اتهام وزير بـ "التحرش الجنسي" لا يسمح للمعارضة بإعطاء دروس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بعد أسابيع من اندلاع قضية المدير العام لصندوق النقد الدولي والوزير السابق دومينيك ستروس كان، تنفجر فضيحة أخلاقية أخرى في الأوساط السياسية الفرنسية، التي مسّت وزيرًا في الحكومة، ما أدى إلى طرح مسألة "تطهير" الحياة السياسية في فرنسا على ساحة النقاش.
بوعلام غبشي من باريس: حتى الآن لم يثبت لا من قريب ولا من بعيد أن جورج ترون كاتب الدولة في الوظيفة العمومية متورط فعلاً في فضيحة أخلاقية، جراء اتهامه من طرف عاملتين سابقتين في البلدية التي يديرها، "بالتحرش الجنسي".
لكن تهمة من هذا النوع، وإن كانت لا تزال قيد البحث والتحقيق من طرف الأجهزة الأمنية بتكليف من القضاء، فهي فرضت على من استهدفته مغادرة الحكومة الفرنسية على مضض، بعد استقالة وجهت إلى الوزير الأول فرانسوا فيون. هذه الاستقالة جاءت، بحسب مراقبين، تلبية لرغبة الإليزيه وماتينيون، الوزارة الأولى، لأنه لم يكن بالإمكان الاستمرار في تلقي هجمات من أطراف مختلفة تستهدف وزيرًا في الحكومة، وإلا سينال ذلك من سمعتها، يقول هؤلاء المراقبون، ما قد يؤدي إلى إضعافها.
استقالة تلقى ترحيبًا يمينًيا
نواب من الغالبية الحكومية، الذين رحّبوا بالاستقالة، شأنهم شأن نظرائهم في المعارضة، دفعوا في اتجاهها من ذي قبل، عندما أصبحت القضية تأخد أبعادًا إعلامية ضخمة، وتخوفوا من تأثيرها حكوميًا، خصوصًا بعدما "ارتفعت معنوياتهم جراء انهيار ستروس كان"، الذي كان المرشح الأوفر حظًا للفوز في الرئاسيات المقبلة.
ورد في هذه الاستقالة التي صاغها صاحبها على صفحة بالكامل، أن الوزير المستقيل يريد أن "يجعل من إثبات براءته قضية شخصية"، إلا أنه لم يتخل عن عمادة مدينة "درافي" في منطقة "ليسون"، رغم دعوات المعارضة إليه بالاستقالة منها كذلك.
وظهر نوع من الارتياح لدى رموز اليمين الحاكم عقب هذه الاستقالة ابتداء من عناصره الموجودة داخل الحكومة، كوزير الشؤون الخارجية آلان جوبي، الذي كان معها قبل إعلان هذا الوزير الانسحاب من الحكومة، حيث صرح أن "السياسيين يجب أن يكونوا فوق كل الشبهات".
وكان رئيس الدبلوماسية الفرنسية أول من علق على هذه الاستقالة، حيث اعتبر أنه "عندما نكون متهمين بتهم خطرة من هذا النوع، الأخلاقيات تتطلب الاستقالة..."، وحيا في الوقت نفسه هذه الخطوة واصفًا إياها "بمنطق المسؤولية لدى جورج ترون الذي راعى المصلحة العامة، وهي استقالة ستسمح له بإعداد دفاعه بكل حرية".
المعارضة لا يمكنها أن تعطي دروسًا للحكومة الفرنسية
أظهرت المعارضة اليسارية الكثير من التحفظ تجاه هذه القضية، وهو ما لم يستغربه الملاحظون نظرًا إلى انغماسها في قضية ستراوس كان، وبالتالي يقول هؤلاء إنها لم تعد مؤهلة لإعطاء اليمين الحاكم "دروسًا في الأخلاق"، سيما أنها لعبت لسنوات على هذه الورقة عندما كانت تهاجم ساركوزي.
وقال الإعلامي والباحث يوسف لهلالي، في تصريح لإيلاف، إن "المتتبع للحياة السياسية الفرنسية يلاحظ بكل تأكيد، الكياسة الكبيرة التي تعاملت معها المعارضة الاشتراكية مع هذه القضية، فبعد قضية ستراوس كان لم يكن ممكنًا بالنسبة إليها أن تعطي الدروس للحكومة، في انتظار قرار القضاء في هذه القضية".
وإن كانت هذه المعارضة اليسارية ستستفيد في حالة إدانة هذا الوزير، تقول الإعلامية والمحللة السياسية صوفيا المنصوري، متحدثة لإيلاف، "في حالة ثبوت تورط جورج ترون فإن المعارضة اليسارية ستسجل نقاطًا مهمة".
وأضافت "الإدانة لوزير داخل الحكومة، حتى وإن أعفي من مهامه أمر يصبّ في اتجاه تقوية دور المعارضة، خصوصًا وأنها ليست أول فضيحة في سجل الحكومة الفرنسية الحالية".
وزادت قائلة "الانتقادات التي ستوجهها المعارضة اليسارية للعمل الحكومي لن تكون فقط مبنية على ضعف في المردودية بالنسبة إلى قطاع حكومي معين، وإنما ستكون انتقادات موجهة ضد انزلاقات العمل الحكومي برمته على أساس أن الحكومة اليمينية هي حكومة فضائح أخلاقية وما إلى ذلك...".
كما استطردت "هذا بالنسبة إلى المعارضة اليسارية ككل. أما بالنسبة إلى الحزب الاشتراكي الذي يقود هذه المعارضة، ففضحية أخلاقية مفترضة لوزير من اليمين ستخفف من وطأة الحملة الإعلامية التي أثارتها قضية ستروس كان، وستدفع في اتجاه انشغال الناس والإعلام بقضية أخرى، مما سيمكن الاشتراكيين من التفرغ إلى التحضير للانتخابات الرئاسية واختيار مرشحهم في جو من الهدوء".
سمعة الحكومة الفرنسية فوق كل اعتبار
يعتقد لهلالي "أن رغبة الحفاظ على سمعة الحكومة الفرنسية هي التي عجلت باستقالة الوزير، خاصة أن قضية ستراوس كان كانت تلقي بظلالها على الحياة السياسية الفرنسية، رغم أن الوزير مازال بريئًا حتى تثبت إدانته من عدمها".
وهو السياق عينه الذي سارت فيه صوفيا المنصوري التي أكدت، "أن ساركوزي كان سريعًا هده المرة في حسم الأمر وسد الباب أمام خصومه السياسيين بأن أخرج جورج ترون من دائرة المسؤولية الوزارية، وبالتالي إعفاء الحكومة الفرنسية ككل من تحمل تبعات ملف أخلاقي في حال انتهائه بالإدانة".
كما أضافت "لاننسى أنها ليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الاستغناء عن وزراء في حكومة فرنسوا فيون، بسبب تورطهم في فضائح أخلاقية لها علاقة بذمتهم المالية أو باستغلالهم مناصبهم للحصول على امتيازات، ونذكر منهم آلان جويوندي، وكريستيان بلان، وإيريك فورت، وبريس اورتفو، وميشال آليو ماري، ففي ظرف سنة فقط استقال خمسة وزراء".
وأوضح يوسف لهلالي، من جهته، "في اعتقادي مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، فإن ساركوزي لن يسمح بأي خطأ من أعضاء حكومته يمكن أن يؤثر سلبًا على ترشحه، وبالتالي إمكانية إعادة انتخابه" رئيسًا لفرنسا لولاية ثانية.
ويرى لهلالي أن هذه الواقعة لا يمكن أن تؤثر على سمعة اليمين الحاكم، حتى لو ثبت قضائيًا تورط هذا الوزير في هذه الفضيحة الأخلاقية، لأن "الفرنسيين متسامحون جدًا مع سياسييهم في القضايا الأخلاقية والعلاقات خارج مؤسسة الزواج أكثر من الأميركيين".
وحصر الرفض القطعي لهذه الممارسات، خصوصًا في ما أسماه "بحلقات مناضلات القضايا النسائية التي تطالبن أكثر بالصرامة في هذا المجال"، متسائلاً "لكن هل يلتقي بهذا الخصوص المناضلات النسائيات مع المتطرفين الطهرانيين؟"، على حد تعبيره.
سمعة العمل السياسي في فرنسا على المحك
تناسل القضايا الجنسية التي يكون أحد أبطالها سياسي أدى بالبعض إلى اعتبار أن مهنة السياسي أصبحت من أخطر المهن، لأنها، بحسب تفسيرهم، تجر على صاحبهااتهامات في الغالب جنسية، معتبرة أن مبدأ قرينة البراءة أصبح مهددًا.
ويعتقد البعض من هؤلاء أنه بمجرد ما تتهم امرأة أحد السياسيين بالاعتداء الجنسي، تنفجر القضية إعلاميًا، ويتحول المسؤول السياسي متهمًا في عيون بعض وسائل الإعلام، ومعها العديد من الفرنسيين، وإن كان القضاء لم يحسم بعد في التهمة الموجهة إليه.
إلى جانب دعاة تطهير الحياة السياسية الفرنسية، ظهر تيار يدعو إلى إعطاء قرينة البراءة أهميتها في هذه الحالات، مسجلة تغييبها إعلاميًا عندما يتعلق الأمر بالسياسيين، ما يسيء، على حد قولها، إلى العمل السياسي والسياسيين عامة.
تقر المنصوري "أن هذه القضية ستؤثر سلبًا على مصداقية العمل السياسي في فرنسا، طبعًا في حالة ثبوت التهمة، مما سيؤدي إما إلى عزوف المواطن الفرنسي عن العمل السياسي وعن التصويت، وهذا قد تنجم منه هوة بين المواطن والسياسة، أو ستؤدي إلى جانب قضية ستروس كان إلى تقوية موقع اليمين المتطرف" طبقًا لتوصيفها.
التعليقات
المناضلات النسائيات؟
عازف -بان كي مون: تحول منظمة الأمم المتحدة خلال فترة إدارتي إلى منظمة فضائح أخلاقية أبطالها موظفو البعثات ومكاتب المنظمة عبر العالم لم يدفعني بعد إلى الاستقالة من منصبي كأمين عام لانني أنتظر ما ستقوم به نافي بيلاي وإرينا بوكوفا المتهمتين بالتعتيم على فضيحة استغلال موظفي وزارة الخارجية البريطانية لمنح تشيفننج الدراسية لتهريب شباب من دول فقيرة ونامية لاغتصابهم واستغلالهم جنسيا في بريطانيا. حيث أنهما معا من مناضلات القضايا النسائية التي تطالبن أكثر في هذا المجال، فإنني انتظر تقديمهما الاستقالة لأحذو حذوهما.