مناطق المغرب الجبلية تعاني إهمال الدولة

تعاني مختلف المناطق الجبلية في المغرب من أحوال جوية قاسية يرافقها إهمال الدولة في تأمين المستلزمات الأساسية كالطبابة والغذاء والتعليم، ما يدفع بالبعض إلى النزوح.

الرباط: مع حلول فصل الشتاء وتساقط الثلوج تزداد مخاوف سكان المناطق الباردة في المغرب من مواجهة موجة البرد القارس المصحوبة بحصار الثلوج في غياب أبسط شروط الحياة، وحسب إحدى الدراسات الميدانية فإن 935 قرية عبر 19 ولاية بمجموع 376 ألف نسمة هي الأكثر تعرضا لعزلة تامة لفترات طويلة بسبب الثلوج، كما جرى تصنيف 400 قرية بالمغرب ضمن الأماكن الأكثر عرضة للخطر، فقساوة حصار الطبيعة في فصل الشتاء مازال جاثما على سكان أقاليم إفران وتاونات وخنيفرة وأزيلال وتارودانت وميدلت والحاجب وبولمان وصفرو والحاجب والرشيدية والحسيمة والشاون والحوز، في ظل العجز الحكومي الواضح عن إنجاز مخطط ناجح كفيل بفك العزلة عن هذه المناطق وتشجيع السياحة الجبلية.

معاناة قاسية يكابدها سكان مدن وقرى الأطلس والريف في المغرب جراء البرد القارس، حيث يقطن المواطنون في بيوت طينية لا تضمن تمتعهم بالخصوصية وشعورهم بالآمان.
تعيش آلاف الأسر في المناطق المرتفعة حيث يبلغ ارتفاع الثلوج مترين أحيانا ويصبح عبور الطريق إلى السفوح الجبلية مخاطرة غير محسوبة العواقب، وتصبح العديد من القرى في شبه عزلة تامة.

إلى جانب قساوة الطقس، يواجه أهالي الجبال مشكلة ارتفاع أسعار حطب التدفئة، حيث يبلغ ثمن الطن الواحد 1000 درهم مغربي بينما تحتاج كل أسرة إلى 3 أطنان على الأقل لسد حاجياتها، بل تبقى بعض المناطق محرومة من الحطب كما هو الحال في إقليم الحسيمة - وفق ما كشفه الناشط الحقوقي علي بنمزيان، وهو ما يدفع المواطنين إلى الترامي على الغابات بمنطقة كتامة بجبال الريف، وتصل الأمور إلى حد حرمان العديد من المؤسسات التعليمية بجهة الحسيمة من التدفئة رغم وجود ميزانية خاصة بالتدفئة لدى وزارة التربية الوطنية - يقول بنمزيان في حديثه لـ " إيلاف "، علما أن هناك مدارس يعاني فيها الأطفال من البرد القارس ومن تسربات مياه الأمطار وهو ما يجعل رجال التعليم وكذلك التلاميذ يمتنعون عن مزاولة أنشطتهم الدراسية وهو ما يؤدي إلى هجرة السكان .

بنمزيان أشار أيضا إلى أن تساقط الأمطار بنواحي كتامة كاف لتقطع المسالك، وأضاف أن هناك مجالس قروية تقوم بدورها في فك العزلة عن السكان حيث يمتلك بعضها جرافات، مثل جماعة كتامة، لكن بعض الحوادث تفوق قدرة المجالس الجماعية مثل الفيضانات، فوزارة التجهيز تمتلك بعض الآليات وهي موجودة في مركز إساكن لكنها في غالبيتها معطلة. كما حذر أيضا من خطورة الطريق الجهوية الرابطة بين تاونات والحسيمة السريعة الإنزلاق، إذ كان من المفروض أن تبادر وزارة التجهيز برش نوع من الملح لمنع انزلاق السيارات، لذلك فالعديد من المواطنين غير المدركين لخطورة هذه الطريق قد يكونون عرضة لحوادث سير قاتلة، في ظل حظوظ ضئيلة لحضور سيارة الإسعاف خاصة أثناء الليل.

وبخصوص توفير الأدوية المقاومة لنزلات البرد في فصل الشتاء في المراكز الصحية، أشار بنمزيان أن الأدوية الأساسية موجودة في المراكز الصحية الحضرية لكن المراكز الصحية القروية تعد شبه مغلقة، ووجود الممرضين فيها يشكل الإستثناء وليس القاعدة .

ويكشف الناشط السياسي علي العروسي في حديث لـ"إيلاف"، أن سكان إقليم ميدلت بالأطلس المتوسط، وخاصة منطقة تونيفت وإيترز يعانون من المشاكل والمخاطر نفسها، حيث يفتقد المواطنون إلى القدرة على اقتناء حطب التدفئة، نظرا لتدهور الغابات بجبل العياشي ومنطقة تونفيت بإقليم ميدلت، جراء رغبة الدولة في الحفاظ على تلك الثروة الشجرية، فثمن حطب التدفئة الذي لم يكن يتجاوز 70 درهم مغربي للقنطار أصبح الآن 130 درهم وهو ما يعني أن كلفة فصل الشتاء قد تصل في المعدل المتوسط إلى مبلغ 3000 درهم وهو ما يجبر السكان الضعيفي القدرة الشرائية على التدفئة في الفترات المسائية حتى في الأيام الباردة.

العروسي أشار أيضا إلى أن الهاجس الأكبر لدى سكان إقليم ميدلت هو توفير الحطب، حيث يشرعون في الإعداد لموسم الشتاء منذ الصيف عبر إدخار ما يلزم من الحطب قليل الكلفة مقارنة مع فصل الشتاء، عوضاً عن التفكير في قضاء العطل في أجمل المنتجعات السياحية كما هو الحال بالنسبة لمواطني المناطق المعتدلة الحرارة. كما دعا إلى ضرورة تمكين السكان من الإستفادة من أسعار مخفضة للكهرباء لمساعدتهم على مواجهة البرد القارس عبر استعمال المدفئات الكهربائية.

حجم المعاناة من برودة الطقس يشتد في المناطق النائية مثل منطقة أنفكو ومنطقة أوددي بإملشيل، حيث تنقطع الطرقات جراء تساقط الثلوج، وحيث يصعب وصول كاسحات الثلوج، حسب العروسي، إذ يصلها فقط الدرك الملكي عن طريق المروحيات لتوزيع المساعدات الغذائية على السكان. إلى جانب البرد وانقطاع الطرقات، يعد ارتفاع ثمن المواد الغذائية بسبب كلفة النقل مشكلة أخرى، فمثلا قارورة الغاز من الحجم الصغير يصل سعرها في بعض المناطق إلى 15 درهم في حين أن ثمنها العادي هو 10 دراهم.

وينتقد العروسي عدم توفير مراكز صحية قريبة من السكان في المناطق النائية لتوفير العلاج من نزلات البرد، كما دعا إلى ضرورة حضور الطبيب المعالج إلى المراكز الصحية والممرضين إلى المستوصفات الصحية من أجل معالجة المرضى أو التبليغ عن الحالات المرضية المستعصية.

وفي إقليم إفران بمنطقة الأطلس المتوسط لازال التلامذة يكابدون المعاناة مع البرد القارس بصمت في ظل هشاشة بنيات المؤسسات التعليمية، وكذلك تفشي الفقر الذي يجعل الآباء غير قادرين على توفير الملابس الواقية من البرد لأبنائهم، أو حتى توفير التغذية التي تعطيهم الطاقة اللازمة لمواجهة قساوة الطقس، ما يؤثر على التحصيل الدراسي، وفق ما ذكره المدرس عبد الإله أحوري الذي أشار أيضا إلى أن وزارة التربية الوطنية لجأت مؤخرا إلى توفير الفحم قصد تدفئة المؤسسات التعليمية لكن هذا المنتوج يواجه بالرفض من طرف رجال التعليم وكذلك التلاميذ، نظرا لتداعياته الصحية بسبب عدم توفير المدفئات الخاصة بالفحم التي تحول دون تسرب رائحته المضرة.

وأشار أحوري إلى أن تساقط الثلوج في بعض القرى في إقليم إفران تعاني من انقطاع الدراسة لمدة قد تصل إلى شهر واحد أحيانا، إلى جانب إرتفاع أثمان المواد الغذائية ورغم توفر كاسحات الثلوج إلا أنها تكون غير قادرة عن فك الحصار، واقترح أحوري في هذا الإطار تكفل المجالس القروية بهذه المهمة من خلال اقتناء كاسحات الثلوج بدل الإعتماد على وزارة التجهيز التي تركز على الطرق الرئيسية.

بلدية رباط الخير بإقليم صفرو هي الأخرى تصنف ضمن المناطق الباردة في المغرب ومع ذلك لم تستفد من الحطب المدعم من طرف الدولة، وفق ما كشفه أحمد السويفي رئيس بلدية رباط الخير لـ"إيلاف" منذ تحولها من جماعة قروية إلى جماعة حضرية، وسجل أيضا غياب أي تدخل للدولة لمواجهة برودة الطقس في المنطقة حيث يجد المواطنون الفقراء صعوبة في تغطية مصاريف التدفئة الذي بلغ 1 درهم للكيلو غرام الواحد، كما أشار إلى أن الحطب المدعم من طرف الدولة بالجماعة القروية إغزران، يتم تهريبه إلى خارج إقليم صفرو وهو ما يحرم السكان من الإستفادة منه، كما انتقد النقص في الموارد البشرية بالمراكز الصحية ونقص التخصصات الطبية خاصة طب النساء علما أن أغلب الولادات التي يستقبلها المركز الصحي برباط الخير غالبا ما تحال على مستشفى مدينة صفرو .

ومعلوم أن مؤسسة محمد الخامس نسقت مؤخرا مع وحدات الدرك الملكي، لتقديم المساعدات الإنسانية جوا لسكان منطقة إملشيل والتي تتكون من مواد غذائية أساسية وأغطية، بهدف التخفيف من معاناة سكان هذه المنطقة الجبلية، التي تحاصرها الثلوج الكثيفة والتي لم تكن كافية حسب تصريحات السكان.