أخبار

باريس تبدي استعدادها لدعم تونس سياسياً واقتصادياً

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تبدي باريس اليوم نوعا من الاستعداد لدعم تونس اقتصادياً وسياسياً في مرحلة ما بعد الثورة وتغيير طريقة تعاطيها مع تطلعات الشعوب العربية في الديمقراطية والحرية.

باريس:يبدو أن باريس تعمل ما في وسعها لتدارك التقدير الخاطئ للانتفاضة الشعبية التونسية عندما كانت في بدايتها، و يلاحظ المراقبون أن خطاب الدبلوماسية الفرنسية تجاه الانتفاضات الشعبية في العديد من البلدان العربية أصبح إيجابيا للغاية.

كما يؤكد الملاحظون أنه حصل، بموجب ذلك، اقتناع لدى أصحاب القرار الفرنسيين على تغيير طريقة تعاطي باريس مع تطلعات الشعوب العربية في الديمقراطية و الحرية.

ويبدو أن فرنسا تجتهد، اليوم، لأن تقدم للحكومات العربية الأخرى، من خلال النموذج التونسي، إشارات مقروءة عبر مواقفها من الانتفاضة السورية أو الثورة الليبية...على أن التحالفات الممكنة مستقبلا ستكون مع الشعوب التي تكون مستعدة لذلك.

وتوّجت زيارة الوزير الأول التونسي باجي قائد السبسي إلى باريس، بدعم مالي في صيغة قرض من الوكالة الفرنسية للتنمية قدره 350 مليون يورو، الغرض الأول منه هو "تعزيز دولة القانون و التنمية الاقتصادية في هذا البلد"، إضافة إلى الرغبة الواضحة للمسؤولين السياسيين الفرنسيين في تمتين الصلة مع المجتمع المدني التونسي.

تونس مختبر للديمقراطية

ينظر المختصون إلى تونس كفضاء صالح لتجريب نموذج الديمقراطية في العالم العربي، و فشله يعني انتصار لجميع الديكتاتوريات في العالم، و لم يعد بالتالي في صالح فرنسا وباقي مكونات المجتمع الدولي ترك هذه التجربة لنفسها، لأن إنضاجها بمفردها يضر بمصداقية التعاون بين الطرفين، بل قد تنحاز نحو الأسلمة بفهوم راديكالي والدخول في عداء للغرب.

مجموعة من الاقتصاديين الكبار و علماء سياسة معروفين على الساحة الدولية وقعوا مقالا مشتركا على صحيفة "لوموند" حددوا فيه التوجه العام الذي ينبغي أن يسير فيه المجتمع الدولي، بما فيه باريس، في التعاطي مع التجربة التونسية، حتى لا تضيع من بين أيديهم "فرصة وحيدة لإبراز أن الديمقراطية يمكن أن تتلوها التنمية".

هؤلاء المختصون يدركون جيدا الفاتورة الثقيلة التي أداها الاقتصاد التونسي مقابل التحول الديمقراطي الذي يعرفه، لأن الثورة، بحسب هذا المقال النداء، "ليس لها ثمن"، لكنها كلفت الاقتصاد المحلي ما قدره 4، 1 مليار يورو، أي 4 بالمائة من معدل نمو البلد، كما أن السياحة تضررت كثيرا، وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع في حجم العطالة.

وينادي هؤلاء، و نذكر من بينهم فيليب أغيون، دانييل كوهن، جون بول فيتوسي، جاك أطالي، جان هيرفي لورونزي، ريشار بورط، إيلين راي...و آخرون، بما أسموه "بمخطط اقتصادي لدعم التحول الديمقراطي في تونس"، في أفق قمة مجموعة الثماني، التي ستنعقد آواخر هذا الشهر، في دوفيل بفرنسا.

تمويل المخطط

المخطط يدعو مجموعة الثماني إلى توفير دعم مالي يتراوح بين 20 و 30 مليار دولار، لمدة خمس حتى عشر سنوات، بأهداف واضحة، لتنشيط الاقتصاد المحلي، و ما يتبع ذلك من إنعاش للدينامية التنافسية الصناعية، تسمح بإبراز مقاولات صغيرة و متوسطة.

و يدعو هذا المخطط البنوك العالمية المعروفة، (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، البنك الأوروبي لإعادة البناء و التنمية، البنك الأوروبي للاستثمار)، إلى "إعلان صريح فيما بينها حول مقتضيات التنسيق، حتى تتمكن جميعها من الإسهام بفاعلية في النمو الاقتصادي لتونس و إعاة بنائها".

كما شدد المخطط ذاته على تمكين تونس من صفة الشريك الأوروبي، بصيغة تسمح لها من الاستفادة من "صندوقي الهيكلة الأوروبية"، إضافة إلى خلق "ميكانزمات لتبادل المعرفة بين شباب المتوسط".

هذا المخطط اعتبره المختص في الشأن التونسي مجيد بودان، في حديث لإيلاف، "جيدا" إلا أنه "كلاسيكي"، منبها إلى مخاطر السقوط في "بلية" المساعدات، لأنه برأيه "لا يمكن أن ندعم شعب دون أن يعتمد على نفسه، ليبقى في دوامة المساعدات التي لا تخرج من التخلف و إنما تغرق الدول فيه".

رئيس جمعية المحامين الدوليين في باريس مجيد بودان

حاجة تونس إلى الدعم الفرنسي

زيارة رئيس الوزراء التونسي في بحر الأسبوع الأخير إلى باريس تؤكد، برأي مجيد بودان، رئيس جمعية المحامين الدوليين بباريس، أن فرنسا تبقى "الشريك الأول لتونس اقتصاديا ودبلوماسيا، وهي "حتمية". ويقول إن "الشعب التونسي بدوره يدرك أنه لا يمكن أن يدير ظهره لفرنسا لأنه توجد بين الدولتين علاقة عضوية و الكثير من التقارب بين الشعبين".

ويعتقد المحامي الدولي أن باريس راجعت كثيراً سياستها تجاه تونس، و هي في طور تقوية علاقتها مع شعب هذا البلد، بعد الذي حصل من سوء تقدير للأوضاع من طرف دبلوماسيتها للأوضاع إبان بدايات الانتفاضة التونسية، سيما و أن تونس "تمر في الوقت الحالي في ظروف دقيقة وهي في حاجة لدعم دولي يمكن أن تلعب فيها فرنسا دورا كبيرا".

و يفسر بودان هذا الدعم في كونه قادر على ردع "فلول بقايا نظام بن علي، وهم كثر، الذي يحاولون إرباك عملية استكمال الجزء الثاني من الثورة..."، كما أن هذا السند الفرنسي سيمكن تونس، التي يتضامن شعبها مع الثوار الليبيين، من إخفاق أي محاولة للقذافي و نظامه لنقل الحرب على الجبهة التونسية".

و أوضح المختص في الشأن التونسي أن "المرحلة القادمة ستكون أكثر تعاونا بين الطرفين، وبالتالي نكون قد مررنا من مرحلة إلى مرحلة أخرى، لا تغفل فيها باريس عنصر الشعب عند عقدها لأي نوع من أنواع الشراكات مع تونس، لأن هذه الأخيرة كانت تبنى في عهد النظام البائد ببعد يخدم بن علي كشخص و حاشيته".

الدعم الاقتصادي يبدأ باستعادة أموال بن علي

وشدد بودان على أن يخضع الاستثمار في تونس لكل شروط الشفافية، حتى يكون المستفيد الأول و الأخير منه هي الدولة و بالتالي الشعب التونسي، و إن كانت هناك امتيازات للشركات الفرنسية أو الأجنبية الأخرى، تكون وفق قوانين السوق الواضحة، وليس على العلاقات الشخصية أو شيئا من هذا القبيل.

ويركز مجيد بودان على عنصرين يراهما مهمين في الدفع بالاقتصاد التونسي:

أولا، منح قروض بدون فائدة، لأن الهبة، برأيه، تعلم الكسل و الخمول
ثانياً، مساعدة فرنسا للحكومة التونسية وبشكل مستعجل على تحويل الأموال التي هربها بن علي إلى فرنسا أو غيرها من البلدان الأخرى، و كذلك تشكيل لجنة مختصة لمراقبة صرف هذه الأموال.

كما دعا مجموعة الثماني إلى وضع "مخطط مرشال" يكون الهدف منه تشغيل الشباب وإنعاش المناطق المحرومة، كما أبرز لما للقطاع الخاص من دور في هذه العملية، والذي بإمكانه أن يساهم بشكل فعال في التنمية الاجتماعية بموازة دوره الاقتصادي.

الثورة لا تكتمل إلا بعدالة حقيقية

العملية السياسية بدورها في حاجة إلى تمويل دون أي "تدخل أجنبي" في الحياة السياسية المحلية، يوضح بودان، يكون الهدف منها خلق أحزاب قوية قادرة أن تقود تونس إلى مرحلة ما بعد الثورة، زيادة لما للقضاء من دور، في غاية الأهمية، في هذه الفترة الانتقالية، يضيف المحامي الدولي.

و يقول في نفس السياق:"إنه لا يزال يوجد تونسيون وراء القضبان نتيجة أحكام ظالمة...و لا يمكن بناء دولة قانون بدون معالجة واسعة لقطاع العدالة"...داعيا إلى مراجعة جميع الأحكام الصادرة في فترة بنعلي، لأنه، بحسب تفسيره "المستفيدون من العفو كانوا جميعا ينتسبون إلى أحزاب تونسية"، أما التونسي العادي الذي قد يكون صدر بحقه حكما جائرا بقي في المعتقل.

"والثورة لا يمكن لها أن تكتمل إلا بعدالة حقيقية"، و من هنا، يرى بودان، ضرورة مساعدة تونس على الانتقال من "قضاء فاسد إلى قضاء عادل".

وتملك تونس بنية تحتية قضائية لا بأس بها، من محاكم و غيرها، و الذي يجب القيام به الآن، يقول المحامي الدولي، هو "فتح ملف القضاة"، كما تطالب به جمعية القضاة نفسها، مؤكدا "وجود قضاة أكفاء" في تونس.

ولفرنسا و باقي البلدان الديمقراطية من الإمكانيات البشرية و المالية ما يمكن لها أن تساعد هذا البلد المغاربي على بناء قضاء حقيقي، بعد أن تحضر الإرادة السياسية بهذا الخصوص لدى المسئولين في تونس، بحسب رأي محدثنا مجيد بودان.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف