التفاعلية في الصحافة الالكترونية تُرضي تطلعات المواطن العربي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يبدو أنّ أهم ميزة للإعلام الإلكتروني، التي جعلته يتجاوز الإعلام التقليدي بمراحل، هي التفاعلية والسرعة في إيصال المعلومة إلى الجمهور على خلاف الإعلام الكلاسيكي. فالتفاعلية المتمثلة خاصة في التعليق وسبر الآراء أضفت على الصحافة الالكترونية ديناميكية جعلتها تقاطع الطريقة العمودية في التواصل.
تونس: أظهرت دراسات وإحصائيات عديدة تقلص حظوة وسائل الإعلام التقليدي أو ما يعرف بالإعلام الكلاسيكي مقابل الاعتماد على تكنولوجيات الاتصال الحديثة في استقاء المستجدات، وما يطرأ من متغيرات، خاصة في ظل تسارع الأحداث في المنطقة العربية، وبلغ عدد مستخدمي الشبكة العنكبوتية في العالم العربي 58 مليون نسمة، حسب تقرير للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.
ويرى ملاحظون ومتخصصون أن الإعلام الكلاسيكي، وخاصة الصحافة الورقية قد تجاوزها العصر، ولم تعد تستجيب لمتطلعات المواطن العربي لعديد الأسباب، والمتمثلة خاصة في كون العملية الاتصالية تتسم بالأحادية، حيث لا يمكن فسح المجال للقارئ ليتفاعل مع محتوى هذه الصحف الورقية والإعلام الكلاسيكي عمومًا، خلافًا للإعلام الإلكتروني، الذي يتميز بالسرعة في إيصال المعلومة، إضافة إلى إمكانية التفاعل مع ما يقدمه هذا الإعلام الإلكتروني أو ما يعرف في العملية الاتصالية بـ"رجع الصدى" أو الـ"فيد باك".
التفاعلية ورجع الصدى
يقول معز زيود أستاذ الإعلام الإلكتروني في معهد الصحافة في تونس خلال مقابلة مع إيلاف إنّ" أهم ميزة للإعلام الإلكتروني هي التفاعلية والسرعة في إيصال المعلومة للجمهور على خلاف الإعلام الكلاسيكي، وخاصة الصحافة الورقية، إضافة إلى التفاعلية المتمثلة خاصة في التعليق وسبر الآراء، وهذا ما يضفي أكثر ديناميكية على الإعلام الإلكتروني، وينهي نهائيًا الطريقة العمودية في التواصل، إذ لا يمكن الحديث عن قارئ وكاتب فحسب، ومن هنا تتمكن الصحيفة الإلكترونية من تعديل محتواها، وتتفاعل مع تعليقات القراء.
كما إن الإعلام الإلكتروني ينتجه بالضرورة صحافيون، المفروض عليهم الالتزام بأخلاقيات المهنة الصحافية، وإتباع منهجية متفق عليها، وهذا ما يميزها على الشبكات الاجتماعية أو ما يعرف بإعلام المواطنة، الذي لا يلتزم في غالب الأحيان بالمصداقية وأخلاقيات المهنة، وهذا لا ينفي القيمة الكبيرة لهذه الشبكات، ولكن في الآونة الأخيرة نلاحظ أنها أصبحت منوالاً ينتج الشائعة".
وأضاف زيود "هناك العديد من الدول العربية قوننت الإعلام الإلكتروني، كالبحرين والإمارات العربية المتحدة، التي تعتبر من أكثر الدول العربية تفوقًا في مجال تكنولوجيات الاتصال، ولكن في المقابل أصدرت قانونًا قوبل بنقد شديد، لكونه يحدّ من حرية التعبير، وهذا يؤكد عدم فهم طبيعة الإعلام الإلكتروني من طرف الأنظمة العربية.
ففي تونس مثلاً كان هناك قانون يخص الصحافة الإلكترونية على وشك أن يصدر قبل الثورة للحدّ من حريته، كما إن الصحافيين العاملين في هذا القطاع لا يتمتعون بصفة الصحافي المحترف باعتبار غياب قانون ينظم القطاع الإلكتروني وهذا مغلوط وغير معقول، فالصحافي يستمد صفته من مهنته، لا من طبيعة الوسيلة الإعلامية التي تشغله، ومن هنا المطلوب هو مدونة، وليس قانونًا، مدونة تحدد أخلاقيات المهنة وتعرف الإعلام الإلكتروني مثل الدول الغربية، ففرنسا التي يقتصر فيها القانون على تعريف الإعلام الإلكتروني فقط تم إصداره فييونيو/حزيران 2009.
وتابع المتخصص في الإعلام الالكتروني قائلاً "الإشكالية بالنسبة إلى الإعلام الإلكتروني ليس المنافسة من طرف الإعلام الكلاسيكي، الذي تجاوزه العصر، إنما من جانب الشبكات الاجتماعية التي تفتقد المهنية والمصداقية، إضافة إلى اعتماد الأنظمة العربية آليات القمع المسلط نفسهاعلى الإعلام التقليدي عن طريق الحجب والترهيب، لكن في المقابل يجب على الإعلام الإلكتروني الالتزام بأكثر مرونة وتقبل الآراء المخالفة لتوجهاتها حفاظًا على مصداقيته...".
