نظام القذافي يؤجّج الجدل عن التبرّعات الأجنبيّة لجامعات بريطانيا
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
فتحت ثورة الليبيين الأعين على علاقات يمكن تصنيفها بسهولة في خانة الفساد بين أسرة العقيد معمّر القذافي وإحدى الجامعات البريطانية العريقة، وسلّطت الضوء مجدّدًا على مسألة التبرعات الخارجية للمؤسسات الأكاديمية في البلاد.
كانت في عين العاصفة التي أثارها هذا الأمر جامعة "لندن سكول اوف ايكونوميكس آند بوليتيكال ساينس" (ترجمتها الحرفية "مدرسة لندن للإقتصاد والعلوم السياسية") العريقة التي تأسست في العام 1885 وتعرف اختصارًا بالأحرف اللاتينية LSE "إل إس إي".
فقد اتضح أن "مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية"، ممثلة في شخص سيف الإسلام القذافي، تبرعت لمركز أبحاث الشؤون الدبلوماسية والاستراتيجيات الدولية IDEAS "أفكار" في هذه الجامعة بمبلغ 1.5 مليون جنيه إسترليني(2.4 مليون دولار). ثم وقّعت على عقد بمنح الجامعة 2.2 مليون جنيه أخرى (3.52 مليون دولار) مقابل تدريب عدد من المسؤولين الحكوميين الليبيين في الشؤون الاقتصادية والسياسية.
مكافأة مزدوجة
إضافة الى هذا، منحته الجامعة الفرصة في أيار/ مايو الماضي لمخاطبة الجامعة ضمن سلسلة ندواتها المعروفة باسم "محاضرة رالف ميليباند"، وهي محاضرات تقام تمجيدًا لذكرى المفكر والاستاذ السابق في الجامعة رالف ميليباند (والد الأخوين ديفيد وزير الخارجية السابق وإد زعيم حزب العمال حاليًا).
ولأن لهذه المحاضرة مكانة مرموقة في العالم الأكاديمي وشرف يتسابق اليه العلماء، فقد ثارت عاصفة وقتها للنزول بها الى ما وُصف بأنه "أغراض سياسية تغض النظر عن منتهكي حقوق الإنسان". ووصف ديفيد ميليباند قرار الجامعة بأنه "مريع وتلطيخ لسمعة والدي". لكن هذا لم يمنع الجامعة من إتاحة الفرصة للعقيد القذافي نفسه لمخاطبتها في كانون الأول/ديسمبر عبر الفيديو.
الثمنبعدما رفعت أحداث ليبيا الأخيرة وتشعباتها الإنسانية النقاب عن "عطيّة" آل القذافي للجامعة ونفوذهم المحتمل على طاقمها وحتى سياستها وإستقلالها الأكاديميين، حدث ما كان متوقعًا، وهو إستقالة مديرها السير هوارد ديفيز في الثالث من الشهر الحالي، قائلاً إنه أخطأ التقدير، ويتعين عليه أن يدفع الثمن.
وأصدر مجلس الجامعة بيانين على موقعه الإلكتروني، أعلن فيهما أنه قبل استقالة ديفيز، لكنه قال إنه طلب اليه الاستمرار في أداء مهامه الى حين إيجاد البديل له. وقال إنه أمر بتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في الأمر برمته. وشدد، في الوقت نفسه، على أن المال الذي حصلت عليه الجامعة من تبرع مؤسسة القذافي حتى الآن لا يتعدى 30 ألف جنيه (48 ألف دولار)، وإن أقر بأن "مبدأ" قبول التبرع نفسه كان خطأ.
من جانبه عمّم مركز IDEAS "أفكار" التابع للجامعة بيانًا على الإنترنت نفى فيه أن يكون قد تسلم أي أموال أو أي شكل من الهبات من مؤسسة القذافي. واتصلت "إيلاف" بمكتب الجامعة الإعلامي لإلقاء مزيد من الضوء على الأمر، فقالت متحدثة باسمه إن الجامعة تكتفي حاليًّا بما أدلت به في بياني مجلسها.
خداع سيف الإسلامكان بين أبرز ما جاء في البيانين قول المجلس إنه أصدر توجيهاته بالتحقيق في تقارير تقول إن سيف الإسلام قدم في رسالتيه للماجستير والدكتوراه خليطًا من مواد مسروقة من آخرين ومواد أخرى كتبتها له جهات أخرى نيابة عنه مقابل المال، وهو ما يعرف في الثقافة الغربية باسم ghost writer "الكاتب الشبح"، أي الشخص الذي يكتب أجيراً باسم شخص آخر.
