البشير: المحكمة الجنائية الدولية تكيل بمكيالين وسلوكها سياسي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
رأى رئيس السودان عمر البشير أن ما حصل في دارفور صراع تقليدي ظل قائمًا منذ أيام الاستعمار وقد تطوّر إلى تمرد. وعن اتهامات المحكمة الدولية له بجرائم حرب اعتبر أن عملها نشاط سياسي، وليس سلوكًا قانونيًا.
صلاح أحمد من لندن: أجرت صحيفة "غارديان" البريطانية أول لقاء لمؤسسة إعلامية غربية مع الرئيس السوداني عمر حسن البشير منذ أن اتهمته المحكمة الجنائية الدولية بالكبائر في دارفور، تناولت طيفًا واسعًا من القضايا الآنية، من الاتهامات نفسها مرورًا بالثورات العربية ووصولاً إلى استقلال الجنوب.
ولد عمر حسن أحمد البشير في مطلع يناير / كانون الثاني 1944 لأسرة من الفلاحين في قرية حوش بانّقا، في شمال الخرطوم، وتلقى تعليمه الابتدائي والتكميلي في شندي القريبة، ثم بدأ الثانوية في العاصمة، لكن معلمًا انكليزيًا أقنعه بالالتحاق بالجيش، وهو ما فعله في 1960.
في 1973 قاتل - كضابط مظلات - الى جانب القوات المصرية في حربها مع اسرائيل. وارتقى بعدها السلم العسكري، وعُيّن ملحقًا عسكريًا لبلاده في الإمارات، قبل أن يحصل على رتبة عميد.
في 1989 قاد البشير انقلابه على حكومة الصادق المهدي المنتخبة ديمقراطيًا، واستحدث "مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني" الذي تولى رئاسته، وتحالف مع الاخوان المسلمين بقيادة حسن الترابي، وحجر الاثنان الأحزاب والحريات العامة. وجمع البشير بين منصبي رئيس الوزراء ورئيس الدولة الشرفي. وفي 1993 عيّن نفسه رئيسًا. وبعدها بخمس سنوات اختصم مع الترابي، وسجنه لاحقًا.
ورغم انه بدأ تقاربًا حذرًا مع الغرب في 2001 بعدما أنهى حرب الجنوب الثانية التي بدأت العام 1983، فقد تدهورت تلك العلاقة بشكل مريع مع اندلاع الصراع الدموي في دارفور غرب السودان في فبراير / شباط 2003. وفي 14 يوليو / تموز 2008، وفي واقعة غير مسبوقة في الدبلوماسية العالمية المعاصرة، أصدر المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية، لويس مورينو أوكامبو، مذكرة توقيف بحقه في قضية دارفور بعدما وجهت إليه المحكمة 10 تهم تتعلق بالقتل الجماعي وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية بعد مقتل عشرات الآلاف وتشريد حوالي 2.7 مليون شخص تبعا لأرقام الأمم المتحدة.
في ما يتعلق بالجنوب فقد وقّع البشير في 2005 على اتفاق السلام الشامل الذي قاد الى الاستفتاء حول انفصال الجنوب بعد 55 عامًا من نيل السودان الموحد استقلاله من الاستعمار البريطاني. وصوّت الجنوبيون بغالبية كاسحة للانفصال الذي سيدخل حيز التنفيذ مع حلول يوليو/تموز المقبل.
وفي 26 أبريل / نيسان 2010 أعيد انتخابه رئيسًا في أول انتخابات تعددية منذ استلامه السلطة. وهو صاحب رابع أطول فترة حكم من بين الحكام العرب ممن هم على قيد الحياة حاليًا، بعد تنحّي الرئيس المصري حسني مبارك عن الحكم في 11 فبراير 2011. وتعتبر فترة حكمه الأطول في تاريخ السودان الحديث. وتبعًا للموسوعة الحرة "ويكيبيديا" فهو متزوج من اثنتين (تزوج الثانية بعد مقتل زوجها عضو مجلس قيادة ثورة الإنقاذ العقيد إبراهيم شمس الدين إثر تحطم طائرته بأعالي النيل) وليس لديه أبناء.
ويبدو أن صحيفة "غارديان"، في حوار حصري مع الرئيس السوداني، عمر حسن البشير، اختارت عنوانًا له يمكن وصفه بأنه "غير دقيق"، إذ جاء كالآتي: "عمر البشير: صراع دارفور مسؤوليتي". وقالت الصحيفة إن الرئيس السوداني بهذا "يقرّ للمرة الأولى بمسؤوليته الكاملة عن صراع الإقليم الغربي الذي فقد فيه عشرات الآلاف أرواحهم".
