الحزب الاشتراكي الفرنسي يسترجع شعبيته
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يؤكد المراقبون أن الحزب الاشتراكي الفرنسي، الذي يمثل القوة السياسية الأولى في المعارضة الفرنسية، في وضع جيد، بل إنه في موقع أحسن بكثير من الذي كان عليه في الفترة نفسها قبل الرئاسيات الأخيرة، ما قد يؤهله، بحسب هؤلاء، إلى تجسيد دور المنافس الحقيقي في سباق الإليزيه المقبل، أمام اليمين الحاكم.
قدمت قيادة الحزب الاشتراكي الفرنسي في بحر الأسبوع الماضي الخطوط العريضة لبرنامجها السياسي، الذي سيشكل أرضية نقاش مع باقي الفرقاء السياسيين، وإقناع بالنسبة إلى الناخب الفرنسي، الذي خرج، طبقًا لاستطلاعات الرأي الأولى، بنظرة إيجابية عنه، حيث تفاعل معه إيجابًا ما يزيد عن سبعين بالمائة من الفرنسيين.
وإذا كان هذا المشروع السياسي أغرى الفرنسيين في عمومهم، بحسب ما أكدته استقراءات الرأي حتى الآن، فلأنه، تضمن، بحسب مراقبين، محاور تلتصق كثيرًا بالشأن اليومي للفرنسيين، وتمنحهم أملاً منفتحًا على مستقبل، في ظل أزمة اجتماعية، ترخي بظلالها على البلد منذ مدة.
ويطرح البرنامج 30 مقترحًا، تعرضت لأهمها وسائل الإعلام المحلية، وضمّت الإصلاحات الضريبية، والتربية، والتشغيل، والشباب، والبيئة، والأمن والقضاء والهجرة، التي طرحت بخصوصها تشديد المراقبة على السرية منها وتسوية وضعية المهاجرين بدون أوراق انطلاقًا من "شروط واضحة".
وليام لودي وهو قيادي في حزب مارتين أوبري، متخرج من معهد الدراسات السياسية، أشاد في حديث لإيلاف، بمضامين المشروع، وإعتبرها "مهمة، سيما تلك المتعلقة بتشغيل الشباب، حيث ستخلق 30 ألف فرصة عمل".
وإستبعد لودي أن يحقق الحزب الاشتراكي نتائج جد إيجابية وحده في الرئاسيات المقبلة، وسيكون بذلك ملزمًا"، إن أراد منح الفوز لليسار، على "خلق تحالفات مع مكونات هذا الصف السياسي، أي اليسار، سيما حزب الخضر...".
عن هذا المشروع يقول المحلل السياسي جورج نوفل، في تصريح له لإيلاف، "إنه غير نهائي، وما الإعلان عنه الآن سوى الحرص على إعطاء صورة إيجابية عن الاشتراكيين، يظهرون فيها صفًا واحدًا بدلاً منالتشرذم الذي كلفهم الرئاسة في العام 2007، ولذلك تم اختيار بنوده بعناية، بحيث يشكل أرضية تتفق عليها مختلف التيارات في الحزب"، بحسب تحليله.
وأضاف نوفل "لا شك أنه ستطرأ تعديلات وإضافات على المشروع، وربما تم أيضًا إلغاء بعض بنوده، بحيث يكون المشروع بنسخته النهائية منسجمًا مع التطلعات الشخصية التي سيقع عليها الاختيار في الانتخابات التمهيدية الداخلية لتمثيل الاشتراكيين في الرئاسيات".
ويوضح هذا المحلل السياسي أكثر سر تجاوب الفرنسيين، حتى الآن، مع هذا المشروع بكونه "لا يوجد منافس له في الوقت الحاضر، وقد يعود الأمر كذلك إلى تدهور شعبية الرئيس نيكولا ساركوزي وإلى مظهر الانقسام الذي يظهر به الحزب الحاكم وأيضًا إلى ارتفاع رصيد حزب الجبهة الوطنية ورئيسته مارين لوبين". أما بالنسبة إلى مشاريع الأحزاب الأخرى، فيقول نوفل، "بانتظار الإعلان عنها فأعتقد أنها ستكون مقبولة بقدر قبول الفرنسيين شخصية مرشح تلك الأحزاب".
من سيحمل الألوان الاشتراكية في الرئاسيات؟
بعد تقديم هذا المشروع، ينتظر الحزب الاشتراكي مرحلة أخرى، بمقدور خلاصتها أن تؤكد سلبًا أو إيجابًا حظوظه وحظوظ اليسار الفرنسي في قلب المعادلة السياسية في فرنسا لمصلحته، وتحقيق تناوب سياسي ناجح، وذلك بعد ظهور الاسم الذي سيحمل هذا البرنامج السياسي في الرئاسيات.
وهناك سبعة عناصر تحاول أن تكسب قلوب الاشتراكيين وكل الفرنسيين، قبل أن يكون لها فرصة للمشاركة في سباق الإليزيه، حيث سيكون عليها الفوز في الانتخابات التمهيدية الحزبية، التي ينظمها الحزب لاختيار المرأة أو الرجل الذي سيحمل ألوان الاشتراكيين في الرئاسيات.
والأسماء التي لها أكبر الحظوظ للمرور لمرحلة الرئاسيات نجد في المقدمة دومينيك ستروس كان المدير العام لصندوق النقد الدولي، ومارتين أوبري الأمينة العامة للحزب الاشتراكي، وفرانسوا هولاند الأمين العام السابق لهذا التنظيم.
ويمكن القول إن ترشيح كل من وزير الاقتصاد السابق في حكومة جوسبان ومارتين أوبري عمدة مدينة ليل، إنهما يذوبان في ترشيح واحد، لأن كل منهما يرهن ترشيحه بترشيح الآخر، ففي حالة تقديم ستروس كان ترشيحه، من المنتظر أن تدعمه أوبري، والعكس صحيح.
ويبقى ستروس كان المرشح الأوفر حظًا للفوز في هذه الرئاسيات، لشعبيته المهمة في الأوساط الفرنسية، إذ تقدمه استطلاعات الرأي فائزًا على ساركوزي في حالة تقدمه إلى هذه الانتخابات، زيادة على تعبير أكبر القياديين في الحزب الاشتراكي عن دعمهم له، بل هناك من عبّر عن استعداده سحب ترشيحه للتمهيديات في حالة تقدم ستروس كان لها.
حظوظ الاشتراكيين في رئاسيات 2012
الملاحظون يقرّون أن الحزب الاشتراكي الفرنسي له إمكانية حقيقية لإمالة الكفّ لمصلحته في الرئاسيات المقبلة، لو أدرك الاشتراكيون أن يقودوا مرحلة التمهيديات بطريقة إيجابية، تخلق وحدة من خلف مرشح واحد، وليس التشتت من خلفه، كما حصل عندما وقع الاختيار من طرف الغالبية الاشتراكية على سيغولين روايال في تمهيديات الرئاسيات الأخيرة.
والأشهر الستةالمتبقية لهذه التمهيديات، التي ستنظم في تشرين الاول- أكتوبر المقبل، يراها مراقبون لا تصبّ في مصلحة الاشتراكيين، وسيتطلب من القيادة الاشتراكية أن تقدم الكثير لشغل كل هذه المسافة الزمنية من الانتظار، التي ينظر لها كمرحلة فراغ، لا تقبله السياسة، ما قد لا يلعب لمصلحة الامتياز الذي يحظى به هذا الحزب، في الوقت الراهن، لدى الفرنسيين.
وإن كانت هذه المدة من الانتظار في تعيين مرشح معين للاشتراكيين، في مصلحة أو ضد مصلحة حزب المعارضة، يرى الإعلامي والمحلل السياسي "أن كل شيء متوقف على كيفية التعاطي مع هذه المرحلة الفاصلة ومدى الاستفادة من هذه المسافة الزمنية. بالطبع كل طرف من الأطراف المقبلة على المنافسة سيحاول تحصين مواقعه استعدادًا لخوض معركته في الانتخابات التمهيدية، والمناورات داخل الحزب ستكون كثيرة، مما قد يجعلها أكثر حدةبسبب طول فترة الانتظار، ما من ِشأنه المساهمة في بروز انشقاق وانقسام، وبالتالي إضعاف الشخصية التي ستخوض معركة الرئاسة عن الحزب".
كما يعتبر جورج نوفل أن "الطريق لا يزال طويلاً بالنسبة إلى الحزب الاشتراكي للوصول إلى الإليزيه، مفسرًا ذلك بكون "مشروعه بحد ذاته لا يتضمن سوى تعهدات قديمة تم تلبيسها بثوب جديد، ولا يوجد فيه إلا القليل من البنود المستحدثة، وبعضها من الصعب تنفيذه، وبالتالي فهو لا يشكل سوى خطوة أولى".
ويرى هذا الإعلامي والمحلل السياسي أن "فضل هذا المشروع أنه شكل قاسمًا مشتركًا لكل التيارات في الحزب، بحيث انه ظهر موحد الصف، وليس منقسمًا، كما كان عليه قبل ثلاث سنوات، وقد صفق له كل أركان الحزب والمرشحين المحتملين".
وأضاف "الاختبار الحقيقي سيأتي في المرحلة اللاحقة مع اقتراب موعد الانتخابات التمهيدية الداخلية لاختيار المرشح ونوعية خطاب المنافسة ومدى قدرته على التجاوب مع تطلعات الفرنسيين، وحينها فقط يمكن تكوين صورة حول ما إذا كان الحزب الاشتراكي قد تلمس طريقه الصحيح نحو الاليزيه، وتعلم من دروس الماضي".
وحول الشخصية الاشتراكية التي يراها قادرة على حمل الدفاع عن مشروع حزب الوردة في رئاسيات 2012، يقول جورج نوفل، "إذا أخذنا المشروع كما هو اليوم فإن معظم القيادات في هذا التنظيم تملك المؤهلات للسير به،ولكن، يستدرك نوفل،"كما قلت، فإن المشروع سيجري تطويره لكي يكون منسجمًا أكثر مع رؤية وإرادة من تم اختياره، وأنا أرى أن دومينيك ستروس كان هو الأنسب والأقدر لكي ينفذ هذا المشروع بعد تطويره، لأنه يملك أكثر من غيره مواصفات رجل دولة وعنده القدرةوالخبرة لكي يقود سياسة اشتراكية مطعمة بأفكار يمينية"، على حد توصيفه.