السياسة الخارجية الاميركية ساعدت بن لادن في مشروعه
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تحتفي وسائل الاعلام الاميركية والمسؤولون الاميركيون بمقتل اسامة بن لادن الذي يصورونه من أهم الأحداث منذ اعتداءات 11 ايلول ـ سبتمبر 2001. وبقدر ما يُضعف مقتل بن لادن تنظيم القاعدة فانه سيكون مكسبا بلا ريب. ولكن معلقين يؤكدون ضرورة القاء نظرة هادئة الى الواقع بعيدا عن الهرج الاعلامي.
ويكتب المعلق مارك وايسبروت في صحيفة الغارديان ان بن لادن الذي دعمته الولايات المتحدة طيلة سنوات ، مثله مثل صدام حسين وغيره من الجزارين سييء الصيت ، قبل ان ينقلب عليها ، غيَّر العالم بأشد الأعمال الارهابية تدميرا على الأرض الاميركية. ولكن اسباب تمكنه من تنفيذ هذا العمل تتصل بالسياسة الخارجية الاميركية في تلك الفترة بقدر صلتها باستراتيجة بن لادن واهدافه.
لم يكن هدف بن لادن ، كما يظن البعض ، مجرد إسقاط الامبراطورية الاميركية. فهذا هدف يشترك فيه غالبية سكان العالم الذين من حسن حظنا لن يستخدموا العنف الارهابي لتحقيقه ، بحسب وايسبروت. بل كان هدفه تحويل الصراع بين الولايات المتحدة والتطلعات الشعبية في العالم الاسلامي الى حرب ضد الاسلام ، أو على الأقل الايحاء لملايين بحرب كهذه. وبعد عشر سنوات على اعتداءات 11 ايلول ـ سبتمبر، نرى انه حقق نجاجا كبيرا في هدفه. فالولايات المتحدة تحتل افغانستان والعراق وتقصف باكستان وليبيا ، وتهدد ايران ـ وكلها بلدان اسلامية. ويبدو لقطاع ضخم من سكان العالم الاسلامي ان الولايات المتحدة تشن حملة صليبية حديثة ضدهم رغم تأكيدات الرئيس اوباما على الضد من ذلك مساء الأحد.
ويتكفل هذا الوضع ، مع استمرار دور الولايات المتحدة في دعم الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية ، بضمان دفق متواصل من المجندين لأي حركة ارهابية من النمط الذي كان يقوده بن لادن ، في المستقبل المنظور. وبهذا المعنى فقد كان بن لادن ناجحا في مشروعه ، كما يرى وايسبروت.
ومن المرجح ان بن لادن كان يعلم ان رد الولايات المتحدة على اعتداءات 11 ايلول ـ سبتمبر سيقوي حركته رغم خسارة قاعدتها في افغانستان. فالولايات المتحدة استغلت 11 ايلول ـ سبتمبر لتبرير تدخلات اقدمت عليها في انحاء العالم. وعلى متداد عقد كامل قبل ذلك التاريخ كانت واشنطن من دون اطار ايديولوجي عام كهذا. فحتى عام 1990 مر العالم بأربعة عقود من الحرب ضد الشيوعية التي كانت تُستخدم ذريعة لكل شيء ، من اطاحة حكومات ديمقراطية غير شيوعية في نصف الكرة الغربي (غواتيمالا وتشيلي) الى حرب واسعة في فيتنام فضلا عن مئات القواعد العسكرية في انحاء العالم. ثم انهار الاتحاد السوفيتي وانتهت الحرب الباردة لكن القواعد العسكرية والتدخلات ظلت مستمرة.
وجاءت "الحرب على الارهاب" مفصلة على مقاس حقبة ما بعد الحرب الباردة ، وهذا ما لاحظه على الفور صقور مثل نائب الرئيس الاميركي وقتذاك دك تشيني قبل أن تُشن أي حروب. ففي غضون خمسة ايام من اعتداءات 11 ايلول ـ سبتمبر ظهر تشيني على التلفزيون ليعلن ان الحرب على الارهاب مشروع طويل الأمد ، وعمل يستغرق سنوات. وها هو مستمر منذ سنوات. وبالضربات التي توجهها الطائرات الاميركية بدون طيار في باكستان حيث تقتل مدنيين وتثير مزيدا من الكراهية ، يجري تكريس دوامة من العنف يمكن ان تستمر لسنوات قادمة.
لم يكن هذا محتوما بطبيبعة الحال. والمفارقة ان قتل بن لادن يؤكد ما كان اليسار يؤكده منذ عام 2001 ، وهو ان احتلال افغانستان لم يكن ضروريا أو مبررا لملاحقة بن لادن. فان قتل بن لادن كان عملية استخباراتية بالدرجة الرئيسية ، ولم يكن على الولايات المتحدة ان تغزو باكستان أو تحتلها لتنفيذ العميلة. ويصح الشيء نفسه عندما كان بن لادن في افغانستان.
الآن وقد رحل بن لادن تتصاعد الدعوات في افغانستان الى رحيل الولايات المتحدة ، ويتردد صداها في اميركا نفسها.
لن نعرف ابدا فيم كان يفكر بن لادن عندما خطط اعتداءات 11 ايلول ـ سبتمبر. ولكنه كحليف للولايات المتحدة خلال الحرب الباردة كان يستطيع ان يفهم بسهولة كيف ستؤدي هذه الهجمات الى "حرب على الارهاب" تعزز حركته. ان بن لادن وإن كان ارهابيا متعصبا فهو كان يعرف عدوه ، كما يكتب مايك وايسبروت.