف"، بالقول "يجب ألا ننسى أن 60 % من التونسيين لم يصوّتوا للنهضة، في حين يتصرّف هذا الحزب كحزب وحيد. وإذا كانت غالبية التونسيين متمسكة بالثقافة العربية الإسلامية، فهي على الخصوص منغرسة في الحداثة، ومنفتحة على العالم".
تؤكد ضيفتنا، التي عملت في عدد من البلدان، وهي تونسية الأصل، أن "تونس بلد إسلامي، يمارس فيه إسلام سنّي متسامح منذ قرون. وسيكون من الصعب جرّه نحو إسلام وهابي سلفي غريب عن تقاليده". كما لا يمكن برأيها أن تنال "مزايدات بعض السلفيين، الذين يحاولون فرض النقاب على النساء وعزلهن عن الرجال في الجامعة، من عزيمة المجتمع التونسي في الحفاظ على الحقوق المكتسبة منذ الاستقلال".
فهي "لا تعتقد أن النساء مستعدات للقبول بتعدد الزوجات أو التنازل عن حقوقهن"، وتظاهر "الشابات والشباب التونسي منذ انطلاق أعمال المجلس التأسيسي قبالة مجلس النواب"، ترى فيها "مؤشرات مشجّعة على المحافظة على مكاسب تونس". لتصل إلى الإفادة بأنه "منذ 3000 سنة، وتونس كانت دائمًا ملتقى طرق الحضارات المتوسطية. وترى أنه سيكون من المؤسف، في القرن الواحد والعشرين، أن تنغلق على نفسها، وهو ما ستكون له عواقب وخيمة على نموها الاقتصادي والاجتماعي".
كما إنها لا تنظر بعين الارتياح إلى "قرار منح المجلس التأسيسي ولاية غير محددة مدتها، علمًا أن حزب النهضة وحزب المؤتمر من أجل الديمقراطية وقعا اتفاقًا إلى جانب تسعة أحزاب أخرى، حددت فيها هذه المدة بسنة واحدة"، معتبرة ذلك "أحد المؤشرات المقلقة جدًا".
وتخلص عياري إلى القول: "لدينا إحساس بأن التنظيمات الثلاثة الموجودة اليوم في السلطة تريد أن تبقى باستمرار فيها لفترة طويلة. وهذا التصرف يظهر أنه من الصعب وضع الثقة في الإسلاميين".
وليام ليدي: لديّ ثقة في مستقبل العملية الديمقراطية في تونس
يفضل أستاذ العلاقات الدولية في المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية وليام ليدي، أن يتوقف عند مصطلح "الإسلاموية" قبل تحليل وضع الإسلاميين في تونس، حيث ينظره إليه "كواقع معقد يغيّر لونه، والنقاشات الدائرة بشأنه في أوروبا بسّطته وشوهته".
ويعتقد ليدي، في حوار لـ"إيلاف"،"أن النهضة اخترقها العديد من التيارات، وتطورها الحالي يحملها إلى تبني موقف مقارب، إن لم يكن مشابهًا لموقف "أ ك بي" التركي. إضافة إلى ذلك، هنالك ضمانات كافية لتصريف ما يسميه البعض بالتراجعات".
ويرى المحلل أنه "لا يمكن أن نقلل من قدرة التونسيين على إعادة خلق الديمقراطية بالمعنى الذي تحدث عنه جون فرانسوا بيار. فالديمقراطية هي مسلسل يحوّل الفاعلين السياسيين، ويجبرهم على توافقات، وبالتالي على التعددية"، برأيه. وعن مواقف النخبة الفرنسية من بعض الأحداث، التي شهدتها تونس، وجاء بسببها إسلاميون متشددون، يقول ليدي، "هو أمر مرتبط بالموقع الذي نتواجد فيه".
ويضيف "هذه الانحرافات يجب إدانتها جنبًا إلى جنب مع الأحزاب التقدمية التونسية"، مستطردًا في السياق عينه: "أسجل نوعًا من عدم اهتمام وسائل الإعلام الفرنسية بالنقاش التونسي، في الوقت الذي يعتبر فيه حاسمًا بالنسبة إلى مستقبل المنطقة المغاربية، وبالتالي منطقتنا".
ويتابع على المنوال نفسه "شخصيًا، لديّ ثقة في العملية الديمقراطية الجارية في تونس. التقدميون التونسيون عليهم أن يستخلصوا الدرس من الانتخابات الأخيرة، وإعادة النظر في الافتراضات التي تحركهم".
تعليقًا على الموقف الفرنسي الرسمي من الواقع السياسي الحالي لتونس، يقول ليدي "لست متأكدًا أنه سيكون مفرحًا بالنسبة إلى وزير شؤون خارجية بلد مستعمر سابق، الاستمرار في التعليق أو التدخل في النقاش التونسي الداخلي...".
ويعتبر هذا المتخصص في الشأن الدولي "أن ترداد صدى النقاش التونسي داخل النقاش الفرنسي العام أمر طبيعي تمامًا. فأن تتحدث فرنسا رسميًا عن ذلك يشهد على مرحلة استعمارية مستمرة لم تنته بعد. كما كان يقول برينو إيتيان: فرنسا لم تقم بعد بحدادها على إمبراطوريتها الاستعمارية"، على حد تعبيره.