تصعيد إسرائيلي في غزة ومحاولات فلسطينية لاحتواء تفجر الموقف

بعد أسابيع طويلة من التوتر، أقدمت إسرائيل وحماس مساء الخميس على خطوة تصعيد إضافية، حيث شنّت الطائرات الحربيّة الإسرائيلية هجوماً شرساً على عدة أهداف في قطاع غزة، ويأتي ذلك بعد وقت قليل من سقوط قذيفة صاروخيّة على حافلة إسرائيلية ما أدى إلى إصابة شخص بجروح بالغة.

غزة: أصيب فتى إسرائيلي الخميس بجروح بالغة إثر إطلاق عدة صواريخ من قطاع غزة، رد عليها الجيش الاسرائيلي بشنّ سلسلة غارات جوية وبقصف مدفعي عنيف ما ادى الى مقتل اربعة فلسطينيين واصابة 34 آخرين بجروح، وفي وقت توقع العديد من الخبراء والمراقبين أن تنتهي التهدئة غير المعلنة بين الجانبين والتي تم تجديدها قبل عشرة ايام فقط، عادت الفصائل الفلسطينية مساء الخميس إلى التأكيد على التزامها في التهدئة، ملوحة بأنها ستتخذ خطوات سياسية وليست عسكرية للرد على الهجمات الإسرائيلية. حيث اعلنت وزارة الداخلية في حكومة حماس في قطاع غزة انها تلقت ردودا ايجابية من الفصائل الفلسطينية بعد مباحثات اجرتها لوقف اطلاق النار بغية وقف التصعيد الاسرائيلي على القطاع.

وقالت الوزارة في بيان على صفحتها الالكترونية انها "تجري مباحثات مع الفصائل الفلسطينية بهدف وقف التصعيد مع الاحتلال الصهيوني". واكدت أنها "تلقت ردودا إيجابية من قبل الفصائل انطلاقا من حرص الداخلية والفصائل الفلسطينية للجم العدوان الصهيوني المتصاعد ضد شعبنا".

وقال مصدر في الجهاد فضل عدم ذكر اسمه انه "تم ابلاغ كافة الفصائل بوقف إطلاق النار ابتداء من الليلة (ليل الخميس الجمعة)".

وذكرت محطات إذاعة محلية فلسطينية أن قرارا فلسطينيا بوقف إطلاق النار من المقرر ان يسري قبل منتصف الليلة من جانب الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة. وقالت الإذاعة "ان هذا القرار اتخذ بعد اتصالات اجرتها الحكومة الفلسطينية في غزة مع جهات عربية ودولية هدفت الى لجم العدوان المتصاعد في القطاع والذي اوقع اليوم ستة شهداء اضافة الى عشرات الجرحى".

ووفق الاذاعة "فقد ابلغت جهات رسمية فلسطينية في غزة فصائل المقاومة ان وقفا لاطلاق النار سيسري الساعة الحادية عشرة مساء اليوم وهو قرار جاء بعد اجراء اتصالات كثيفة جرت بين اطراف فلسطينية ودولية لوقف العدوان على غزة".

وكان مكتب رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة في غزة اسماعيل هنية قد اعلن الليلة في بيان صحافي مقتضب ان هنية يجرى اتصالات مع مختلف الاطراف المحلية والدولية لوقف التصعيد في قطاع غزة.

مراهنة على القبة الحديدية

أما رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو فقد هدد باتخاذ كل الاجراءات الممكنة ضد قطاع غزة ردا على استمرار عمليات اطلاق الصواريخ منه.

أشاد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في براغ باعتراض نظام الدفاع الاسرائيلي المضاد للصواريخ "القبة الحديدية" للمرة الاولى صاروخا فلسطينيا اطلق من قطاع غزة. وقال نتنياهو في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التشيكي بيتر نيكاس "لقد نشرناه خلال الاسبوعين الماضيين من دون اجراء اختبارات عليه (...) ولقد عمل بشكل جيد حتى الان".

وأكد مصدر أمني أن صاروخا فلسطينيا دمر في الفضاء بواسطة هذا النظام الجديد للمرة الاولى الخميس فوق مدينة عسقلان في جنوب اسرائيل. وكان الجيش الاسرائيلي بدأ منذ 27 اذار/مارس نشر بطاريات هذا النظام حول عسقلان قرب قطاع غزة ومنطقة بئر السبع في صحراء النقب اثر اطلاق صواريخ من قطاع غزة.

وقال نتنياهو ايضا "يعطينا ذلك املا في اننا سنتمكن من تطوير دفاع افضل مع الوقت للسكان المدنيين الذين تستهدفهم انظمة او (اجهزة) استخبارات... تستهدف ابرياء عمدا". وقال "لن نتردد في اتخاذ كل الاجراءات الضرورية الهجومية والدفاعية لحماية بلدنا ومواطنينا".

ويفترض بهذا النظام الذي صمّمته اسرائيل ان يعترض ويدمّر الصواريخ التي يبلغ مداها بين اربعة و70 كلم والتي تطلق من الاراضي الفلسطينية. وتتألف كل بطارية من رادار اعتراضي وبرنامج لمراقبة مسار الصاروخ وثلاث منصات مجهزة كل واحدة بعشرين صاروخا اعتراضيا.

وكانت حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة نجحت في إقناع الفصائل الفلسطينية الرئيسة في القطاع في 26 اذار/مارس بتجديد ضمني للهدنة مع إسرائيل شرط ان يتقيد بها الطرفان اثر حصول تدهور اعتبر الاخطر منذ نحو سنتين. الا ان سبعة فلسطينيين قتلوا منذ ذلك التاريخ بينهم ثلاثة من مقاتلي حماس وثلاثة من الجهاد الاسلامي في غارات جوية إسرائيلية، ما دفع الحركتين الى التوعد بالانتقام ولو بعد حين.

وأعلنت مصادر أمنية إسرائيلية ان فتى اسرائيليا أصيب بجروح خطرة اثر اصابة مؤخرة الحافلة الذي كان يستقله مع تلامذة قرب "كيبوتز نحال عوز" بصاروخ مضاد للدروع. كما اصيب سائق الحافلة بجروح طفيفة. واكدت المصادر نفسها انها المرة الاولى التي يصاب فيها هدف مدني بهذا النوع من الصواريخ.

وقال المتحدث باسم الشرطة الاسرائيلية ميكي روزنفلد ان 45 صاروخا وقذيفة هاون اطلقت على جنوب اسرائيل بعيد اصابة الحافلة، واصابت احداها منزلا في عين هشلوشا شرق قطاع غزة من دون وقوع إصابات. وافاد مصدر أمني اسرائيلي ومصور فرانس برس ان نظام القبة الحديدية الاسرائيلي المضاد للصواريخ اعترض للمرة الاولى الخميس صاروخا اطلق من قطاع غزة.

وجاء الرد الاسرائيلي عنيفا عبر الغارات الجوية والقصف المدفعي ما ادى الى مقتل اربعة فلسطينيين واصابة 34 اخرين بجروح. واعلن ادهم ابو سلمية المتحدث باسم لجنة الاسعاف والطوارئ التابعة لوزارة الصحة في حكومة حماس ان "حصيلة القصف الاسرائيلي الخميس على القطاع حتى الان بلغت اربعة شهداء و34 اصابة بينهم مسعفان واطفال ونساء". والقتيل الرابع هو صالح الترابين الذين اعلنت كتائب عز الدين القسام الجناح المسلح لحماس انتماءه اليها.

وقبله قتل فلسطينيان في غارة جوية اسرائيلية شرق رفح مساء الخميس، كما اصيب 14 اخرون بجروح اثر اطلاق كثيف للمدفعية الاسرائيلية على المنطقة نفسها، بحسب مصادر طبية وشهود عيان. واعلن ابو سلمية "استشهاد مصعب الصوفي (18 عاما) ومحمد المهموم (22 عاما) في قصف اسرائيلي شرق رفح".

وقالت وزارة الداخلية التابعة لحكومة حماس ان "الشهيد محمد المهموم هو مساعد من قوات الامن الوطني استشهد في القصف الصهيوني على رفح". واضاف ان الحصيلة الاجمالية للاصابات في مدينة رفح نتيجة القصف المدفعي بلغت 14 اصابة بينهم مسعفان اصيبا بينما كانا في سيارة اسعاف. وكان ابو سلمية اعلن في وقت سابق "استشهاد محمود المناصرة (50 عاما) واصابة خمسة بينهم طفلة في القصف المدفعي الاسرائيلي شرق الشجاعية".

وقال احد شهود العيان ان عددا من القذائف المدفعية سقط في منزل لعائلة المناصرة في حي الشجاعية شرق مدينة غزة ما ادى الى حدوث حريق كبير فيه ووقوع قتيل وعدد من الاصابات. واضاف ايضا ان قذيفتين على الاقل سقطتا على موقع للامن الوطني التابع لحكومة حماس في المنطقة نفسها.
وشنت المقاتلات الحربية الاسرائيلية غارة جوية على موقع تدريب لكتائب عز الدين القسام الجناح المسلح لحركة حماس شرق مدينة غزة، حسب مصادر فلسطينية. واطلقت المدفعية الاسرائيلية عدة قذائف على الحدود الشرقية لمدينة غزة.

واعلنت كتائب عز الدين القسام الجناح المسلح لحركة حماس انها اطلقت صاروخين على اسرائيل مساء الخميس من قطاع غزة. وقالت كتائب القسام في بيان صحافي مقتضب ان "كتائب القسام قصفت موقع اسناد صوفا الصهيوني بصاروخي قسام". ويقع هذا الموقع الاسرائيلي شرق مدينة رفح جنوب قطاع غزة.

وكان وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك امر بعيد اصابة الفتى الاسرائيلي "الجيش بالتحرك سريعا بكل الوسائل اللازمة للرد على الهجوم على الباص". واضاف بيان صادر عن مكتب باراك انه "يعتبر حماس مسؤولة عن كل الاحداث الواقعة في غزة".

حماس تريد إحتواء الموقف

وكانت حركة حماس بذلت جهودا مكثفة لاستعادة الهدوء بعد فشل الهدنة السابقة اثر مقتل اثنين من جناحها العسكري في قصف جوي اسرائيلي في 16 اذار/مارس. وارادت حركة حماس بموقفها هذا تجنب تكرار العملية الاسرائيلية "الرصاص المصبوب" على قطاع غزة في كانون الثاني/ديسمبر 2008 حتى كانون الثاني/يناير 2009 التي قتل فيها حوالى 1440 فلسطينيا و13 اسرائيليا.

ومساء الخميس اعلنت حكومة حماس انها ستلجأ للضغط على اسرائيل عبر "الطرق السياسية" لوقف التصعيد، وقال طاهر النونو المتحدث باسم حكومة حماس لوكالة فرانس برس ان "اسرائيل تقوم بالتصعيد ومعنية به. سنقوم بحملة دبلوماسية لشرح من الذي بدأ بالتصعيد للعالم". واضاف ان "موقفنا ثابت وسنقوم بالضغط على الاحتلال عبر الطرق السياسية لوقف تصعيده ضد قطاع غزة وسندعو المجتمع الدولي الى تحمل مسؤوليته تجاه ما يجري من تصعيد".

واشار الى ان حكومته ستقدم ايضا "شكوى عاجلة الى مجلس الامن احتجاجا على هذا التصعيد غير الاخلاقي والذي يستهدف قتل المدنيين"، معتبرا ان "ما تقوم به قوات الاحتلال جرائم حرب يعاقب عليها القانون". بدوره قال فوزي برهوم المتحدث باسم حركة حماس في بيان صحافي ان"التصعيد الاسرائيلي هو اختبار لارادة الشعوب العربية ويجب ان تثبت انها لن تسمح باستهداف غزة".