فرنسا: حق تصويت الأجانب في الانتخابات المحلية في منتصف الطريق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بتصويت مجلس الشيوخ الفرنسي قبل أيام إيجابا على حق تصويت الأجانب في الانتخابات المحلية، يكون اليسار الفرنسي الذي يملك الأغلبية في هذه المؤسسة التشريعية قد أكد عزمه على وضع هذا الموضوع في قلب النقاش السياسي المؤدي إلى الانتخابات الرئاسية، رغم أنّ اليمين الحاكم يبدو غير متحمّس له.
باريس: وافق مجلس الشيوخ الفرنسي مؤخرا على قانون يمنح حق التصويت في الانتخابات المحلية للأجانب، من خارج أوروبا، المقيمين في فرنسا. وجاءت الموافقة بفضل الأغلبية التي يتمتع بها المعسكر اليساري داخل المجلس.
يأتي ذلك قبل أربعة أشهر فقط من الانتخابات الرئاسية المقررة في شهري نيسان(أبريل) وآيار(مايو) المقبلين. وينص مشروع القانون الذي قدمته نائبة يسارية على منح حق التصويت في الانتخابات المحلية، للأجانب غير الأوروبيين المقيمين في فرنسا، وكذلك حق العمل في المجالس البلدية، لكن لا يعطي لهم الحق في شغل منصب العمدة أو نائب العمدة.
يشار إلى انعدام فرص نجاح تنفيذ مشروع القانون، إذ انه من المنتظر ألا يتم تمريره داخل الجمعية الوطنية (مجلس النواب) والتي يسيطر عليها المعسكر اليميني.
ويقول طارق بن هيبة رئيس الفيدرالية التونسية من أجل مواطنة للضفتين في تصريحات لـ(إيلاف) إنّ"وجهة نظر الأغلبية اليمينية وبعض القوميين اليساريين واليمين المتطرف لم تتغير منذ 35 سنة، فهي تستسلم أمام مسألة رفض الآخر والتقليل من شأن الأجانب ولاسيما المغاربيين والأفارقة والمسلمين" معتبرا أنّ محرك هؤلاء الوحيد هو إرضاء كتلة ناخبة عنصرية لربح الانتخابات".
ويرى رئيس الفيدرالية التونسية من أجل مواطنة للضفتين أنّ "تصويت مجلس الشيوخ على هذا الحق، نحن سنسير نحو حقبة النصر لدعاة تقنين حقوق وحق تصويت الأجانب".
ويضيف بن هيبة: "لا يوجد بين النشطاء في حركة الهجرة أي مشكل بهذا الخصوص والكل كان خلف نواب مجلس الشيوخ المحسوبين على اليسار والبيئيين لأجل التصويت إيجابا على هذا الحق، ولو أن الاختلافات انحصرت حول مضامينه، إذ يتمنى البعض أن يمتد إلى جميع الانتخابات كما ينص على ذلك دستور الثورة الفرنسية سنة 1793".
وأمام تصلب رأي اليمين الحاكم أمام هذا المطلب، يعول نشطاء حركة الهجرة، بحسب بن هيبة على "انتقال السلطة في فرنسا إلى اليسار لتحقيق هذا المطلب، معلقا على علاقة هذه الحركة بالحكومة اليمينية بالقول: "كل يوم يمر يخلقون فيه شيئا جديدا ضد حقوق الأجانب، إنها معاناة حقيقية".
الاشتراكيون وحق تصويت الأجانب
فؤاد ازوانية خريج معهد الدراسات السياسية "ديكس أونبروفانس" له قراءته لهذا الوضع، فهو يعتبر أنه "لو أوفى فرانسوا ميتران بوعده الانتخابي بمنح حق التصويت في الانتخابات المحلية للأجانب المقيمين في فرنسا، لم يكن ممكنا أن نصل إلى هنا".
ويضيف لـ(إيلاف): يعني لم يكن بإمكان أي مرشح للرئاسيات أن يقلل من شأن المهاجرين لتخوفه من معاقبته عن طريق التصويت عندما يحين الوقت لذلك، لكن اليسار فضل أن يلعب بالنار، محافظا على هذا الوعد في دولاب ذخيرته لاستعمالها لأجل خلق نوع من التوتر بين اليمين واليمين المتطرف".
في السياق نفسه يضيف فؤاد ازوانية: "من جهة أخرى اليمين، وبالتحديد الاتحاد من أجل حركة شعبية، يرفض مشاركة الأجانب غير الأوروبيين في الانتخابات المحلية، لأنه مقتنع كليا أن الأجانب المنحدرين من بلدان الجنوب، وعلى الخصوص المنطقة المغاربية، يميلون إلى التصويت لصالح اليسار".