على أن غياب الدقة يتمثل في أن البشير قال إنه "كرئيس" مسؤول عن كل شيء يحدث في البلاد. وهذه بالطبع صياغة مطّاطة لا ترقى الى اعترافه بالمسؤولية الشخصية، وإنما هي فقط إشارة الى أن الرئيس - أي رئيس - مسؤول عما يحدث في بلاده.
أحداث دارفور.. تبعاً له
الحوار أجراه في القصر الجمهوري في الخرطوم مساعد رئيس تحرير "غارديان" وكاتب العمود في الشؤون الدولية، سايمون تيسدال. فبدأ بسؤال الرئيس: "هل تقبلون بشيء من المسؤولية الشخصية عما حدث في دارفور في 2003 - 2004 وما قيل من أن آلافاً عدة من الناس فقدوا أرواحهم؟ هل انتم نادمون على أي شيء فعلتموه في ذلك الوقت"؟.
يجيب البشير قائلاً: "أنا، كرئيس، مسؤول عن كل شيء يحدث في البلاد. لكن ما حصل في دارفور، أولاً، هو صراع تقليدي ظل قائما منذ أيام الاستعمار... صراعات قبلية بسبب الاحتكاكات بين الرعاة والمزارعين. وقد تطورت هذه الصراعات التقليدية الى تمرد. وكحكومة فقد حاربنا المتمردين الذين يحملون السلاح ضد الدولة".
ورأى أن اولئك المتمردين قاموا بالاعتداء على بعض القبائل التي ردت على هذا، وحاولت ايضًا الانتقام. ومن هنا جاءت الخسائر البشرية، لكنها لا تقترب من الأرقام المذكورة في الإعلام الغربي. ويقول إن هذه أرقام "مضخمة ومقصودة بالطبع".
ضمير مرتاح
يرد مراسل غارديان على ذلك بالقول إنه زار دارفور ورأى معسكرات اللاجئين. والأمم المتحدة تقول إن 2.7 مليون شخص تشرّدوا، وجماعات الضغط الأميركية تتساءل: "كيف تستطيع، سيادة الرئيس، أن تنام الليل وأنت مرتاح البال. هل تقول إنك غير نادم على هذا، وإن ضميرك راض عنك"؟.
هنا يوضح البشير: "نحن لا ندّعي أنه لا توجد مشكلة في دارفور. نعم، هناك مشكلة، وهناك نازحون. لكن الرقم الذي يتحدثون عنه - 2.5 مليون نازح - غير صحيح. نحن نقدر العدد في حدود 70 ألفًا. وهذا لأن بعض الناس حملوا السلاح ضد الدولة واعتدوا على المواطنين وعلى المدن. فمن واجب الدولة أن تقاتل المتمردين.. لكننا لم نقاتل المواطنين".
كيل بمكيالين
يسأله ضيفه: "المحكمة الجنائية الدولية التي تدعمها الأمم المتحدة وجهت اليكم 10 تهم تتعلق بالقتل الجماعي وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية. لماذا لم تسلموا أنفسكم لها"؟.
يرسم الرئيس ابتسامة واسعة، ويقول إن هذه "عملية سياسية وكيل بمكيالين، لأن الجرائم الواضحة في العالم الآن، في فلسطين، في العراق، في افغانستان.. لم تجد طريقها الى محكمة الجنايات الدولية. والشيء الآخر هو أن القرار الذي نُقلت به قضية دارفور الى المحكمة الدولية نصّ على عدم محاسبة الجنود الأميركيين وألا يوجه اليهم الاتهام. هذه ليست عدالة، وإنما عملية سياسية".
ويمضي قائلاً إن سلوك مدعي المحكمة "يثبت انه سلوك ناشط سياسي، وليس سلوكًا لقانوني. وهو الآن يقوم بحملة ضخمة ويضيف إليها العديد من الأكاذيب. وأكبر هذه الأكاذيب قوله إن لديَّ 9 مليارات دولار في أحد البنوك البريطانية. حتى إن البنك البريطاني نفسه نفى هذا، مثلما نفاه وزير المالية (البريطاني) في تقريره الى مجلس اللوردات".
لا ملاذ للقذافي في السودان
ينتقل المراسل الى الحديث عن ليبيا وسعي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا إلى تنحي العقيد القذافي، ويطلب الى الرئيس ايضاح ما إن كان السودان مستعدًا لتقديم الملجأ له في حال تنحيه فعلاً.
يؤكد البشير أن ما يهم بلاده هو العلاقة مع الشعب الليبي، لأن علاقات الحكام والحكومات شيء عَرضي زائل، والذي يبقى هو علاقات الشعوب. ويضيف: "نحن حريصون على علاقات السودان مع الشعب الليبي، وفي الظرف الحالي نجد صعوبة في استقبال العقيد القذافي، لأن هذا سيثير مشاكل بيننا وبين الشعب الليبي نحن في غنى عنها".
"20 عامًا والغرب يحاول إزاحتي"
هنا يلفت البشير إلى أن الجميع يعلم أن ليبيا دولة مهمة للغاية. وأهميتها تنبع أولاً من موقعها الجغرافي وشاطئها الطويل على البحر الأبيض المتوسط المواجه لأوروبا، إضافة الى مواردها البترولية.. كل هذا يجعلها دولة ذات أهمية قصوى بالنسبة إلى دولة مثل فرنسا تحديدًا وبريطانيا ثم أوروبا عمومًا. هذه الدول يهمها أن يأتي في طرابلس نظام متصالحٌ معها إن لم يكن مواليًا لها.
أما بالنسبة إلى تغيير النظام في السودان، فقد ظلوا (الغربيون) يحاولون هذا الأمر منذ 20 عامًا، فلا جديد إذن في هذه الناحية.
هل يعتقد البشير أن الولايات المتحدة وأوروبا لا تزالان تسعيان إلى إطاحة حكومته وتغيير نظامه؟ يجيب قائلاً إنه لاحظ تغييرًا في الموقف الأوروبي من التعامل مع السودان. لكن أميركا تتجاذبها مراكز قوى مختلفة ونافذة ولا يزال موقفها هو تغيير النظام في الخرطوم.
مصير مبارك نفسه؟
ينتقل السائل الى الحديث عن الثورات العربية مشيرًا الى احتجاجات في السودان خلال الأسابيع الأخيرة تطالب بالإصلاح والديمقراطية. فيقول إن البشير ظل قابعًا في السلطة فترة تقارب تلك التي أمضاها الرئيس حسني مبارك الذي يواجه مثوله أمام القضاء. فهل يرى ضغوطًا مشابهة في السودان من أجل رحيله أيضًا؟
يدفع البشير بانتخابات الرئاسة السودانية التي أجريت العام الماضي، ويقول إنه فاز فيها بـ69 % من الأصوات. ويقر، قطعاً، بوجود معارضة تطالب بالتغيير. لكن نتيجة الانتخابات أثبتت أن تلك الأحزاب "ضعيفة ومن دون قواعد جماهيرية مؤيدة لها. كما إن دعواتها المواطنين للخروج الى الشارع لم تجد لها استجابة، وهذا بسبب ضعفها، على عكس ما حدث في مصر وتونس وليبيا ايضا". ويمضي قائلاً إن الأطراف السودانية تتحاور الآن من أجل دستور دائم يعبّر عن تطلعات الشعب وحرياته وحقوقه وواجباته.
مشفقون على الجنوب
يجيب البشير قائلا إن الشمال لم يُهزم في الحرب، وإنما كان منتصرًا على كل الجبهات، وإن الهدف من اتفاقية السلام بين الطرفين هو الأمن والسلام لكل السودان. وأحد الأهداف أيضا كان الوحدة. ومع ذلك فقد وافق الشمال على حق تقرير المصير بالنسبة إلى مواطني الجنوب ووافق على قبول نتيجة الاستفتاء رغم علمه أنها ستكون لمصلحة الانفصال.
ويشير إلى أنه: "الآن وقد قرر الجنوبيون الانفصال وإقامة دولتهم، يهمنا نحن ان تكون هذه دولة ناجحة، لأن أي عدم استقرار في الجنوب سيكون له انعكاس مباشر علينا في الشمال. وللأسف فإننا نلاحظ أن هناك الكثير من التذمر والانشقاقات والتمرد".
ويختتم قائلاً إن هذا الوضع أتى "لأن ثمة مشاكل حقيقية صادرة من الحكومة في الجنوب، وفي تعاملها مع مواطنيها. نحن مشفقون حقًا على الأوضاع هناك، ومستعدون، كما قلنا مرارًا وتكرارًا، لدعم حكومة الجنوبيين من أجل الاستقرار".
التعليقات
القادة الرؤيويين!
قيس الحربي -سمعت هذا الرجل يتحدث قبل فترة قائلاً أنه وبعد أن يقرر الجنوب الإنفصال، فسيعمد إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في الشمال السوداني المتبقي من كيان الدولة الذي يتفتت بفعل السياسات الخرقاء من مثل هذه التي يعدنا بها، ومثل حروب الجهاد التي خاضها ضد الحركات الجنوبية منذ أن جاء للحكم في عام ١٩٨٩. هكذا إذن، البشير يرى أن خلاص الأمة في السودان يتمثل في تطبيق الشريعة الإسلامية فور إنفصال الجنوبيين وتكوين دولتهم الجنوبية الخاصة بهم. ويرى أيضاً، أن هؤلاء الجنوبيين هم الذين أعاقوا نهضة البلد التي كانت ستتحقق لو أنهم سمحوا له بتطبيق رؤيته الدينية في بلد كان يمارس الأسلوب الديمقراطي المبتدئ قبل مجييئه راكباً عربته العسكرية. هذا البشير، إن لم تقم ثورة في السودان شبيهة بأي من هذه االثورات المشتعلة في البلدان العربية، وإن استطاع تجنب القبض عليه وتسليمه للمحكمة الدولية، وإن تمكن من الإفلات من إنقلاب عسكري يدبره ضابط طامح في الحكم على طريقة البشير ذاتها، وإن إمتد العمر به ليرعى نبتة الشريعة العتيدة تنمو في السودان، فإنني أراهنه على أن السودانيين سينتقلو للعيش في الجزـء الجنوبي العلماني كما يريده قادته، مفضلينه في ذلك على جنة البشير الموعودة القائمة على إستدعاء خرافات الشرائع الربانية للتعامل معها في القرن الواحد والعشرين. وحينها، يمكن للمرء أن يتغلب على الحيرة التي تواجهه حول مسألة تصنيف السودان ككيان. سيكون بالتآكيد مع صومال الشباب وأفغانستان طالبان وغزة حماس مستحقاً مكانته المستجدة بجدارة. فهنيئاً لهذه الدول هكذا قادة رؤيويين.
القادة الرؤيويين!
قيس الحربي -سمعت هذا الرجل يتحدث قبل فترة قائلاً أنه وبعد أن يقرر الجنوب الإنفصال، فسيعمد إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في الشمال السوداني المتبقي من كيان الدولة الذي يتفتت بفعل السياسات الخرقاء من مثل هذه التي يعدنا بها، ومثل حروب الجهاد التي خاضها ضد الحركات الجنوبية منذ أن جاء للحكم في عام ١٩٨٩. هكذا إذن، البشير يرى أن خلاص الأمة في السودان يتمثل في تطبيق الشريعة الإسلامية فور إنفصال الجنوبيين وتكوين دولتهم الجنوبية الخاصة بهم. ويرى أيضاً، أن هؤلاء الجنوبيين هم الذين أعاقوا نهضة البلد التي كانت ستتحقق لو أنهم سمحوا له بتطبيق رؤيته الدينية في بلد كان يمارس الأسلوب الديمقراطي المبتدئ قبل مجييئه راكباً عربته العسكرية. هذا البشير، إن لم تقم ثورة في السودان شبيهة بأي من هذه االثورات المشتعلة في البلدان العربية، وإن استطاع تجنب القبض عليه وتسليمه للمحكمة الدولية، وإن تمكن من الإفلات من إنقلاب عسكري يدبره ضابط طامح في الحكم على طريقة البشير ذاتها، وإن إمتد العمر به ليرعى نبتة الشريعة العتيدة تنمو في السودان، فإنني أراهنه على أن السودانيين سينتقلو للعيش في الجزـء الجنوبي العلماني كما يريده قادته، مفضلينه في ذلك على جنة البشير الموعودة القائمة على إستدعاء خرافات الشرائع الربانية للتعامل معها في القرن الواحد والعشرين. وحينها، يمكن للمرء أن يتغلب على الحيرة التي تواجهه حول مسألة تصنيف السودان ككيان. سيكون بالتآكيد مع صومال الشباب وأفغانستان طالبان وغزة حماس مستحقاً مكانته المستجدة بجدارة. فهنيئاً لهذه الدول هكذا قادة رؤيويين.