«سجّلنا التاريخ وصنعناه».. «نيوز اوف ذي ويرلد» تودّع قراءها

في افتتاحية وداع لآخر عدد لها بعد انقضاء 168 عاماعلى تأسيسها، تلقي "نيوز أوف ذي ويرلد" نظرة سريعة على تاريخها، وتمضي لتقر بأن فضيحة التنصت التي أغرقتها كانت خطأ قاتلا ارتكبته قلة باسمها وأُخذت الأغلبية النزيهة بجريرتها.

لندن: صباح الأحد حرص البريطانيون على الاستيقاظ مبكرا لتلقف آخر عدد من صحيفتهم الشعبية الأسبوعية الأولى "نيوز اوف ذي ويرلد".. وخلال أقل من ساعة من فتح منافذ التوزيع كانت النسخ المطروحة قد بيعت عن آخرها. فحتى اولئك الذين لم يشتروها من قبل حرصوا على اقتنائهم قطعة من تاريخ بدأ في الأول من اكتوبر / تشرين الأول 1843.

الصحيفة نفسها خرجت وهي تحمل على صفحتيها الأولى والأخيرة صورا مختارة من صفحاتها الأولى على مر تاريخها مع عنوان رئيس يقول "شكرا ووداعا" وكتبت تحته "بعد 168 عاما نلقي أخيرا، بحزن ولكن بفخر، تحية الوداع لـ7.5 ملايين من القراء الأوفياء".

وصدّرت الصحيفة افتتاحيتها الوحيدة بكلمات الروائي البريطاني جورج اوريل وهي: "ظهر الأحد، حبذا قبل الحرب، زوجتي تنام على الكرسي الوثير بعد خروج الأطفال الى نزهة بعيدة وطويلة. فتضع قدميك على الأريكة وتعدل وضع نظارتك على أنفك ثم تفتح "نيوز اوف ذي ويرلد".

وتقول: "هذه الكلمات التي اختطتها يد الكاتب العظيم في 1946 تعكس مشاعر الأمة جمعاء على مدى أكثر من قرن ونصف القرن، لأن هذه الصحيفة أصبحت جزءا من نسيج بريطانيا ولا يعدل أهميتها يوم الأحد الا غداء الشواء الانكليزي".

وتشير الافتتاحية الى أن عددها الأول خرج في مطلع اكتوبر 1843 وهو يعد بصحيفة "جديد الأمم ومن عجائب الدنيا.. تليق بالدار الفخمة وأيضا بالكوخ". وتقول إن هذا "ظل ديدننا عبر 168 عاما شهدت تولي ستة ملوك وملكات العرش. عشنا عبر التاريخ.. فسجّلناه وصنعناه.. منذ رومانسية مطبعة المعدن الساخن الى ثورة العصر الرقمية.

"وعلى سبيل المثال ففي 24 ديسمبر / كانون الأول 1843، عشية عيد الميلاد الأولى بعد صدورنا، استعرضنا رواية نشرها مؤلفها قبل ذلك التاريخ بأسبوع واحد. وهي "ترنيمة الكريسماس" لتشارلز ديكنز. ولحسن الحظ فقد كان حكمنا إيجابيا على هذه الرواية التي صارت جزءا من تراثنا القومي.

"وكنا الصحيفة الوحيدة التي سجّلت رفع الحصار عن ميفكينغ (جنوب أفريقيا، وكان هذا هو العامل الذي قدم النصر للقوات البريطانية في حربها على البوير) في يوم الواقعة نفسه. وسجّلنا أيضا وفاة الملكة فكتوريا، وغرق السفينة "تايتانِك"، وأول إنسان على سطح القمر، ووفاة الأميرة دايانا.. وتطول القائمة. ولم نكتف بذلك فكثيرا ما رفعنا النقاب عن كبرى الفضائح ووثقنا أخبار المشاهير على مر الزمن.

"وفي دنيا الرياضة تصدرنا بقية الصحف بأفضل تغطية في البلاد، وهذا تقليد ميّزنا منذ العام 1895 عندما نشرنا أول تقرير عن كرة القدم وأتبعناه بأول ألبوم لصور كبار نجوم اللعبة في 1895 - 1896.. بعض الأشياء لا تتغير ابدا لأن هذا ظل دأبنا منذ ذلك الوقت وحتى الوقت الحاضر.

"كما أننا غيّرنا حياة الناس عبر حملاتنا الشعبية، مثل تلك التي قمنا بها في القرن التاسع عشر ضد تشغيل الأطفال. وفي هذه الأزمنة المعاصرة كافحنا من أجل قوانين عدة مثل "قانون سارّة" الذي يشمل طائفة من الأحكام بما فيها حق الآباء في معرفة ما إن كان مستغلو الأطفال جنسيا يعيشون في أحيائهم".

وتمضي الافتتاحية معددة إنجازات الصحيفة مثل تقديمها لعبة لكل طفل يحارب والده أو والدته في أفغانستان، وإجبارها كبرى شركات الكمبيوتر على حراسة مواقعها من أجل حماية الأطفال. على أنها تواجه الحقيقة فتقول أيضا: "لقد التزمنا بأعلى المعايير..

ولكن، كما نعلم بمزيد من الحزن والألم، فقد شهدت الفترة منذ العام 2006 أن بعض من عملوا معنا، أو باسمنا، لم يلتزموا بتلك المعايير. ببساطة فقدنا البوصلة.

"تنصّت بعضنا على هواتف الناس وهذه الصحيفة تعتذر من القلب عن هذه الممارسات. لا شيء يبرر نوع الألم الذي عاناه الضحايا ونوع التلطخ الذي أفسد تاريخنا العظيم. ومع ذلك فكلنا أمل في أن يُحكم علينا بكل تاريخنا وليس بهذه الكبوة وحدها. ويؤلمنا أن رجال هذه الصحيفة ونساءها، وهم أناس على درجة عالية من المهارة والشرف والنزاهة والاستقامة، أُخذوا بجريرة غيرهم.

"وعلى الطريق نحو الغفران فقد قررنا أن توزع سائر العائدات المالية من مبيعات هذا العدد الأخير بالتساوي على ثلاث جمعيات خيرية. وفي غضون ذلك فنحن نؤيد قرار رئيس الوزراء تشكيل لجنتي تحقيق مستقلتين لسبر أغوار ما حدث عندنا والنظر في المعايير الصحافية الأخلاقية ككل.

"ولكن فوق كل شيء في هذا اليوم الذي يشهد إسدال ستار الختام على هذه الصحيفة بعد صدور 8674 عددا منها، فسنفتقدكم أنتم القراء.. 7.5 ملايين شخص منكم لأنكم صرتم حياتنا. لقد أضحكناكم، وعقدنا ألسنتكم بالدهشة، وأثرناكم.. وأغضبناكم أيضا. لكنكم صرتم أهلنا كما صرنا أهلكم، فنتبادل الزيارات كل أسبوع. شكرا على دعمكم لنا، وسنفتقدكم فوق ما يمكن أن تعبّر عنه الكلمات.. وداعا"!