شبكة واسعة أبقت القذافي في الحكم

كان القذافي ذكيا جدا حين أشرك عددا غير محدود من الكتل القبلية في السيطرة.

مع دخول ليبيا مرحلة من الفوضى العنيفة وتصعيد نظام العقيد معمر القذافي من مواجهاته الانتقامية للمحتجين، يتضح للعيان أن الفوضى هي جزء اساسي يقوم عليه حكم القذافي الدموي والفاسد في آن واحد.

فخلال حكمه الذي إستمر حتى الآن 42 سنة ظل "الاخ الاكبر" ينشئ مؤسسات تتنافس في ما بينها، كما ظل يحرض الواحدة ضد الأخرى لمنع ظهور أي منافس حقيقي له على السلطة. وهو حتى حين أصدر قرارا بإلغاء القبلية التي تعد ركنا من أركان ثورته فإنه واصل وبشكل متزايد الاعتماد على الخصومات القائمة بين القبائل وداخلها لإبقاء سطوته على الحكم.

فحسب فلسفته التي رسمها في الكتاب الأخضر تحكم ليبيا باعتبارها جماهيرية أي دولة الجماهير. ونظريا تقع السيادة البرلمانية في أيدي الجسم المنتخب الذي من المفترض أن يمثل كل مواطن ليبي عبر شبكة من اللجان المحلية التي من المفترض أن يحضرها كل شخص لكن ليس هناك أي شخص يقوم بذلك. فكما تقول صحيفة التلغراف كان مقر المؤتمرات الشعبية في طرابلس أول من طالته نيران المحتجين.

وخلال منتصف السبعينات من القرن الماضي كانت اللجان الثورية التي أنشأها القذافي الأكثر تخويفا للناس والأكثر مقتا من قبلهم وقد لعبت دورا مماثلا لذلك الذي لعبه الحزب الشيوعي في النظام السوفيتي. وفي منتصف التسعينات من القرن الماضي أضاف القذافي طبقة أخرى لتعقد من طبيعة الحكم وأطلق عليها لجان القيادة الاجتماعية للشعب والتي أعضاؤها من أبناء شيوخ القبائل والعائلات الكبيرة والكيانات المحلية. وتحت سلطة هذه اللجنان هناك عدد كبير من الوزراء المتداخلة أدوارهم بعضها ببعض مع مؤسسات كثيرة وسلطات محلية وصناديق مالية مختلفة تدير البلد من يوم إلى آخر.

لذلك، كان النزاع الداخلي حتى قبل وقوع الانتفاضة الحالية متواصلا داخل هذه الشبكة العنكبوتية الواسعة إلى الحد الذي كان يشل عملها. وقد تبدو هذه النزاعات نوعا من الصراع ما بين الاصلاحيين والمحافظين لكن نظرة أقرب تكشف عن أن الهدف وراءها هو كسب سيطرة أكبر والحصول على مناصب مجزية ماليا ضمن "نظام" فاسد.

وكانت وثائق ويكيليس قد كشفت كيف أن القذافي كان يستعمل اللجنة الأساسية المخصصة لمكافحة الفساد كأداة لانتزاع رعاية وسيطرة أكبر، والتوثق من أن "وحدات يرأسها موالون للنظام تقوم باقتطاف العقود والتأكد من أن أنها تكون في مواقع جيدة تمكنها من انتزاع الإيجارات والرشاوى من الشركات الأجنبية". كل هذا سمح للمسؤولين بمن فيهم أفراد عائلة القذافي لتجميع ثروات طائلة وإخفائها في حسابات أجنبية.

وكانت نتيجة هذه الفوضى في التركيب المتداخل بعضه ببعض أنه على عكس مصر وتونس لا توجد هناك سلطة قادرة أن تطيح بالديكتاتور وهذا هو ما سعى القذافي إليه تماما.