الالكترون يصنع الرأي العام
من جانبه قال الأستاذ في جامعة "روتجرز" الأميركية الدكتور طارق الكحلاوي لـ"إيلاف": نمر في تونس بتحولات عميقة بشكل متزامن استغرق بعض من الدول حتى العريق في الميدانين الإعلامي و التكنولوجي مراحل متفرقة، حيث نعيش التحول من إعلام مقموع إلى إمكانية إعلام حر (وليس إعلامًا حرًا بعد)، وفي الوقت نفسهالتحول من هيمنة الإعلام الورقي إلى نفوذ متزايد للإعلام الالكتروني، وهذا يعني أن هذه التحولات ستمر في صعوبات كبيرة بسبب تعدد التحديات، ولكن أيضًا بسبب عدم جاهزية البلاد من حيث الأطر الإعلامية والخبرات وأحيانًا حتى القابلية التسويقية لان تتم هذه التحولات بشكل سلس".
وتابع الباحث التونسي "الشبكات الاجتماعية في السياق التونسي ستقوم بممارسة دورها الطبيعي الآن بعد خصوصية دورها خلال الثورة، ويجب التذكير هنا أن دورها الريادي إعلاميًا خلال الثورة لم يكن نتيجة لظروف طبيعية، بل لمحدودية وسائل الإعلام الأخرى حتى الإعلام الالكتروني، إذ كان فايسبوك بشكل خاص مجالاً ناجعًا للتشبيك الأفقي تحت أنف السلطة، وأيضًا لتجاوز آليات الحجب عبر تقنية الرابط المؤمن، ومن ثم أمكن من خلال موقع واحد تعويض كل المواقع الأخرى (مدونات، مواقع تقاسم الفيديو، تقاسم الصور..)..
فكان فايسبوك في عصر الحجب أداة إعلام الكتروني بالصدفة، وليس بالاختيار. أما الآن فسيتم استخدامه تدريجًا في سياق الحشد والإشهار السياسي والحزبي والجمعياتي أكثر فأكثر، ورغم ذلك سيبقى مثل المنتدى الواسع لتبادل الأخبار ونقاشها، ومن ثم المساهمة في صناعة الرأي، وعودة الحجب من خلال حجب صفحات فايسبوك بشكل خاص يعكس تواصل دوره الطليعي في صناعة الرأي العام".
الثوار أصحاب ثقافة الكترونية لا ورقية
سامي براهم أستاذ الحضارة العربية في الجامعة التونسية يقول لـ"إيلاف: "من لم يفهموا ولم يستوعبوا ما حصل في تونس ومصر وباقي المناطق الثائرة أو المتحفزة للثورة هم أصحاب الثقافة الورقيّة الذين بقيت مقتصرة على المقروء الخطي المسطّح بصريًا والمراقب من طرف أجهزة الدول والخاضع للمحاصرة من خلال الإشهار والدّعم. أما صناع الثورة الحقيقيّون فهم نجوم الفضاء الالكتروني الذين جعلوا من العالم الافتراضي أكثر واقعيّة من العالم المحسوس، والذين بقوا يشككون في هويّة التغيير الحاصل، هل هو ثورة أو انتفاضة أو هبة (لأن الثورة الحقيقيّة يسبقها تراكم على مستوى الوعي) والأفكار لم يستوعبوا أنّ مراكمة الوعي لم تتمّ في الفضاءات التقليديّة المعروفة كالأحزاب الطلائعيّة والمنتديات الثقافيّة.
بل في الفضاء الالكتروني الذي احتضن كل أشكال التّواصل الثقافي والفني والجمالي والإعلامي ورسّخ روح المبادرة لدى الشباب بما ينشرون على المواقع الالكترونية من مواد إعلاميّة وتحليليّة مهربة تتحدّى سلطة الرقيب التي بقيت تقليديّة تنتمي إلى عالم ما قبل الانفجار الالكتروني، الذي يتوافر على المقومات الذاتية والسريعة للتجدد والحصانة ضد القرصنة والقصف والتّدمير الذي يمارس على المواقع".
ويؤكد براهم أنّ "صناع الثورة الحقيقيون هم صحافيون ملؤوا الدنيا الافتراضيّة وشغلوا الناس من خلال أدائهم المهني المتميّز الذي مكّن من تجسير الهوّة بين المواطن والمعلومة التي كانت طيلة عقود تحت سيطرة الدّولة سجينة الرقابة وإعلام الولاء و الدّعاية ... هؤلاء الصحافيون الإلكترونيون الشبان الذين يخاتلون الرقابة ويتحدون سلطتها، ويعملون في ظروف لا تخضع لتقنين واضح، هم صناع الثورة وحافرو خنادقها ومشعلو شرارتها وحماتها في المستقبل".
تجدر الإشارة إلى أن تونس توصف بأكثر الدول التي تقمع حرية استخدام الإنترنت في فترة حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، ولا تتوانى في حجب أي من المواقع الإخبارية التي تنقد السلطة والمقربين منها، فقد قامت بحجب الجزيرة نت مثلاً فور تناولها كتاب "حاكمة قرطاج والاستيلاء على تونس"، وحجبت جريدة "إيلاف" حال تطرقها إلى الاحتجاجات في بداية الثورة التونسية.