لينين والماضي السوفياتي ما زالا حاضرين بقوة في روسيا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
التنقل في موسكو يشبه أحيانًا رحلة في الزمن الماضي، فلا يزال الماضي السوفياتي حاضراً في روسيا رغم مرور 20 عاماً على زواله... لينين ما زال راقدًا في ضريحه في السّاحة الحمراء وصورته منتشرة في كل مكان مع المنجل والمطرقة ورموز شيوعية أخرى.
موسكو: بعد عشرين سنة على زوال الاتحاد السوفياتي لا يزال الماضي السوفياتي حاضرًا بشكل كبير في روسيا. فلينين ما زالراقدًا في ضريحه في الساحة الحمراء في موسكو، كما إن صورته منتشرة في كل مكان مع المنجل والمطرقة ورموز شيوعية أخرى.
تثير هذه الآثار الدهشة بدءًا بتماثيل لينين المهيبة في موسكو أمام وزارة الداخلية ومحطة لينينغراد للقطارات، التي ما زالت تحتفظ بهذا الاسم، بالرغم من أن لينينغراد استعادت اسمها السابق، أي سان بطرسبرغ.
المستغرب أيضًا أن سان بطرسبرغ هي اليوم المدينة الرئيسة في منطقة ... لينينغراد.
التنقل في موسكو يشبه أحيانًا رحلة في الزمن الماضي، تتمثل في جادة الذكرى الستين لثورة أكتوبر، وجادة كومسومول (الشبيبة الشيوعية) والشارع الماركسي وساحة الثورة ومكتبة لينين ومصنع المنجل والمطرقة ومحطات مترو الحرس الأحمر والبروليتاري أو أكتوبر ومسرح لنكوم (كومسومول لينين)...
يندهش البعض لأن إحدى جادات العاصمة الروسية تحمل اسم يوري أندروبوف، الذي ترأس أجهزة الاستخبارات السوفياتية (كي جي بي) خلال سنوات، وأرسل المنشقين إلى المعسكرات والمصحات النفسية، واضطهد الكاتب الكسندر سولينتسين، والحائز جائزة نوبل للسلام اندريه سخاروف.
الوضع مشابه في المناطق الأخرى، حيث توجد في كل مدينة تماثيل للينين، وشوارع باسمي لينين وكارل ماركس، وغالبًا شارع باسم دزرينسكي مؤسس الشرطة السرية السوفياتية المشؤومة السمعة.
يزين تمثال نصفي لهذه الشخصية، التي تبقى مهمة بالنسبة إلى أجهزة الأمن الروسية، الباحة الداخلية لمقر الشرطة في موسكو. وتحمل إحدى ضواحي العاصمة اسم دزيرينسك، وكذلك مركز صناعي على مسافة 370 كلم إلى شرق موسكو.
وقال المؤرخ يان راتشينسكي العضو في منظمة ميموريال، التي تنشط من أجل الحفاظ على ذكرى عمليات القمع في الحقبة السوفياتية، بغضب "لماذا يكرّم لينين ودزيرينسكي ومجرمون آخرون هكذا؟، لماذا تترك هذه اللوحات التذكارية على المباني التي وطأها لينين ذات مرة؟ موسكو ما زالت مدينة شيوعية".
التباين كبير فعلاً بين العدد المذهل للنصب واللوحات التذكارية، التي تشير إلى الماضي الشيوعي، والغياب شبه التام لما يمكن أن يذكر بالجوانب المأساوية لتاريخ الاتحاد السوفياتي.
وقالت المؤرخة إيرينا شتشيرباكوفا العضو في ميموريال في مقابلة مع فرانس برس "لا توجد أية لوحة على سجون موسكو تشير إلى أن عشرات آلاف الأبرياء سجنوا فيها".
في المقابل لا يزال مسؤولون عدة عن عمليات التطهير الدامية في الحقبة السوفياتية، خصوصًا دزيرينسكي وخلفه منينسكي، يحتلون مركز صدارة في قلب العاصمة عند أسفل أسوار الكرملين وإلى جانب قبر ستالين.
ولفتت شتشيرباكوفا إلى "أن العمل على الماضي، الذي بدأ مع سقوط الاتحاد السوفياتي، قد توقف".
وحدهما سولينيتسين وسخاروف يكرمان اليوم بإطلاق اسم كل منهما على شارع، حتى وإن كانت هذه الشوارع موجودة في أحياء لا تشهد حركة كبيرة.
وتطالب ميموريال منذ سنوات عبثًا بأن تتحول النيابة العامة العسكرية السابقة، التي أصدرت 30 ألف حكم بالإعدام بين 1936 و1938، إلى متحف للرعب أو نصب تذكاري يكرّس لضحايا عمليات القمع.
ترفض السلطات أيضًا وضع لوحات تذكارية في موسكو، حيث عاش الكتاب فارلام شالاموف وإسحق بابل ويوري دومبروفسكي ضحايا الرعب الستاليني، كما قال راتشينسكي.
وخلص المؤرّخ إلى القول "قد يعتقد أن هذه المشكلة ثانوية، لكنني مقتنع بأنه يجب أن لا نحلم بدولة قانون في روسيا طالما بقي تمثال دزيرينسك النصفي أمام مقر شرطة موسكو، وطالما تحمل شوارع ومدن أسماء مجرمين".
ولم يبد رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين والرئيس ديمتري مدفيديف أي نية للتخلص من آثار الماضي السوفياتي.
وكان بوتين الضابط السابق في الكي جي بي إبان الحقبة السوفياتية وصف في العام 2005 انهيار الاتحاد السوفياتي بأنه "أكبر كارثة جيوسياسية" في القرن العشرين.
خصومة غورباتشيوف ويلتسين واكبت نهاية الاتحاد السوفياتي
وقد عاش الاتحاد السوفياتي الأشهر الأخيرة قبل انهياره على وقع مبارزة أسهمت في تدميره بين الرئيس الروسي النزق بوريس يلتسين والزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشيوف، الذي انتقد لتردده، وانتهى به المطاف إلى الاستقالة في 25 كانون الأول/ديسمبر 1991.
ففي تلك السنة، سعى غورباتشيوف إلى الحفاظ على وحدة امبراطورية مترامية الأطراف، تضم 15 جمهورية ذات تطلعات انفصالية. وإذا كان يلتسين رئيس أكبر هذه الجمهوريات دعم رسميًا هذه الخطوة، إلا أنه سعى في الوقت نفسه إلى تقويض سلطة غورباتشيوف، الذي اعتبر إصلاحاته خجولة جدًا.
وأصبح اختبار القوة ذلك رمزًا لانهيار الاتحاد السوفياتي.
فـ"التنافر والخصومة بين هذين الرجلي أعطيا طابع مسلسل درامي مؤثر لانهيار الاتحاد السوفياتي، حتى وإن لم يفسر ذلك الأسباب"، كما لفت المحلل السياسي دانييل تريسمان في كتابه "العودة: مسيرة روسيا من غورباتشيوف إلى مدفيديف".
لكن تطلعات يلتسين وغورباتشيوف كانت واحدة في الأصل. فقد ولدا بفارق شهر في العام 1931، وهما من ذلك الجيل، الذي لم يكن متواطئًا مع النظام الستاليني. حتى إن عائلتيهما وقعتا ضحية عمليات التطهير.
وقد عمل كلاهما جاهدين لصعود المراتب في الحزب الشيوعي، "غوربي" في منطقته الريفية الزراعية ستافروبول (جنوب غرب) ويلتسين في منطقة سفردلوفسك الصناعية في الأورال.
وعندما وصل غورباتشيوف إلى قمة الدولة في آذار/مارس 1985، أحاط نفسه بـ"شبان" من أنصار الإصلاحات ما تباين مع السن المتقدم لأسلافه. وعهد ليلتسين آنذاك السيطرة على موسكو.
لكن الوقائع السوفياتية ستنال من ذلك التفاهم.
فيلتسين النزق الطباع أحيانًا إلى حد التهور - حيث فقد إصبعين عندما كان طفلاً أثناء تفكيكه قنبلة بضربات مطرقة - كان يريد مزيدًا من الإصلاحات، في حين كان غورباتشيوف يحاول مراعاة المحافظين في النظام.
ووقعت القطيعة في العام 1987. إذ انتقد يلتسين الزعيم السوفياتي أمام قيادة الحزب. واستبعده غورباتشيوف، وأقسم له "لن أدعك تعود إلى السياسة".