ويفسر ذلك بكون المهاجرين يعتقدون "أن اليسار بذل باستمرار جهودا لفائدة الأجانب، على خلاف يمين سلطوي، حذر تجاههم والذي يستعمل الأجنبي القادم من بلدان العالم الثالث كفزاعة لتخويف الفرنسيين، وتقديمه كجواد طروادة في المجتمع الفرنسي".
ويشك هذا المحلل في قدرة الاشتراكيين أن يسيروا بهذا الحق نحو طريق التطبيق، وذلك من خلال تساؤله حول أن يلعب الحزب الاشتراكي بمرشح في شخص فرانسوا هولاند، من دون "كاريزم" سياسي، دورا طلائعيا في سباق الإليزيه لكي يفرض هذا المقترح الشائك بعد انتشار العنصرية والإسلاموفوبيا في ظل وصول ساركوزي إلى الحكم؟
و يذكر ازوانية أنه "لا يجب أن ننسى أن إريك بيسون القادم من الحزب الاشتراكي والذي عين وزيرا للهجرة والاندماج في حكومة فيون، إشارة للتدليل على أن رجلا من اليسار مولودا في مراكش ومن أم لبنانية قادر على أن يقوم بعمل معادٍ للمهاجرين في حكومة يمين سلطوية" حسب تقييمه.
ولا يعطي ضيفنا اهتماما كبيرا لاستطلاعات الرأي التي أكدت أن غالبية الفرنسيين مع منح الأجانب حق التصويت، معتبرا أنه "ستكون هناك استطلاعات أخرى حتى موعد الرئاسيات بموازاة مع نقاشات متباينة مع الداعين لحق تصويت الأجانب والمعادين له، والرأي العام الفرنسي يمكن أن يميل في الاتجاه المعاكس بمجرد حادث يتورط فيه أجنبي سواء في فرنسا أو في بلد آخر".
ولا يعتقد ازوانية أن الحزب الاشتراكي "بمرشح لا يتمتع بالوزن السياسي الكافي، يمكن له أن يجرّ كرة من هذا الوزن بعد 31 سنة من المحاولة الفاشلة لفرانسوا ميتران".
غياب صوت قوي يمثل الهجرة والمهاجرين
يفسر خريج معهد الدراسات السياسية غياب زعيم يحمل صوت الأجانب لتحقيق مطلب التصويت في الانتخابات المحلية، بكونه "يعود بالأساس إلى المنافسة والغيرة بين البلدان الأصلية للمهاجرين، علما أن غالبية الأجانب ينحدرون من المنطقة المغاربية".
"فهؤلاء المهاجرون، يضيف ازوانية، يوجهون من طرف بلدانهم الأصلية عن طريق القنصليات"، مقدما مثالا على ذلك ما تعرفه "انتخابات المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية من شد وجذب بين طرف موال للمغرب و طرف ثاني موال للجزائر"، بل برأيه "حتى السلطات الفرنسية تلعب اللعبة نفسها لاستمالة القادة منهم لكسب تأييدهم لسياستها تجاه الهجرة..".
ويستعرض ازوانية مثالا على ذلك، إلتجاء الساسة الفرنسيين إلى هؤلاء القادة لتمرير سياستهم تجاه المهاجرين، مذكرا في هذا الباب بتصريح الوزيرة رشيدة داتي التي عبرت عن معارضتها بطريقتها لهذا المطلب مفضلة دعوة الاشتراكيين "أن يتركوا المهاجرين في حالهم".
السبل التي يراها ضيفنا كفيلة بتحقيق مبتغى دعاة منح حق التصويت للأجانب هي تشكيل "مجموعة ضغط بالمعنى النبيل للكلمة، لا مجموعة خدمة مروضة من قبل السلطات سواء منها الأجنبية أو المحلية، للدفاع على حقوق المهاجرين، مفضلا بهذا الشأن نموذج مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية "كير" على المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية الفرنسية "كريف".
تجدر الإشارة إلى أن تصويت مجلس الشيوخ، التي عادت غالبية مقاعده أخيرا لليسار الفرنسي، يبقى سياسيا أكثر منه تشريعيا، لأن القرار الأخير يعود بهذا الخصوص إلى الجمعية الوطنية التي يعتبر اليمين، في الوقت الحالي، هو سيدها، والتشريعيات المقبلة، هي لوحدها، القادرة على الحفاظ على هذه المعادلة أو قلبها.