وتبعًا لتقارير إعلامية بريطانية الشهر الحالي، فقد كان هذا الكاتب الشبح هو الدكتور أحمد المناسي، الذي قالت إنه كان بروفيسورًا للإقتصاد في جامعة قاريونس في بنغازي، وإنه تقاعد عن التدريس. ومضت التقارير قائلة إن نظام القذافي كافأ هذا المحاضر بمناصب حكومية متتالية، بدأت بتعيينه محافظًا لبنك حكومي، ثم محافظًا للبنك المركزي، ثم وزيرًا للمالية قبل تعيينه سفيرًا للبلاد في النمسا.
وللأسف، فإن هذه ظاهرة معروفة وسط أبناء الأثرياء العرب الذين يحصلون على شهادات أكاديمية عليا من الجامعات والمعاهد البريطانية والأميركية، على الرغم من أن مساهمتهم في إعداد رسائلها لا تتعدى تحديد موضوعها.
والعارفون بالأمور يعلمون ايضًا أن ثمة صناعة بكاملها تشكلت في هذا المجال خلال العقود الأخيرة، وأن بعض الأكاديميين البريطانيين والأميركيينأصبح ثريًامن خلالها. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، لأن مؤسسات تعليمية صغيرة نسبيًا لا تمانع في بيع شهاداتها لمن يرغب إذا كان مستعدًّا لدفع الثمن.
فضيحة "إل إس إي" ليست سابقةتبعًا لـ"نقابة الجامعات والكليات" فإن فضيحة تلقي "إل إس إي" أموالاً مشبوهة من الخارج ليست سابقة في العالم الأكاديمي البريطاني بسبب افتقار المؤسسات التعليمية المال في هذه الأزمنة الاقتصادية الصعبة. وأعربت النقابة عن قلقها إزاء أن هذا الوضع "سيزداد سوءًا بسبب قرار حكومة المحافظين والليبراليين الإئتلافية الجديدة خفض ميزانيات الجامعات" كجزء من إجراءات التصدي للعجز الهائل في خزينة البلاد.
وتلقي المواقع الإلكترونية بالكثير من الضوء على روابط الجامعات والمعاهد البريطانية الخارجية. ويتضح من هذه أن المؤسسات التعليمية العليا في البلاد تلقت منذ 1996 تبرعات تبلغ 750 مليون جنيه (1.2 مليار دولار) فقط من أنظمة عربية أو إسلامية.
على سبيل المثال تظهر أرقام مكتبة برلمان ويستمنستر أن مركز الدراسات الإسلامية بجامعة أوكسفورد تلقى ما مجموعه 75 مليون جنيه (120 مليون دولار) من 12 دولة عربية وإسلامية، تشمل الامارات المتحدة وحتى اليمن.
وتشير وسائل الإعلام البريطانية أيضًا الى الملياردير وفيق رضا سعيد، وهو رجل أعمال سعودي، سوري الأصل، له العديد من المشاريع والمؤسسات الخيرية. وهو قد تبرع بملبغ 23 مليون جنيه (36.8 مليون دولار) لإنشاء "كلية سعيد لإدارة الإعمال" في جامعة أكسفورد.
وتبين أيضًا أن جامعة جون مورز في ليفربول تلقت تبرعًا من ليبيا أيضا. ولا يعلم حجم هذا التبرع على وجه الدقة، لكن الجامعة أصدرت بيانا قالت فيه إنها تسلمت مبلغا لا يزيد عن 14 ألف جنيه (22.4 ألف دولار) مقابل المساعدة في تدريب الممرضات وتحسين الرعاية الصحية في ليبيا.