لكن يلتسين، الذي شعر بأنه منسجم مع تطلعات الشعب، عاد أمام الحزب الشيوعي للمطالبة بـ"إعادة تأهيله".
وانتخب في البرلمان السوفياتي في 1989 أثناء انتخابات تواجه فيها للمرة الأولى مرشحون عدة، ثم تولى قيادة نواب المعارضة. وسعى حينذاك إلى تعزيز مؤسسات جمهورية روسيا، من خلال الانتقاص من صلاحيات غورباتشيوف.
وأصبح رئيسًا لبرلمان الجمهورية، وأعلن في 12 حزيران/يونيو 1990 سيادة روسيا. وبعد عام من ذلك، انتخب في اقتراع عام مباشر رئيسًا لروسيا السوفياتية.
وباتت موسكو تضم سلطتين، سلطة بوريس يلتسين الرئيس الروسي، الذي يصعد نجمه، وسلطة الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشيوف التي بدأت تهتز.
وبالرغم من كل شيء، اعتقد يلتسين أن الاحتفاظ بالاتحاد بشكل مخفف أمر ممكن. لكن هذا الخيار تلاشى مع انقلاب فاشل لثلاثة أيام (آب/أغسطس 1991) دبّره الحرس السوفياتي القديم.
لكن إذا كان غورباتشيوف قد عاد إلى موسكو فإن ذلك كان بفضل عدوه، الذي وقف على دبابة يحمّس الجمهور ضد الانقلابيين.
ثم اضطر غورباتشيوف في خطوة مذلة له لشكر يلتسين، الذي واصل تقدمه، وحلّ الحزب الشيوعي في روسيا.
وفي كانون الأول/ديسمبر، لم يعد الاتحاد السوفياتي سوى هيكلاً متهاويًا عندما وقع يلتسين مع رئيسي أوكرانيا وبيلاروسيا معاهدة تضع حدًا للاتحاد السوفياتي. ثم استقال غورباتشيوف، الذي فقد شعبيته، في 25 منه.
وبعد عشرين سنة، وفيما توفي يلتسين في 2007، ما زالت الضغائن ماثلة. وقال غورباتشيوف في شباط/فبراير 2011 لإذاعة سفوبودا "كانت أسوأ الخيانات. كنا نجلس معًا ونتحدث ونتفق، ثم يفعل العكس من وراء ظهري".
وإذا كان يلتسين كسب تلك المبارزة فإنه شهد في النهاية مصير سلفه. فبعدما بدأ بحماس انتهت التسعينات في الفوضى من بؤس وتضخم وفساد، إضافة إلى حرب الشيشان.
وفي كانون الأول/ديسمبر 1999 استقبلت البلاد استقالة الرئيس الروسي، الذي ضعف بسبب تناوله الكحول، بارتياح، مثلما استقبلت استقالة غورباتشيوف قبل ذلك بـ8 سنوات.
التعليقات
عودة للمستقبل
سعيد دلمن -لا يمكن محو ذاكرة عن ثورة كان لها الفضل في تغير حياة البشرية... وأسهمت في تقليم وتهذيب الغول الرأسمالي المتوحش للمال والسيطرة على مقدرات الشعوب ووضع حد للاستغلال البشع والإجرامي لحياة ملاين من العمال والكادحين والأطفال في مواقع عمل ومصانع تفتقد لأبسط متطلبات شروط العمل الإنساني..لقد كانت ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى حدث تاريخي واجتماعي وسياسي وعلمي لا يمكن أزالتها بتعثر مسيرتها وسوء تطويرها إلى آفاق خلاقة..لقد انبثقت خطوطها وملامحها من معاناة وبؤس ملايين المضطهدين حول هذا الكوكب ..فالطريق نحو مجتمع العدالة والمحبة والإنسانية والديمقراطية الحقيقية لن ينتهي بهذا التوقف المرحلي ..فالحلم نحو مجتمع العدالة ملازم لحياة البشرية منذ بداية التاريخ وسوف يبقى ملازم له مادام هناك ظلم واستبداد وعبودية بكل ملامحها الحديثة والقديمة ..وكل عام وهيئة تحرير إيلاف وقرائها بخير ومحبة...