من كاليغولا إلى ستروس - كان... السلطة مطيّة إلى الجنس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
من إمبراطور الرومان كاليغولا إلى امبراطور النقد الدولي في القرن الحادي والعشرين ستروس - كان، تظل القصة كما هي: ما إن يحصل المرء على السلطة، فالغالب أن تنمّي "جانبه المظلم" فيصبح جائعًا جنسيًا لا يشبع.
صلاح أحمد من لندن: الرغبة الجنسية - خاصة لأجل المتعة فقط - طبيعة بشرية لا يحدّ منها أن الناس ينجبون نسلاً تعجّ به الأرض، وتضيق به مواردها المحدودة والمتناقصة مع زيادة السكان المستمرة أبداً.
ولحسن الحظ فثمة كوابح تمنع تحقيق تلك الرغبة متى ما أراد المرء وأين. ومن هذه "الحلال والحرام" تبعًا للقوانين السماوية والتقاليد والشريك الراغب والقوانين الوضعية.. بين أشياء أخرى. ومع ذلك فلكل قاعدة استثناء، فيبدو أن السلطة ظلت توفره لمن تمتع بها - إذا رغب - على مر العصور.
أمّة من الأبناء
على سبيل المثال، فإن تاريخ القرن التاسع عشر يحدثنا بأن حاكم المغرب مولاي إسماعيل أنجب 888 ابنًا من 500 من حريمه. لكن إسماعيل نفسه يتواضع أمام جنكيز خان (1162 - 1227). فقد أظهرت دراسة علمية في 2003 لكروموسوم الذكورة لدى 2123 رجلاً يعيشون حاليًا على أراضي امبراطورية المغول الغائرة أن 16 مليون رجل (واحد من كل 200 شخص من سكان المعمورة) يتحدرون من صلب ذلك الرجل الفحل ولا شك.
ورغم أن التاريخ المعاصر لم يشهد شيئًا كهذا من حيث عدد الأبناء، يظل المبدأ هو نفسه. فخذ رجالاً مهدت لهم السلطة الطريق لإشباع رغباتهم الجنسية، إما بالزواج "الجماعي" أو بالمعاشرة الجماعية خارج الزواج: دونالد ترامب.. وبيل كلينتون.. وجون إدواردز.. وجون كنيدي.. وآرنولد شوارزنيغر.. وأخيرًا - وليس آخرًا - دومينيك ستروس - كان، على سبيل المثال وليس الحصر، بالطبع لأن الأرض تعجّ بالرجال الممسكين بزمام السلطة والنفوذ.
وتنقل مجلة "تايم" الأميركية عن مارك هيلد، اختصاصي علم النفس في عيادة خاصة بدينفر، كولورادو، قوله: "عندما تتاح للرجل الفرصة لإرضاء نزواته الجنسية، فالغالب الأعمّ أنه لن يتردد. والتحدي الحقيقي هو أن تتاح له هذه الفرصة فيسدّ الطريق أمامها بدافع قناعته بأن هذا هو القرار الصحيح".
كلينتون ضد ترومان
ثمة أشياء كثيرة تميّز رجال السلطة الذين ينغمسون في ملذات الجسد من أولئك الذين يمتنعون عنها، وبعض هذه تتعلق بطبيعة الشخص نفسه. وخذ، مثلاً، بيل كلينتون الذي انقاد - على عكس هاري ترومان - وراء شهواته، رغم أن السلطة أوتيت للرجلين بالقدر نفسه.
وبالطبع فلا يستطيع أحد وضع إصبعه على الأسباب التي أغرقت كلينتون في سلسلة من الفضائح الجنسية الشهيرة على نطاق العالم.. ربما كان الدافع هو تفكك رباط زواجه، أو نشأته في كنف زوج والدته العنيف، أو ما أقرّ به من إحساسه بالنقص إزاء صورته أيام المدرسة كصبي غرير ومحبوب، لأنه عضو في الفرقة الموسيقية. وربما كل هذه الأسباب مجتمعة.
ويقول الدكتور فريد بيرلين، مؤسس عيادة علاج الاضطرابات الجنسية في جامعة جونز هوبكينز في بولتيمور، ميريلاند: "صحيح أن الأمر يتعلق بشخصية الرجل و"تركيبته الجنسية". وفي كل الأحوال فهناك عامل بيولوجي أساسي يتصل مباشرة بهذه المسألة. والواقع أن الجنس قوة ضاربة، بوسع البعض مقاومتها أكثر من البعض الآخر".
الجانب المظلم
من الواضح أن النرجسيين ينتمون إلى الفريق الأضعف عندما يتعلق الأمر بمقاومة الجنس. وأحد العوامل التي أظهرت جون إدواردز باعتباره "غير قابل للانتخاب" حتى قبل تفجّر فضيحته الجنسية تمثل في إحساس الناس العام بأنه نرجسي شديد الإعجاب بنفسه وحريص على حسن مظهره أكثر من أي شيء آخر.
على أن النرجسية ليست اللاعب الوحيد هنا. ويقول لاري جوزيفز، بروفيسير علم النفس في جامعة أديلفي، نيويورك: "الأمر يتعلق بما نسميه في علم النفس "الجانب المظلم". وهذا هو توليفة من النرجسية والميكافيلية مع درجة من الاعتلال العقلي الذي يؤثر سلبًا على نظرة الشخص الى العلاقات الاجتماعية عمومًا".
ومما لا شك فيه هو أن جون إدواردز لا ينتمي إلى خانة "المختلين عقليًا". لكن الشيء نفسه لا يقال عن الإمبراطور الروماني كاليغولا (حكم من 37 إلى 41 ميلادية، واغتيل في سن الثامنة والعشرين) وشهوته الجنسية الأسطورية التي يمكن إرجاعها إلى ذلك "الجانب المظلم" ودعائمه الثلاث بما فيها اعتلال العقل. ويقول البروفيسير جوزيفز إن الرجال الذين يتميزون بضعف هذه الدعامات هم الأقوى شكيمة في مقاومة الرغبات الجنسية.
الأمير والشهير
من العوامل الأخرى في هذا المجال النقطة التي يحصل فيها المرء على السلطة للمرة الأولى. فأبناء العائلات الملكية يولدون في النعمة والحقوق بدون واجبات. والأمراء الذين ينشؤون على هذا النحو قد لا يحتاجون البتة تطوير القوة الداخلية التي تعمل بمثابة كوابح للرغبات عمومًا، والرغبة الجنسية خصوصًا، وتسمح لهم تالياً بالسيطرة على النفس.
في موضع آخر، فإن نجوم الرياضة أو الموسيقى، على سبيل المثال، يولدون غالبًا في الطرف المقابل للأمراء، محرومين من النعمة والحقوق. وهم يظلون كذلك الى أن يظهروا موهبة غير عادية في الرياضة أو الغناء. عندها يجدون أن قواعد اللعبة تغيرت أمامهم، وأنهم اشتروا جوازات المرور الى إرضاء شهواتهم كما حلا لهم.
بعبارة أخرى فإن الشهرة تضعف لديهم كوابح القوة الداخلية، وهذا ينتهي بهم الى وضع الأمراء نفسه. ويصبح الفرق الوحيد بين الأمير والشهير هو أن هذا الأخير تمتع بتلك الكوابح قبل الشهرة، بينما الأول لا يعرف ماهيتها أصلاً لأنه وُلد بدونها.
والنساء أيضًا..!
مما لا شك فيه هو أن الرجال ليسوا الوحيدين الذين يستغلون السلطة لأغراض جنسية.. فهناك أيضًا نساء يتميّزن بوجود "الجانب المظلم" في دواخلهن، وتكون استجابتهن للنفوذ والشهرة مثلما هي الحال مع الرجال.
والأكثر من هذا هو أن هرمون التستوسترون - وهو القوة الدافعة للرغبة في السيطرة - ليس حكرًا على هذه الفئة الأخيرة. وتصديقًا على هذا يقول جوزيفز: "النساء أيضًا يفرزن التستوسترون، تمامًا كالرجال، وإن كان بمستويات مختلفة. وهذا يعني أن للمرأة الميول نفسها التي يحرّكها هذا الهرمون، والمنافع نفسها أيضًا. وفي مملكة الحيوان، مثلاً، فإن المسيطِر هو في الغالب الكثير الإنجاب ذكرًا كان أو أنثى".
استراتيجية التبعية
لكن، لئن كانت الفئة "ألِف" المكوّنة من رجال الصفوة ونسائها "تسيطر" بشكل رئيس على العالم وعلى وعاء مورّثاته، فإن هذا لا يعني أن البقية في فئة "باء" تكتفي بالتفرّج. فكما هو الحال وسط سائر "الحيوانات الاجتماعية"، لا يسمح العامة للقادة بزعامتهم، الا إذا كان ما يقدمه لهم هؤلاء الأخيرون من حيث الاستقرار والنظام أكبر مما يأخذونه منهم من حيث الموارد المادية والجنسية، وهذا هو ما يحفظ للمجتمعات توازنها.
ويقول جوزيفز: "لدينا ها ما نسميه "استراتيجية التبعية" على النحو الذي نراه في قرود الشمبانزي والبونوبو. إذا رأيت أن الزعيم ينفرد بالمتع الجنسية دون غيره، تحالفت مع آخرين لإطاحته. وهذه الظاهرة نفسها تشرح نوع الغضب الشعبي الذي يتفجر عندما يسيء أفراد النخبة السلوك الجنسي، وخاصة عندما يكون مصاحبًا بالعنف والإكراه".
ويمضي موضحًا "لا نريد لقائدنا أن يصبح "زير نساء" لأن من مبادئ مجتمع المساواة ألا يحصل رجل واحد على الكعكة الجنسية فينال ما أراد من النساء أو من زوجاتنا وإخواتنا، وإلا انتقم منه الشعب. وفي حالة جون إدواردز، على سبيل المثال، اتخذ هذا الانتقام شكل المنفى السياسي بحرمانه من ترشيح نفسه.. وفي حال دومينيك ستروس - كان فقد يتخذ الانتقام شكل عقوبة السجن.. بل إن الأمر وصل، في حال كاليغولا، إلى القتل ودفع حياته ثمنًا لشهواته الجنسية الكاسحة".