إنفجار مفاعل فوكوشيما يجدد مخاوف الألمان من الطاقة النووية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
جددت كارثة موجات التسونامي التي ضربت شواطئ اليابان، وأدت إلى إنصهار مفاعل فوكوشيما النووي، جددت مخاوف الألمان من حدوث كوارث مماثلة، قد تصيب مفاعلاتهم النووية، وتؤدي إلى التسرّب الإشعاعي الذي يهدد الحياة والبيئة.
ميونيخ: حتى ساعات المساء من يوم أمس، وصل عدد المحتجين على سياسة الحكومة الألمانية المؤيدة لإستخدامات الطاقة النووية في ولاية بادن فيرتمبورج، وتحديدًا في العاصمة شتوتجارت إلى 60 ألف شخص، تشابكوا بالأيدي في سلسلة بشرية، إمتدت من محطة الطاقة النووية "نيكارويسثيم" إلى مقر حكومة ولاية بادن فيرتمبورج في "فيلا ريتزينستين"، سالكين طرقاً وممرات وصلت إلى مسافة 45 كيلو متر.
رغم أن هذه الإحتجاجات كان مقررًا لها قبل إنفجار مفاعل فوكوشيما، إلا أن ما حدث لهذا المفاعل قد زاد بشكل كبير من أعداد المتظاهرين والمحتجين المنددين باستخدام المفاعلات النووية ومن طرق التخلص من النفايات النووية التي هي دائمًا محل جدل في ألمانيا بين حماة البيئة والحكومة الألمانية.
"إيلاف" رصدت صدى ما حدث في اليابان في أوساط المتظاهرين ضد المفاعلات النووية الألمانية، فقد رفع العديد منهم االشعارات التي تقول "اليابان اليوم ونحن غدًا"، في إشارة إلى انه ليس هناك ما يضمن سلامة المفاعلات النووية على غرار ما يتفوه به السياسيون.
يقول احد المتظاهرين "لك ان تتخيل ما حدث في اليابان، لقد قاموا حتى أمس بإخلاء 5800 مواطن، يعيشون ضمن نطاق مفاعل فوكوشيما، ولك أن تتخيل مدى الأضرار التي أصابت كل هؤلاء الناس، ولا نعرف حتى الآن مدى ما قد أصابهم بالفعل من التسرب الإشعاعي".
وتقول الشابة سابينا زجمار (18 عاماً) "لا نريد ان نعيش تلك اللحظ التي تعيشها اليابان. رغم ظاهرة الأمان التي يتحدث عنها الكثيرون، إلا ان مشكلة التبريد في مفاعل يوكوشيما كانت هي السبب في إنصهاره". وأضافت "لقد أصيب العالم بالرعب عندما صرح المسؤول الياباني يوكيو إدنو بأن الغلاف الإسمنتي الخارجي للمفاعل قد إنهار بسبب إنفجار الهيدروجين الناجم من انخفاض مستوى التبريد في المفاعل، وهو ما قد ينجم منه تسرب إشعاعي".
كما ناشد المتظاهرون الألمان حكومة بلادهم بالكفّ عن استخدامات الطاقة النووية نهائياً، والإتجاه إلى استخدامات الطاقة النظيفة، التي تشهد تطوراً كبيراً في البلاد. وشارك في التظاهرات حشد من الأحزاب الألمانية، وفي مقدمتها حزب الخضر والحزب الاشتراكي الديمقراطي.
من ناحية أخرى، إنتقد المتحدث باسم وزارة البيئة في مقاطة بادن فورتمبورج من الحزب الديمقراطي المسيحي المتظاهرين، وقال من المدهش أنهم يطالبون بإنهاء الإعتماد على الطاقة النووية، وهو أمر غير مفهوم وغير واقعي، فالمفاعلات النووية مخصصة أيضًا للأغراض السلمية.
وتحدث جيم أوزديمير زعيم حزب الخضر منتقدًا الحكومة الألمانية الحالية التي "ترفض الطاقات المتجددة، وهي طاقات المستقبل، كما يراها الجميع، حتى إنها ايضًا مهمة بالنسبة إلى الاقتصاد الألماني، لذا فنحن ضد سياستهم النووية".
التظاهرات كانت معبّرة وحاشدة، وأشرف على تنظيمها اتحاد البيئة وحماية الطبيعة، الذي قام بدور كبير في التظاهرة، إضافة إلى العديد من المنظمات الأخرى كمنظمة "روبين وود" و"أصدقاء البيئة". وكانت ثلاثة قطارات خاصة قد استخدمت لجلب المتظاهرين من برلين وهامبورج وبريمن، إضافة إلى 140 حافلة كبيرة جلبت المحتجين من كل أنحاء المانيا إلى موقع التظاهرة.
تزايد المخاوف في بافاريا
في سياق متصل، شهدت ولاية بافاريا الجنوبية المتاخمة لولاية بادن فيرتمبرج إحتجاجات على وجود مفاعلات نووية على أرضها، خصوصاً أنها الولاية الأقدم في إقامة المفاعلات النووية، فمفاعل "جارشينج" النووي الذي شيد في عام 1957 يقع في أهم مناطق الولاية الطبيعية الجميلة المتاخمة لجبال الألب، ويثير مخاوف الناس على الدوام من حدوث كارثة، ربما تنتج من زلزال أو أمر مماثل يصيب المفاعل، مما يهدد بكارثة كبيرة.
إلا أن مدير الجامعة التقنية في ميونيخ التي تشرف على المفاعل يرى أن المفاعل مخصص فقط للأبحاث العلمية والأغراض البحثية. أما البروفوسير لوثر كوست الذي عمل في المفاعل لفترة طويلة فيعتبر أن إنشاء هذا المفاعل قد حوّل المنطقة المحيطة به من منطقة ريفية مهمشة إلى مدينة علمية بامتياز، تسابق الجميع على العمل بها، فالكثير من مشاريع تخرج الطلاب لنيل الدبلوم او الماجستير او الدكتوراه تمت هنا، كما ألحقت بالمفاعل العديد من المعاهد العلمية ومراكز الأبحاث. فإلى جانب الجامعة التقنية أصبح هناك أربعة معاهد هي ماكس بلانك والمنظمة الأوروبية لعلوم الفلك ومركز أبحاث شركة جنرال إليكتريك الألمانية التي تجري أبحاثاً في الكيمياء والبيولوجيا والطب.
وعن المخاوف التي تصيب سكان المناطق القريبة منه، يقول كوست لقد أجريت في 28 يوليو/تموز سنة 2000 أعمال تحديث وصيانة للمفاعل تكلفت 500 مليون يورو، وقد أعيد إلى العمل مرة أخرى في سنة 2004. أما تيودور هينش الذي يعمل في معهد بلانك للفيزياء الحائز جائزة نوبل في الفيزياء عام 2005 فيقول إن عدد العاملين في منطقة جارشينج يصل إلى 4000، والطلاب إلى 8500 طالب.
أخطارالمفاعلات النووية
يذكر أنهناك 440 مفاعلاً نووياً لأغراض التطبيقات السلمية على مستوى العالم. ودائماً يفرض سؤال نفسه حول الأمان فيها، غير ان التساؤلات يجيب عليها العلماء بأن لا احد يستطيع أن يضمن أي من الصناعات الحديثة او التكنولوجيا من مخاطر قد تصل بالإنسان إلى حد الموت.
وأصبحت السلامة النووية وحماية البيئة والإنسان من خطر تسرب المواد المشعة من مفاعلات إنتاج الطاقة النووية محل جدل. وهناك شواهد تاريخية على ذلك، كما حصل خلال عدد من الحوادث النووية المعروفة، كحادث ثري مايل آيلاند بتاريخ 28 آذار/مارس عام 1978 في الولايات المتحدة، وحادث تشرنوبيل في أوكرانيا في 26 نيسان/أبريل من عام 1986 وغيرها.
أضف إلى ذلك، فإن النفايات المشعة الناتجة عرضاً في المفاعلات النووية أصبحت مشكلة لبعض البلدان المعتمدة بصورة أساسية في إنتاج طاقتها على المحطات الكهرونووية مثل فرنسا، التي أضحت تجد صعوبة بالغة في التخلص من تلك النفايات السامة على أرضها. من ناحية أخري تتميز المحطات النووية لإنتاج الطاقة بعدم إطلاقها غازات الإحتباس الحراري كما هي الحال لدى إستخدام محطات الوقود التقليدي لإنتاج الطاقة.
التباين في جرعات الإشعاع
حسب اللجنة الدولية للوقاية من الإشعاع التابعة لهيئة الأمم المتحدة، قد يتعرض المواطن العادي (من غير العاملين في المؤسسات النووية) إلى جرعة إشعاعية سنوية مقدارها 0.1 ريم (أي 1 مللي سيفرت) من دون أن يتسبب ذلك في أضرار صحية ملموسة من أي نوع. ويسمى هذا المقدار من التعرض إلى الإشعاع بالحد الأعلى المسموح به من الجرعة الإشعاعية السنوية.
من المفيد هنا ذكر حقيقة معروفة لدي ذوي الإختصاص، تؤكد أن الأفراد في كل مكان يتعرضون، ومنذ نشوء الخليقة إلى سيل مستمر من الأشعة الكونية المؤلفة من فوتونات وجسيمات نووية مؤينة. أضف إلى ذلك إحتواء كل الخضر والفاكهة على نظائر مشعة طبيعياً لم توجد بفعل الإنسان، وإنما إنبعثت من داخل الأرض، من عناصر كيميائية ثقيلة باعثة للإشعاع المؤين نشأت مع نشأة الأرض.
وبما إن هناك تبايناً شديداً بين الأشخاص المتعرضين إلى الإشعاع من حيث الحالة الصحية، وطريقة التعرض، لايمكن الجزم بكمية الإشعاع اللازمة لحصول الوفاة. لذلك يتحتم التعامل مع قوانين الإحصاء في توقع ذلك.
فعلى سبيل المثال يمكن الإفتراض إن 50% من المتعرضين إلى جرعة إشعاعية لعموم الجسم تقدر بـ 350 إلى 500 ريم (3.5 إلى 5 سيفرت) يفقدون حياتهم في خلال الثلاثين يوماً بعد التعرض، إذا أخذت تلك الجرعة خلال دقائق أو ساعات.
أما إذا كانت تلك الجرعة متركزة على عضو واحد من الجسم، فإنها سوف تقود إلى تلف ذلك العضو، إضافة إلى حدوث حروق شديدة في أجزاء الجلد المتعرض. من ناحية أخرى، فإن جرعات التعرض الواطئة (أقل من 10 ريم أي 0.1 سيفرت) الموزعة على فترات زمنية متباعدة (سنوات أو عقود) لن ينجم منها أي مشاكل صحية للجسم.