وليام هيغ: ربيع العرب أكثر أهمية من أحداث 9/11
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يقول وزير الخارجية البريطاني إنه من المحتم لثورات العرب أن تتجاوز أحداث 9/11 في أميركا من حيث الأهمية التاريخية بين سائر الوقائع الجسام في بدايات القرن الحادي والعشرين، ويحذر الطغاة من أن طلب الشعوب للحرية ليس بحاجة إلى محرِّك لأنه ينتشر من تلقاء نفسه.
لندن: "الليبيون وحدهم الذين يقررون مَن يحكمهم، لكن في وسعنا مساعدتهم على إرواء تعطشهم إلى مزيد من الحرية".
هكذا افتتح وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ، خطابًا وجّهه إلى ندوة "أفريقيا في لندن" التي نظّمتها صحيفة "تايمز" ونشرته حصرًا على صفحاتها.
يمضي الوزير قائلاً إن قوات بلاده تشارك في فرض حظر الطيران في الأجواء الليبية بغرض حماية المدنيين من حكومة ردّت على مطالبهم المشروعة بالتغيير بقوة حربية ضاربة، وتخضع الآن إلى التحقيق من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
يقول هيغ: "ليس لنا أن نختار للّيبيين حكومتهم لأن هذا شأنهم وحدهم. لكن فرصهم في تحقيق خيارهم الآن أفضل مما كانت عليه يوم السبت الماضي عندما كانت قوى المعارضة تقف على حافة الهزيمة. فقد تمكّنا، مع حلفائنا، من وقف تقدم قوات القذافي إلى بنغازي، ومنعنا طائراته من أن تعيث من السماء فسادًا في الأرض، فلا شك في أن هذا أنقذ العديد من الأرواح".
تبعًا للوزير فإن قوات بلاده ستواصل تطبيق قرار مجلس الأمن 1973 إلى حين وقف حقيقي وشامل لإطلاق النار ومنع الهجوم على المدنيين. وفي وقت يسود فيه الأمل والتفاؤل في الشرق الأوسط، كما يقول، "فليس لنا أن نغضّ الطرف عن انتهاك الحكومة الليبية سائر نصوص القانون الدولي ولحقوق الإنسان بلا خوف من رادع".
ويشير هيغ إلى تعاظم توق الشباب العربي للحريات السياسية والاقتصادية، قائلاً إن المطالبة بهذه الحريات في العديد من دولهم ربما أتت كشيء مفاجئ في تزامنه هنا وهناك في المنطقة، ولكن ليس في سعي الإنسان إلى الحرية ما يفاجئ.. سيادة القانون بدلاً من سيادة مخابرات الدولة.. التخيير وليس التسيير.. الحكومة المنتخبة.. الحصول على المعلومات.. توفير الفرص الاقتصادية والمعيشية بدون فساد.. هذه هي تطلعات الناس في كل مكان.
وربما كانت الأحداث في شمال أفريقيا والشرق الأوسط في مراحلها الأولى. لكن المحتم لربيع العرب هذا، تبعًا لهيغ، أن يتجاوز جسامة هجمات 9/11 ليصبح الواقعة الأكثر أهمية على الإطلاق في بدايات القرن الحادي والعشرين.. هذا تحول تاريخي عظيم الشأن يمنح الأسرة الدولية جمعاء منفذا هائلاً إلى مستقبل جديد. ولهذا "فإننا نؤمن بأن رد فعلنا إزاء هذا التحول يجب أن يكون بالقدر نفسه كرمًا وشجاعة وطموحًا".
ويقول هيغ إنه يعمل مع رئيس وزرائه، ديفيد كامرون، على تغيير سياسة الاتحاد الأوروبي، بحيث تتحول الى "مغناطيس" للتغيير الإيجابي، وأن توفر حافزًا لخلق مجتمعات حرة وديمقراطية وعادلة وحريصة على حقوق الإنسان، وللاتحاد الأوروبي ما يكفي من الوسائل لترقية هذه الإصلاحات.
وهو يرى أن الأحداث العربية لن تقف عند الحدود العربية نفسها، وأن أحد الدروس المستقاة منها هي أن السعي إلى الحرية معدٍ وسينتشر إلى رقاع أخرى في مختلف أنحاء الدنيا. ولهذا فإن رسالته الى الحكام غير المنتخبين ديمقراطيًا هي: "انتبهوا واسمعوا وعوا".
يستشهد الوزير على هذا بما يحدث في دول أخرى مثل السودان، حيث أجبرت الاحتجاجات الرئيس عمر البشير على الإعلان أنه سيتنحّى مع نهاية ولايته الحالية. ويقول إن السلطات في زمبابوي اعتقلت 40 من الطلاب والنشطاء والنقابيين فقط لمشاهدتهم شريط فيديو عن الثورتين التونسية والمصرية. وهذا لأن رؤية الجماهير وهي تتولى تغيير مستقبلها بنفسها ملهِمة وستفجر مطالب الآخرين أيضا بالحكم الرشيد والإصلاح السياسي في مختلف أرجاء العالم.
ويشدد هيغ على أن بلاده لا تسعى، من وراء هذه الحجة، الى فرض التغيير، وإنما تؤكد على أن التوق إلى الحرية ينتشر من تلقاء نفسه. فهو تطلع كوني، والحكومات التي تحاول عزل شعوبها عما يدور من حولها في العالم إنما تخوض معركة خاسرة.
والأنظمة التي تلجأ إلى العنف لوقف المسيرة الديمقراطية إنما تؤجّل التغيير لا أكثر، إذ إنها لن تمنع حدوثه في نهاية المطاف.
وستدفع ثمنًا يتعاظم بمر الزمن عن أعمال لن تقوى على إخفائها من أعين العالم بسهولة، وستجد أنها في الجانب الخطأ من التاريخ الإنساني. على الحكومات التي تجهض تطلعات شعوبها وتسرق وتفسد في الأرض وتقمع وتعذِّب وتكبت حرية التعبير وحقوق الإنسان الأخرى أن تدرك أنها ستجد صعوبة متزايدة في النجاة من محاسبتها على أيدي شعوبها ويد القانون الدولي أينما كان هذا لازمًا.
ويمضي الوزير قائلاً إن نوع العمل الذي تقوم به بلاده في ليبيا باستناد كامل إلى الشرعية من الأمم المتحدة يوضح بجلاء أن الأسرة الدولية تأخذ انتهاك حقوق الإنسان على أعلى مراتب الجد.
ومثلما أن القذافي عقبة أمام التغيير السلمي في ليبيا، يقول هيغ، فهناك العديد من أمثاله ممن يسدون الطريق إلى مستقبل أفضل لبلدانهم. ففي ساحل العاج، مثلا، يرفض الرئيس السابق لوران غباغبو الاعتراف بأنه خسر انتخابات العام الماضي، ويقف الآن وراء اعتداءات على المدنيين العزل فقط تشبثا بسلطة غير شرعية. وفي زمبابوي، تواصل قوات أمن الرئيس روبرت موغابي تجاوزاتها وتزرع الخوف في نفوس المعارضين بلا خوف من عقاب.
ويشهد العالم أنظمة في عدد من الدول الافريقية الأخرى تفرض الرقابة على المطبوعات وتعتقل الصحافيين فقط لأنهم يحاولون نقل ما يجري في العالم العربي. وهذا ليس مجديًا وحسب في زمن تكنولوجيا الاتصالات هذا، وإنما سيعود على تلك الأنظمة أيضًا بعكس النتائج التي ترجوها.
ويشير الوزير الى أن الحكم الرشيد - المتمثل في سيادة القانون والإعلام الحر والمؤسسات المستقلة القوية - ليس ترفًا وإنما حجر الأساس للتنمية الاقتصادية والأمن. وهذا لأن الحريات الديمقراطية والاستقرار على المدى الطويل يسيران يدا على يد.
هناك ما يكفي من أدلة على أن السنوات المقبلة ستكون نقطة انعطاف تاريخي في أفريقيا، وفرصة لها من أجل أن تتجاوز تركة الماضي، وأن تستغل ثرواتها الاقتصادية والبشرية الهائلة، في حال إصرار شعوبها على مستقبل أفضل.
وبريطانيا، يختتم الوزير، لن تتردد في التشجيع على الحكم الرشيد، لأنه المطلوب لرؤية الأسود الأفريقية في 2040 مثلما نرى النمور الآسيوية الآن. والانتخابات الديمقراطية في أفريقيا، وغيرها، ليست الحل الشامل، لكنها مكوّن أساسي لهذا الحل.