ومضى بيان الجامعة يقول "لا نعتقد أن في محاولتنا مساعدة الليبيين على تحسين بنيتهم التحتية وتطوير خدماتهم الصحية مدعاة للخجل". على أن المراقبين فسّروا هذا القول نفسه باعتباره إقرارًا بأن الأشياء ليست على ما يرام بالضبط.مخاطر التمويل الأجنبي"مركز التماسك الاجتماعي" بنك عقول ألقى على عاتقه النظر في التبرعات التي تتلقاها المؤسسات التعليمية البريطانية عبر المملكة المتحدة من العالمين العربي والإسلامي إضافة الى الصين. وقد أصدر في آذار/ مارس 2009 تقريرًا جاء فيه أن الجهات الأجنبية "تستغل هذه التبرعات كأداة دبلوماسية وذراع ثقافية لحكوماتها في بريطانيا"، وأن "خطورتها تنبع من القيود والشروط التي يمكن ان تجرّد مؤسسات البلاد الأكاديمية من استقلاليتها".
وأتى التقرير بأمثلة على هذا منها ما يلي:
* "خنق الحوار" داخل "مركز دراسات الشرق الأوسط" في جامعة أوكسفورد "خاصة في ما يتصل بالديمقراطية وحرية العبادة والتعبير وحقوق المرأة في العالم الإسلامي"، وكل هذا لأن المركز مموّل من النفط العربي.
* يورد التقرير مثالاً لهذا بأن أكاديميًا في مركز دراسات الشرق الأوسط هذا سأل متحدثًا عربًيا خلال ندوة عن دور النفط العربي في تمويل الإرهاب. فاعترضه مدير المركز، الدكتور يوجين روغان، قائلا: "لا تسأل عن أمور تتعدى الحدود الى ما يمكن ان يعتبره البعض غير مريح".
* في 1997 تلقى المركز الإسلامي في جامعة أوكسفورد 20 مليون جنيه (32 مليون دولار) من الديوان الملكي السعودي "مرتبطة بشروط متفاهم عليها".
* في 2008 قدم الأمير الوليد بن طلال 8 ملايين جنيه (12.8 مليون جنيه) لكل من جامعتي كيمبريدج وإدنبره لإقامة مركز جديد للدراسات الإسلامية في كل منهما. مقابل هذا منحه المركزان الكلمة في تعيين طاقم الإدارة في كل منهما. يذكر أن الأمير تلقى الدكتوراه الفخرية من جامعة ادنبره في 2010 قدمها له الأمير فيليب دوق ادنبرة في مراسم ترأسها في الجامعة.
* في 2001 تلقت أوكسفورد تبرعا بمليون جنيه (1.6 مليون دولار) من مؤسسة الملك عبد العزيز، أيضا بشروط متفاهم عليها.
* في 1999 تلقت كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن SOAS "سواس" مبلغ 180 ألف جنيه (288 ألف دولار) من "مركز انكلترا الإسلامي" الذي أسسه العالم الفقهي الإيراني آية الله محسن الأراكي. وبعد وقت قصير نظمت الكلية فعالية خصصت لتسليط الضوء على دور آية الله الخميني باعتباره "محدّثا للفكر الإسلامي".
* في 2008 اعترض مانح سعودي على عرض لوحة معينة في معرض فني أقامته "سواس" قائلا إنها تحوي رموزًا ليست إسلامية. وكان له ما أراد، إذ حجبت هذه اللوحة فعلاً "على الرغم من قيمتها الفنية العالية".
* اتضح أن "معاهد كونفوشياس" التي تهدف إلى ترقية اللغة والثقافة الصينيتين، والتي تستضيف الجامعات البريطانية متحدثين منها بشكل منتظم، تضم عددا كبيرا من المسؤولين الحكوميين الصينيين في مجالسها الاستشارية، وأن نظام بكين هو الذي يرسم سياساتها بشكل مباشر.
ربيع العرب شتاء غربيثمة من يقول إن من حق الجامعات الحصول على الأموال من أي جهة على استعداد لتقديمها لأن البحوث العلمية لا تأتي مجانية أو رخيصة وأن زمن الشدة الاقتصادية رخصة بذلك، وشريطة ألا يؤثر هذا على الاستقلال الأكاديمي ومستويات التعليم.
لكن تبرعات نظام القذافي لجامعة "إل إس إي" تضيف أمرًا يتعلق بالشفافية الأخلاقية بالنظر الى سجل هذا النظام إزاء حريات شعبه وحقه في التمتع بثروات بلاده وآماله للمستقبل. ولهذا السبب رحّبت الأوساط الأكاديمية والسياسية والإعلامية البريطانية باستقالة هوارد ديفيز. لكن المسألة برمتها حدت بأحد المعلقين للقول إن "ربيع العرب الحالي صار شتاء في الغرب".
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف