الاغتيال السياسي لستروس كان قد يضر بحظوظ الاشتراكيين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمر الحزب الاشتراكي الفرنسي بمرحلة صعبة، قد تؤثر كثيرًا على حظوظه في الرئاسيات المقبلة، بعد الزجّ بأحد أكبر المرشحين للفوز بها، والمحسوب على هذا التنظيم، دومينيك ستروس كان، وراء القضبان في نيويورك على خلفية اتهامه من قبل عاملة فندق بالتحرش الجنسي.
بوعلام غبشي من باريس: كل استطلاعات الرأي كانت تقدم دومينيك ستروس كان فائزًا في رئاسيات 2012 مهما كان خصمه السياسي، ووقوعه في جحيم المتابعة القضائية، وعلى الطريقة الأميركية التي وصفتها وزيرة القضاء السابقة إلزابيت غيغو "بالعنيفة"، يؤكد الملاحظون أنها ستنال من شعبيته وشعبية رفاقه في الحزب الاشتراكي، إن تأكد قضائيًا أنه متهم بالفعل.
ويؤكد مراقبون أن براءة ستروس كان، إذا ما تبينت، ستجعل منه ضحية مؤامرة، يمكن بالتأكيد أن تنشط شعبيته إلى مستويات عالية، وإن كان يتخوف البعض منهم من أن تذهب هذه المحاكمة في اتجاه يدين المدير العام لصندوق النقد الدولي، خصوصًا بعد رفض القضاء الأميركي منحه السراح المؤقت.
زعيمة الحزب الاشتراكي مارتين أوبري نفت أن يكون هذا الاعتقال لأحد أهم شخصيات الحزب مؤثرًا على الحزب، بل تفيد عمدة مدينة ليل الفرنسية أن الحزب الاشتراكي أكثر تماسكا من ذي قبل، وتعتقد أنه قادر، أكثر من أي وقت مضى، أن يقدم للفرنسيين بديلاً للسياسة الحالية إلى الحكومة اليمينية.
لم يبد اليمين الحاكم أن أي شعور علني بالابتهاج لإقصاء مفاجئ لأكبر المنافسين للرئيس الحالي في سباق الإليزيه المقبل. ودعا ساركوزي الغالبية الحكومية إلى التحلي بالحذر تجاه هذه القضية، فيما اعتبر آلان جوبي رئيس الدبلوماسية الفرنسية أن هذه المحاكمة تمسّ جميع الفرنسيين.
ستروس كان عاشق النساء
هناك إقرار عام من طرف المتتبعين أن وزير حكومة جوسبان الاشتراكية، يعرف بحبّه للنساء، إذ كانت له مغامرات انتهت اثنتان منها بجلجلة إعلامية، سيما تلك التي تورط فيها، باعتراف منه، مع موظفة هنغارية من كوادر صندوق النقد الدولي، فتح تحقيق بخصوص مغادرتها الطوعية لمنصبها، لمعرفة ما إذا كان نتيجة ضغوطات عليها، أم إنه تحقق لها ذلك لكونها كانت تتمتع بمقابل نظير علاقتها الغرامية مع المدير.
في هذا الإطار، اجتهدت وسائل الإعلام الفرنسية والأميركية في "النبش" في علاقة ستروس كان مع الجنس اللطيف، إلا أن محيطه والمقربين منه نفوا جميعًا أن يتصرف ستروس كان بهذه الطريقة العنيفة مع امرأة، وإن كانوا يقرّون بهوسه بالنساء، ولم يفت أحد الأوفياء له التحدث عن المؤامرة، سيما أنه السياسي القوي، الذي أربك حسابات منافسيه الطامحين في الوصول إلى الإليزيه.
لكن لا يمكن لشخصية من وزن ستروس كان تعي جيدًا أنها تخضع للمراقبة، أن تتصرف على هذا المنوال، يقول بعض الملاحظين، سيما وأن المدير العام لصندوق النقد الدولي كان يدرك بدوره أنه مراقب، وتعرضت، طبقًا لما ذكرته صحيفة فرنسية، حواسيبه وهواتفه المحمولة إلى القرصنة.
هل هي مؤامرة نجحت في إلقاء ستروس كان في جحيم العدالة الأميركية؟. غالبية الفرنسيين يعتقدون ذلك، بحسب ما كشف عنه استطلاع للرأي صباح الثلاثاء، وهو ما قد يحدث نوع من التعاطف مع مرشح الاشتراكيين في الرئاسيات المقبلة، حتى وإن قررت العدالة الأميركية الإبقاء على ستروس كان خلف القضبان، إلا إذا اعترف بالعكس أثناء المحاكمة، فالأمور يمكن أن تتخد اتجاهًا آخر.
نهاية تراجيدية لمسار سياسي
يعتقد الباحث في العلوم السياسية كريم أملال أن "المستقبل السياسي لستروس كان انتهى، ولو أنه يجب أن نبقى جد حذرين، ويجب التذكير أنه في غياب إدانته يبقى بريئًا"، مضيفًا أن "هذه القضية حتى لو بقيت هنا، فهي لم تضعفه فقط، وإنما اغتالته سياسيًا ورمزيًا، ففي نظر العامة أنه ارتبط بفضيحة أخلاقية، قضية اغتصاب، وشعبيته ستتناقص لدى الرأي العام".
في الاتجاه نفسه، يستطرد أملال، "ستروس كان حتى اليوم لم يعد مديرًا عامًا لصندوق النقد الدولي، وصورته و"الكاريزما" التي ظل يتمتع بها انهارت، ووقع في زوبعة قضائية خطرة، قد تمنعه من المشاركة في الانتخابات التمهيدية للحزب الاشتراكي"، الذي يختار بموجبه ممثل الاشتراكيين في الرئاسيات.
يقر هذا الباحث في العلوم السياسية، في حديث لإيلاف، "أن إدانة ستروس كان في هذه القضية لا تخدم الحزب الاشتراكي في الرئاسيات، لأنه سيفقد بطله الذي يمكنه وحده أن يجمع من حوله جزءًا مهمًا من اليسار انطلاقًا من الدور الأول".
ويشير أملال إلى جانب آخر في الضرر الذي لحق بالاشتراكيين، وهو أن حزب مارتين أوبري "فقد معركة الأخلاق، وهذا سيخدم كليًا نيكولا ساركوزي، الذي عادة ما يهاجمه الحزب الاشتراكي على هذا المستوى لقضايا عدة تهمه، أثارتها الصحافة الفرنسية في مناسبات عديدة...وسوف لن يكون في استطاعة هذا التنظيم انتقاد سيد الإليزيه لسلوكه اللامسؤول أو غير المناسب".
اليسار الفرنسي كان يراهن على الجانب الأخلاقي في خوض رئاسيات 2012، يوضح الباحث في العلوم السياسية، و"الأخلاقيات كانت السلاح الرئيس له في أفق هذه الانتخابات لمهاجمة ساركوزي، إلا أن هذا السلاح حول فوهته نحوه". كما إن "ستروس كان كان ينظر إليه على أنه الوحيد القادر على إعادة الاعتبار للوظيفة الرئاسية، ولا يوجد أي شخص آخر يساري له من التجربة مثله".
ويرى كريم أملال أن هناك شخصيتين قادرتين على قيادة اليسار الفرنسي نحو الفوز في سباق الإليزيه 2012. "على مستوى القيم، الذي يبدو لي، بتواضعه وصورته لدى الآخرين كذلك، في تناسق مع ما يطلبه الفرنسيون هو فرانسوا هولاند"، يفيد هذا الباحث.
المكانة نفسها تحظى بها زعيمة الحزب الاشتراكي مارتين أوبري، إلا أنها، يبرز محدثنا، "سيعاب عليها أنها ترددت في ترشيح نفسها للانتخابات التمهيدية، ويمكن أن تنتقد على تحالفها مع ستروس كان".
أما من يملك قامة سياسية وتجربة و"كريزما" لتمثيل اليسار في سباق الإليزيه، فيرى أملال، أنها مواصفات لا تتوافر إلا في الوزير الأول السابق "لورون فابيوس، الذي يمكن أن يعلن عن ترشيح نفسه للانتخابات التمهيدية للاشتراكيين..."، يبقى أن يعرف إن "كان يجسد ما ينتظره الفرنسيون بعد خمس سنوات من الساركوزية"، يقول هذا الباحث في العلوم الإنسانية.