أخبار

الحرّيات في روسيا تراجعت بشكل كبير في ظل حكم بوتين

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تراجعت نسبة الحريات في روسيا منذ عقد من الزمن في ظل حكم فلاديمير بوتين، وفي هذه الأيام يبدي الكثير من المتظاهرين حماسة وأمل في ربيع روسي جديد، بعد عشرين سنة من ذلك الذي رافق سقوط الاتحاد السوفيتي.

المتظاهرون يتهمون حزب بوتين بتزوير الانتخابات

موسكو: احتشد عشرات الآلاف السبت في أحد شوارع موسكو احتجاجًا على تزوير شاب الانتخابات التشريعية الأخيرة، كما يؤكدون.

ورفع المحتجّون لافتات، تطالب بـ"انتخابات حرة" في محاذاة شارع ساخاروف في موسكو، في الوقت الذي قدرت الشرطة عدد المشاركين بنحو 29 ألفًا، بينما قال المنظمون إن 120 ألفًا شاركوا في الاحتجاج.

ويسعى المحتجّون إلى تصعيد الضغوط على بوتين لتنفيذ إصلاحات جذرية، تشمل النظام السياسي الروسي، الذي يخضع لقيود عديدة، معربين عن رفضهم لاعتزام فلادمير بوتين العودة إلى الرئاسة بعد انتخابات آذار/مارس، وبعد أربع سنوات قضاها رئيسًا للوزراء.

ووعد المدوّن أليكسي نافالني بـ"مليونية" مقبلة للمطالبة بإجراء انتخابات تشريعية جديدة.

وكان عشرات الآلاف قد خرجوا للاحتجاج في مناطق مختلفة من روسيا في العاشر من كانون الأول/ديسمبر، معربين عن غضبهم إزاء ما تردد عن مخالفات بالجملة في الانتخابات، التي منحت حزب روسيا الموحدة بزعامة بوتين غالبية أقل مما كان يتمتع بها.

وتعدّ التظاهرات أكبر حشد شعبي في روسيا منذ تسعينات القرن الماضي، التي شهدت قلاقل وأول بادرة على تحدٍّ متنام لهيمنة بوتين منذ 12 عامًا على البلاد.

وقال مراسل لفرانس برس إن نحو مئة شخص احتجّوا في مدينة فلاديفوستوك في أقصى الشرق الروسي، بينما تجمع عدد يصل إلى ألف شخص للاحتجاج في سيبيريا.

الحريات تراجعت في حقبة بوتين

بعد انعتاقها قبل عشرين عامًا من النظام السوفياتي،خسرت روسيا منذ عقد من الزمن - في ظل رئاسة فلاديمير بوتين العميل السابق في أجهزة الاستخبارات السوفياتية "كيه جي بي" - عددًا من الحريات المكتسبة، حتى وإن كان النظام يواجه الآن حركة احتجاج غير مسبوقة.

وللمرة الأولى منذ وصول بوتين إلى الحكم في أواخر 1999، نزل عشرات آلاف الروس إلى الشارع في كانون الأول/ديسمبر للاحتجاج على نتائج الانتخابات التشريعية، التي سجلت اتهامات بعمليات تزوير مكثفة لحساب الحزب الحاكم "روسيا الموحدة".

وعبّر أكثر المتحمسين عن أملهم في "ربيع" روسي جديد، بعد عشرين سنة من ذلك الذي رافق سقوط النظام السوفياتي.

وكان بوريس يلتسين، الذي أصبح أول رئيس روسي، أول من أطلق الجدل العام في روسيا عندما تولى رئاسة أول معارضة سياسية شرعية، وواجه آخر رئيس للاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشيوف، الذي اعتبره محافظًا جدًا.

وأثناء رئاسته، كان يلتسين في صلب الصراعات السياسية المحتدمة، ليتعامل مع برلمان متمرد لحكم بلاد على شفير الفوضى، مع العديد من وسائل الإعلام المتنوعة والحادة.

أما خلفه فلاديمير بوتين ففرض واقعًا آخر مختلفًا، حيث تمت التضحية بتنوع الآراء باسم "الاستقرار"، واختلطت التعددية السياسية بفوضى التسعينات.

أحد الرموز الكبرى لتلك القيود تمثلت في استعادة السيطرة على محطات التفلزيون الكبرى، التي منعت فيها البرامج الانتقادية والمناقشات السياسية منذ منتصف سنوات الألفين.

وفي البرلمان، تم عمومًا تبني النصوص بدون مناقشة حتى الآن، طالما يحظى حزب روسيا الموحدة بغالبية كاسحة.

والاحتجاج في الشارع لم يكن مسموحًا حتى الآن، بحيث كانت مئات عناصر الشرطة تفرّق تجمعات المعارضين بالقوة.

لكن بعد التعبئة، التي تلت الانتخابات التشريعية في الرابع من كانون الأول/ديسمبر - عبر عشرات آلاف المتظاهرين في موسكو وآلاف آخرين في المدن الأخرى - تغير الوضع.

فبعد قمع التظاهرات الأولى، واعتقال مئات الأشخاص، والحكم بالسجن على قادة المعارضة، اضطر النظام للسماح بتظاهرات، أحد شعاراتها "روسيا بدون بوتين".

وندد القادة الروس بـ"تدخل" الغربيين - خصوصًا الولايات المتحدة - الذين يدعمون برأيهم المعارضة، وحركة ترمي إلى إغراق البلاد في "الفوضى".

لكن الرئيس ديمتري مدفيديف وعد أيضًا الخميس بإجراء إصلاح سياسي وانتخابي واسع.

ورأى الخبير السياسي يوري كورغونيوك من صندوق أنديم (أنشأه مستشار سابق لبوريس يلتسين) أن النظام القائم أدرك أنه "لم يعد يستطيع أن يفعل اليوم ما كان يفعله في الأمس". لكن لا شيء يثبت أن ذلك سيدوم.

فالمعارضة تبقى متباينة ومنقسمة، وقادتها يفتقرون المصداقية، بعدما أبعدوا عن الحياة السياسية منذ عقد. كما لم تصدر أي إشارة من النظام الحاكم تدل على أنه يعتزم التنحّي.

هكذا فالحزب الحاكم روسيا الموحدة، الذي ما زال يحظى بالغالبية المطلقة في مجلس الدوما (مجلس النواب)، انتخب الأربعاء مقرّبًا من فلاديمبر بوتين، هو سيرغي ناريشكين، على رأس المجلس الجديد.

والخميس، تسلم سيرغي إيفانوف المقرب أيضًا من الرجل القوي في البلاد وعميل سابق مثله في أجهزة الاستخبارات السوفياتية، المنصب الاستراتيجي كرئيس للإدارة الرئاسية قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات، التي سيخوضها بوتين.

وإذا بقيت روسيا بعيدة عن توتاليتارية الاتحاد السوفياتي، التي تميزت بالسيطرة على كل ميادين الحياة العامة والخاصة، فإن نظام فلاديمير بوتين لم يتردد في إبداء حنينه إلى الحقبة السوفياتية.

وأكد بوتين أخيرًا أن الاتحاد السوفياتي - امبراطورية من 15 جمهورية متنوعة قوميًا وثقافيًا -لم يكن بالنسبة إليه سوى كناية عن "روسيا الكبرى".

وعلى اتهام المعارضة له بأنه يريد البقاء في الحكم حتى أكثر من ليونيد بريجنيف -الزعيم السوفياتي الذي تمسك بالحكم 18 عامًا بالرغم من أنه أصبح عليلاً - رد بوتين أن تلك الآونة لم تكن "حقبة سلبية" في تاريخ البلاد.

انهيار الاتحاد السوفيتي

وفي الخامس والعشرين من كانون الأول/ديسمبر 1991 أعلن الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشيوف عناستقالته في كلمة عبر التلفزيون، لتعمّر الامبراطورية الشيوعية حوالى 70 عامًا، ويسجل انهيارها نهاية نظام عالمي، يرتكز على الخصومة مع الولايات المتحدة.

وحينها قال غورباتشيوف في إعلان وضع حدًا لأشهر عدة من احتضار النظام السوفياتي "نظرًا إلى الوضع (...) أتوقف عن ممارسة مهامي كرئيس للاتحاد السوفياتي".

وبعد أشهر من تهاوي الاتحاد ومحاولات استعادة زمام الأمور (13 قتيلاً في فيلنيوس في كانون الثاني/يناير)، وانقلاب فاشل في آب/أغسطس، وإعلانات استقلال متسلسلة، أعلن رؤساء ثلاث جمهوريات أساسية - بوريس يلتسين رئيس روسيا ونظيراه في أوكرانيا وبيلاروسيا - في الثامن من كانون الأول/ديسمبر أن اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية "لم يعد موجودًا".

وبعد رحيل غورباتشيوف، نزع العلم الأحمر مع المنجل والمطرقة عن الكرملين.

هكذا اندثرت الإمبراطورية الشيوعية، التي لعبت دورًا كبيرًا في انتصار النازيين، وأرسلت أول رجل إلى الفضاء، لكن قادتها قاموا بتصفية ملايين من مواطنيهم بدون رحمة.

وسجل ذلك أيضًا نهاية الحرب الباردة ونظام عالمي ثنائي القطب، ما جعل الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم.

وأصبحت معظم الجمهوريات السوفياتية الـ15مستقلة للمرة الأولى في تاريخها، لتواجه تحدي إقامة هوية وطنية، واقتصاد متين، وهي أهداف لم يتحقق الكثير منها.

وتعاني روسيا من جهتها خسارة وضعها كقوة عظمى في وجه الولايات المتحدة.

والرجل القوي في البلاد فلاديمير بوتين، الذي تولى رئاستها من العام ألفين إلى 2008، ثم أصبح رئيسًا للوزراء، وأعلن عن نيته العودة إلى الكرملين عبّر عنترشحه إلى الانتخابات الرئاسية، المرتقب إجراؤها في آذار/مارس 2012، أشار بصراحة متزايدة إلى حنينه إلى الاتحاد السوفياتي.

وكان سلفه بوريس يلتسين، الذي توفي في 2007، يعتبر من جهته أن تفتت الاتحاد السوفياتي أمر محتوم.

اختفى الاتحاد السوفياتي بدون كارثة حقيقية، لكن السنوات التالية سجلت تدهور البنى التحتية وإفقار السكان، إضافة إلى نزاعات محلية، أودت بحياة مئات آلاف الأشخاص.

وشهدت طاجيكستان حربًا أهلية ضد الإسلاميين. وتواجهت أرمينيا وأذربيجان بسبب جيب ناغورني قره باخ الانفصالي. وقامت روسيا بحملتين دمويتين في جمهورية الشيشان الصغيرة المتمردة. كما حاربت جورجيا الانفصاليين في أبخازيا وفي أوسيتيا الجنوبية.

ولم تتم تسوية أي من هذه النزاعات بصورة نهائية. فالإسلاميون ما زالوا يهددون في طاجيكستان، وناغورني قره باخ تشهد سلامًا هشًّا، فيما انتشرت حركة تمرد إسلامية في كل منطقة القوقاز الروسية.

وللمرة الأولى منذ سقوط النظام السوفياتي، أرسلت روسيا دباباتها في آب/أغسطس 2008 إلى جمهورية جورجيا، التي أرادت استعادة السيطرة على أوسيتيا الجنوبية.

وبعد محاولات للإصلاحات الليبرالية، كانت حماسية في البداية، ثم فقدت شعبيتها في ظل رئاسة بوريس يلتسين، بدأت روسيا تنظر باتجاه ماضيها بعد وصول فلاديمير بوتين إلى الحكم.

فأعاد بوتين النشيد السوفياتي السابق، وفرض قيودًا على وسائل الإعلام والمسرح السياسي، ووضع كل ثقله ليجمع حول روسيا الجمهوريات، التي كانت تدور في فلكها.

واتهم بذلك بأنه يريد إعادة الاتحاد السوفياتي، الذي وصف انهياره في 2005 بأنه "أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين".

بعد انفراج واضح في تسعينات القرن الماضي، وبالرغم من "انطلاقة جديدة" مع رئاسة باراك أوباما، تبدي موسكو مجددًا طموحاتها بأن تصبح قوة عظمى، وتعارض بقوة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة بشأن مشروعهما إقامة منظومة الدرع المضادة للصواريخ في أوروبا.

وتستخدم روسيا، التي ما زالت تقيم علاقات مميزة مع حلفائها القدامى في الحقبة السوفياتية، مثل كوريا الشمالية وإيران وكوبا وسوريا، حقها في النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، لتعرقل مع الصين مبادرات غربية، خصوصًا ضد النظام في دمشق.

لكن بعد عشرين سنة لا يشير أي شيء إلى أن اتحادًا جديدًا أمر ممكن حدوثه على أراضي الاتحاد السوفياتي السابق.

فدول البلطيق الثلاث انضمت إلى الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي، فيما جورجيا تطمح إلى القيام بالمثل، وأوكرانيا، التي يغويها سلوك الطريق نفسه، تنفر أيضًا من الخضوع لموسكو.

وما زالت النتائج الاجتماعية والاقتصادية لسقوط الاتحاد السوفياتي مستمرة في المنطقة.

فمولدافيا وطاجيكستان، عند أقصى طرفي الامبراطورية السابقة، تعانيان الفقر، إذ يتراوح إجمالي الناتج الداخلي للفرد بين 1800 و800 دولار على التوالي، بحسب معطيات البنك العالمي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف